لماذا إرضاع الكبير؟!

بقلم: محمد صادق دياب

أستغرب أن تثار مسألة إرضاع الكبير في الوقت الحاضر، إذ يدهشني تكرار طرحها من قبل بعض العلماء بدلا من أن يسهموا بعلمهم في قضايا معاصرة مثارة ومطروحة مثل بطالة المرأة، أو قيادتها للمركبات، أو زواج القاصرات، ونحو ذلك من القضايا المطروحة في ساحة النقاش، فالذين يفتون بإرضاع الكبير يعلمون قبل غيرهم أن هذه المسألة ليست مطروحة حاليا، ولا تشكل أولوية من أولويات عصرنا، والانصراف نحوها خلط لترتيب الأولويات، وتحويل للانتباه إلى قضايا فقهية ليست مطروحة اجتماعيا، وأستغرب أن يهرب هؤلاء من قضايانا المعاصرة الأكثر إلحاحا إلى قضايا انتقائية، تستدعي الجدل أكثر مما تعالج حاجاتنا المعاصرة.

وسامح الله القنوات التلفزيونية التي جعلت الفتاوى شلالا لا ينقطع، رغم أن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يتسابقون في الإفتاء، ويحيلون سائلهم إلى صحابي آخر تهيبا، وهو الأمر الذي لا يأخذ به عدد من شيوخ الفضائيات، وهم يملأون وقت برامجهم بالفتاوى، حتى خلقوا لدى مشاهديهم نزعة الشك في الكثير من مباحات الحياة، فأكثروا من الأسئلة عن كل شيء، وساعة واحدة أمام بعض البرامج تتيح لك التعرف على مدى الخدوش التي علقت بسيكولوجية الناس، وهم يتشككون في الكثير من متع الحياة ومباهجها المباحة، فينزعون إلى التضييق على أنفسهم من خلال طرح الكثير من الأسئلة، حتى غدت أكثر البرامج جماهيرية أكثرها جرأة على الإفتاء.

وتتعاظم إشكاليات هذه البرامج التلفزيونية أنها على الهواء مباشرة، الأمر الذي لا يتيح للشخص، الذي يتصدى للإجابة، مراجعة إجاباته. وعلى حد علمي، لم يظهر حتى الآن العالم الذي اعتذر من سائله على الهواء، وطلب أن يمهله لمراجعة مسألة من المسائل، رغم أن الكثير من مسائل الإفتاء لا يمكن الإجابة عنها على الفور، وتتطلب المراجعة والبحث والسؤال، وليس هناك عالم مهما بلغت درجته من العلم لا يحتاج في مواجهة بعض الأسئلة إلى المراجعة، خاصة أن ثمة مسائل مستحدثة كثيرة في مجالات طبية وعلمية ومصرفية، ومن الطبيعي أن تحتاج إجاباتها إلى التأمل والتريث والاطلاع.

فهل تتقي القنوات الفضائية الله فينا، وتغلق الكثير من حوانيت إفتائها؟!

نقلا عن الشرق الأوسط

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع