سحر غريب
بقلم : سحر غريب
لي صديقٌ يكذبُ كما يتنفس، يرفضُ دائمًا أن يكونَ صادقًا حتَى لو كانَ في الصدقِ نجاة له أو لغيره، أتعامل مع قصصه وحقائقه دائمًا بشكٍ وريبة، تُتعبُني معرفتَه؛ فهو كالزئبق يحيكُ حولي عددًا غير طبيعي من الأكاذيب، أفشلُ دائمًا في إثبات كذبه لأنه ليس كذابًا عاديًا، بل أنه "أستاذ دكتور" في الكذبِ النظيف الذي لا غُبارَ عليهِ.
فهو يتعاملُ معَ كذبته على أنها حقيقةٌ مؤكدةٌ، يَعيشُهَا ويتبنَّى مهمةَ إقناعِ الناسِ بها، تنبأتُ له كثيرًا بأن يكونَ سياسيًا بارزًا يُشار إليه بالبنان، فصفة الكذب يَحتاجُها كلُّ سياسيٍ مُخضرَم، حتى يَبقى في منصبه ثم يترقى لأرقى المناصب، والدليل على ذلك ساحة مصر السياسية التي دَخلها كلُّ كاذبٍ منافقٍ مُداهنٍ للسُلطةِ مُقبِّلٍ للأيادي.
وصديقي هذا يَصلُح بشدةٍ لأن يمسكَ في يدهِ ملفَ المياه ليحلَ مشكلة الفزَعَ الداخلي بين جُموع المصريين، خوفًا على حصة مصر من المياه التي لا تكفينا حاليًا، فما بالك بعد تخفيض حصتنا فيها؟
ساعتها سيستطيع صديقي بحنكتهِ أن يُقنعَ الشعبَ بأن الأمنَ مُستَتِبٌ، والمياه ما زالت تجري في مجاريها ومواسيرها وبلاعاتها، والحياة ستظل تسير على وَتيرةٍ واحدة، سَيتبنَّى صديقي فكرة الحكومة وقناعتها، وسيؤكد علي أن اتفاقية المياه التي تمت بين دول أفريقيا غير مُلزمة، قد تكون حجة الحكومة سليمة (الشك دائمًا في صالح الحكومة المُتَهمَةُ دائمًا بالتقصير من شعبها)، ولكننا كشعبٍ مصري اعتدنا على أن تكذبَ علينا الحكومةُ مرةً صباحًا وأخرى ليلاً، ومرةً بين الوَجبَات، فأصبحنا نَرفضُ تَصديقها حتى لو اتقت اللهَ فينا وقالت معلومة بديهية مثل: "الشمس تشرق من الشرق"، فنحن نعاني من كذب الحكومة المريضة بالكذب أيما معاناة.
ساحة الكذابين تَحتاجُ من الحكومة إلى تجديدٍ، فالكذَّابُ القديم الذي علَّمَ الشعبُ على جبهتِه بالقلمِ الأحمر، يَحتاجُ إلى إحلالٍ واستبدالٍ بكذابٍ أخرٍ جديدٍ لم يُعلِّمْ عليهِ الشعبُ بعد.
سنحتاجُ بشدةٍ في الفترة القادمة إلى كذَّابين جُدد ودمٍ طازجٍ يتولى أمورَ أكاذيبنا القومية، سنَحتاجُ إلى عيِّنَة من صديقي لكي نتجرَّعَ مياهَ البحر المالحة، مع تأكيدٍ حُكومِي بأن تلك المياهُ هي: "مياهٌ عَذبة من النيلِ رأسًا إلينا".
http://www.copts-united.com/article.php?A=18237&I=452