من ينقذ الفلاح المصرى من براثن الفقر، الجهل، والمستقبل

محمد بربر

من ينقذ الفلاح المصري من براثن الفقر , والجهل , والمستقبل؟
بنك القرية ينهب  الفلاح وغياب التسويق يؤدى لخسائر فادحة
فى الريف المصرى ... ارتفاع معدلات الفقر بنسبة بلغت أكثر من 75 %
الحياة فى الريف ... حقوق ضائعة
علماء الزراعة والبيئة يقدمون حلولاً للنهوض بالزراعة
النائب "جمال الزيني" : أطالب بمحاكمة المحتكرين بقطاع الزراعة بالنسبة للمحاصيل، ومستلزمات الإنتاج الزراعي.

تحقيق: محمد بربر – خاص " الأقباط متحدون "
لم تظلم كتب التاريخ الفلاح المصري، حين حكت تاريخه وحياته، ومدى الذل الذى تعرض له، رغم أنه صاحب البلاد إبان كانت مصر بلد الزراعة والخير والقمح.
نحن إذن نعيش أوقات عجاف، ولا نملك إلا أن نتحسر على زمن كانت بلدنا مصدر الخير لمعظم الدول، و سلة غذاء، وثروة لا تقدر بكنوز الأرض.

وفلاح هذا الزمن يتعرض للعديد من المشكلات والعقبات التى تقف أمامه، فلا يمل من مواجهتها على الرغم من ألمه وعذابه, الخير يقل, هكذا أقسم لى الفلاحون الذين التقيت بهم, تحدثوا وهم يتألمون على أحوال الأرض المصرية، والتى طالما عرفت بخصوبتها وخيراتها.
 من السبب فى تهميش الفلاح؟ ولمصلحة من يتم محاربته؟ ثم ماذا عن المشاكل التى تواجهه, والإقتراحات التى من شأنها النهوض بأرض مصر الطيبة, قبل أن يجف النهر وتموت الأزهار، ولا يجدى الندم، وهذه كانت أصوات صادقة وصادمة لاسيما وهى أصوات الفلاحين فى بلدنا.

ارتفاع سعر المبيدات وأزمة الرى
يشكو "فتحي الملوانى" (فلاح) من ارتفاع سعر المبيدات بنسبه كبيرة، تفوق قدرة المزارع، فزاد ثمن شيكارة الأسمدة من ( 55 ) إلى ( 80 ) جنيه فجأة، وبدون مقدمات، وتساءل من المسئول ولمصلحة من ؟

وأشار "فتحي" إلى أن العديد من المواطنين يقومون حالياً بتصنيع الأسمدة والمبيدات الزراعية، والإتجار فيها بأسعار باهظة، في حين أنها عبارة عن مياه ولون ورائحة، ومعبأة في زجاجات وعبوات، ومدون عليها بيانات لشركات مرخصة وغير مرخصة، وليس لها وجود حقيقي، وذلك بدون تسجيل، أو تركيبة معتمدة من وزارة الزراعة، مما يضر بالثروة الزراعية، والمزارعين، والإقتصاد القومي.

وأكد "فتحي" أن إهمال الوزارة، وتجاهلها معالجة المشكلة، ساهم في تزايد هذه المبيدات بالأسواق، حيث لا يتوافر معلومات صحيحة حول نوعية المبيدات، كما أن غياب دور الرقابة على تداول واستخدام المبيدات، وعدم قيام الإرشاد الزراعي بدوره في توعية المزارعين، و عمال الرش بالطرق السليمة لإستخدام المبيدات، أو كميتها، أو نوعيتها، أدى إلى إصابة المزارعين بالأمراض العديدة، بسبب متبقيات المبيدات في الأغذية، والمحاصيل، والأعلاف، كما أن ذلك يؤدى إلى إضعاف مناعة الإنسان وتضخم الطحال، وإصابة المواطنين بالفشل الكلوي والكبد الوبائي.

بينما أشار "مجدى إجلال"، عضو جمعية زراعية، إلى  مشكلة الري التى  تهدد كيان الفلاح، ومياه الصرف التى تتسبب في ملوحة الأراضى، حيث يستخدمها الفلاح لري أرضه لعدم وجود مصدر آخر للري، وأن الفلاح يعانى من مصاريف باهظة في عملية الري، حيث يتكلف ( 40 ) جنيه كل ( 14 ) يوم ، لماكينة الري، وقد حاول حل المشكلة ومخاطبة المسئولين ولكن دون جدوى.

من يهتم بالفلاح المصرى !!
من جانبه قال "فنحى الشرنوبى" - فلاح – أن بنك التسليف وبنك الإئتمان الزراعي قد خرجا عن هدفهما الرئيسي، وعمل سلفيات بأرباح بسيطة، وأصبحا من البنوك الإستثمارية، وساهما في دمار الفلاح، حيث يقوما بمضاعفة القرض للفلاح في حالة عدم السداد..
وأضاف "فتحى" أن الفلاحين يعانون من عدم وجود إرشاد فعلى من قبل الجمعيات الزراعية، ومن الإهمال في تبليغ الفلاح بنوع المحصول الذي يُكلف بزراعته من قبل الدورة الزراعية، مما يؤدى إلى انتهاء ميعاد الطعن، ويعرضه لدفع غرامة تخلف عن الدورة تصل إلى ( 1000 ) جنيه، بالإضافة لعدم وجود توعية وإرشاد بشكل كاف من الجمعية للفلاح، وعدم عمل تجمعات زراعية مضبوطة تراعى مصلحة الفلاح وتراعى الأرض.

بينما تساءل "وليم رأفت" ( مهندس زراعى ) : من يحمى الفلاحين فى بلدنا؟ , لا أحد , و ما يسمي بإتحاد الفلاحين لايحمى إلا الكيانات الرأسمالية الكبيرة التي تتعاقد مع الفلاح، وأوضح مثال علي ذلك هو تعاقدات مصنع بنجر السكر في محافظة "كفر الشيخ" مع الفلاحين, حيث كل البنود لصالح شركة السكر، ويقع الفلاح تحت رحمة الشركة عند الحصاد، فقد تترك محصوله من البنجر دون  نقل إلي المصنع حتي يفسد، دون أدني مسؤلية علي الشركه حسب بنود العقد.

بنك القرية يتاجر بالفلاح، وغياب التسويق يؤدى لخسائر فادحة
أما المهندس "فرج بيومي" فقد طالب بأخذ عينة عشوائية من قروض بنك تنمية القريه ودراستها، للوقوف علي مدى الظلم  والإستغلال الذي  يُمارس ضد الفلاح, حيث أن الفلاح الذي يمتلك مساحة ما من الأرض، وتضطره ظروفه  للإستدانة مما يسمي ببنك القرية, يُمارس عليه عملية إحتيال, حيث يعطي بنك القرية قروضًا بفائدة  في حدود 10 % ، لكن عمليًا، وبالورقة والقلم، يدفع الفلاح ما يقارب  30 %.

وأضاف "بيومي" أنه من المشكلات التي تؤثر على العملية الإنتاجية ضعف التسويق، حيث أنه فى ظل التسويق الجيد يزرع الفلاح المحصول، وهو يثق أن هذا المحصول يعود عليه بفائدة، ويضمن له عائد وربح يستطيع من خلاله أن يوفر حياة كريمة لأسرته.


ومن جانبه قال الدكتور "السيد عبد النور"، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق: للأسف نجد تفاوت الأسعار بالأسواق من حيث الإرتفاع والإنخفاض، حيث نجد تكاليف الزراعة من مبيدات وبذور وتقاوي مرتفعة، وعندما يقوم الفلاح ببيعها، يُصدم بإنخفاض الأسعار بالأسواق، اسألوا المخازن أو بيوت الفلاحين ستجدونها متكدسه بالمحصول، ولهذا نناشد المسئولين، كفاكم عبثًا بحياة الفلاح المسكين الذى تحطمه  هذه الأسعار، ولكي نرتقي بالزراعة يجب أن نضع نصب أعيننا توفير المعيشة المناسبة للفلاح، وإلا سوف يتشرد ما يبلغ من 50% من العمالة الزراعية.

الحياة فى الريف ... حقوق ضائعة
لقد كشف تقرير حقوقى صدر مؤخرًا، عن إنهيار كافة خدمات البنية التحتية بالمناطق الريفية، وزيادة معدلات البطالة فى بعضها بنسبة بلغت أكثر من 60%، وتدنى مستوى المعيشة بين الفلاحين إلى أدنى درجاته، وإرتفاع معدلات الفقر بنسبة بلغت أكثر من 75%، وانتشار معدلات الجريمة -  خاصة جرائم السرقة والنصب -  بنسبة تفوق الـ85% مقارنة بعام 1980، وإرتفاع حاد فى معدلات تلوث البيئة الريفية، نتيجة الإستخدام المفرط فى المبيدات المهجورة، والمحظورة، والمتدهورة، الأمر الذى أدى إلى تفشى أمراض الفشل الكلوى، والسرطان وغيرها، هذا بالإضافة إلى إنهيار فى منظومة القيم الإجتماعية والثقافية، التى كانت تمثل الركن الحصين، والأداة الفاعلة من أدوات العلاقات الإجتماعية بين أبناء المجتمع الريفى.

وقد اشتكى أحد الفلاحين من مياه الشرب، وأصر على أن يصل صوته للمسئولين، فهو يحلم فقط بمياه شرب نقية وقال "مازلنا نحن الفلاحين فى مصر لا  يتوفر لنا مياه الشرب النقية،  بينما تقوم البلديات في المدن، ببناء النافورات أمام مباني  المحافظة وفي شوارع المدن،  حيث يعيش علية القوم، للمحافظة علي الجمال، وما يسمي بالمظهر الحضاري.

علماء الزراعة والبيئة يقدمون حلولاً للنهوض بالزراعة
يرى الدكتور "أحمد أبو الحمايل" الأستاذ بكلية الزراعة جامعة المنصورة، أن أهم الحلول المقترحة للنهوض بالزراعة تتمثل  فى
تعديل قانون التعاون الزراعي، بحيث يسمح للفلاحين بتشكيل روابطهم، وجمعياتهم، بحرية وإستقلالية، بعيدًا عن أجهزة الدولة، وتعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضى الزراعية، لتحديد مدة الإيجار بحيث لا تقل عن خمس سنوات، وقيمة إيجارية عادلة تحدد حسب جودة الأرض، والعائد الفعلي لها، ووقف حبس الفلاحين المتعثرين في سداد ديون البنك، وإلغاء كافة الغرامات والفوائد التي حصلها البنك من الفلاحين على قروضهم حتى عام 2007 م، وتقليل الفوائد على القروض الزراعية بحيث لا تزيد عن 4% .

ومن جانبه قال الدكتور "السيد عبد النور"، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة "الزقازيق"، أن تمليك الفلاحين أراضي الدولة ليزرعها، والمساكن والعزب لواضعى اليد، بأقساط  حتى عشرين عامًا، وفوائد لا تزيد عن 4%  ، يعد أمرًا مهمًا، حتى يتسنى للفلاح معيشة آمنة، بلا خوف من حبس أو ضغوط نفسية، بالإضافة إلى ضرورة توفير ودعم تكاليف ومستلزمات الإنتاج الزراعي للفلاحين، حيث أنهم أولى بالرعاية من رجال الأعمال، وأصحاب الشركات،  وذلك للمساواة برجال الأعمال،الذين تقدم لهم الدولة  الإعفاءات الضريبية، وخدمات التشغيل المجانية، لتمكينهم من المنافسة والتجارة العادلة، في الأسواق الزراعية العالمية.

وطالب النائب "جمال الزيني" عضو مجلس الشعب، بمحاكمة المحتكرين بقطاع الزراعة، بالنسبة للمحاصيل، ومستلزمات الإنتاج الزراعي، وإلزام وزارة الري بتوفير مياه ري كافية لأراضي المزارعين، من خلال قيامها بشق قنوات جديدة، وتطهير الترع والمساقى، وتجديد وصيانة الموارد المائية، وإعمال قواعد عادلة لتوزيع المياه بين المزارعين، وكذلك الإسراع في توصيل الكهرباء، والطرق المرصوفة، ومياه الشرب النظيفة، وكافة الخدمات العامة للريف، والرعاية الصحية والعلاج المجاني، والرعاية التعليمية المجانية، خلال مدة لا تزيد عن خمس سنوات لتحسين حياة الفلاح وأسرته.