نشأت عدلي
بقلم: نشــأت عــدلي
جُرِحتُ في بيت أحبائي، بل لقد جُرحت في عقر داري وفي داخل بيتي.. فما زالت النفوس عليلة.. صنعوا ثقوبًا أحدثت فجوات عميقة وأليمة، أوْلَدَت بداخلها عدم الأمان والثقة.. وتَسلَّلت سمومٌ داخل هذه الثقوب فأصابت الجسم كله.. فأصبح عليلاً مُقَلقَلاً.. سُرِقَ من النفوس الأمان فأصبحت لاتنام.. بل قلقة على كل الأبناء.. مقلقلة ومزعزعة ثقتها في أن تعيش بأمان داخل البيوت.. أصبحت بيوتنا ليست مُقفَلةٌ، بل مُغلَقةٌ على أبناءٍ ليسوا خائفين من الموت.. بل خائفين من الغدر..
الموت لنا هو ربحٌ وانتصارٌ على شيطان العالم.. ولكن الخِسَّة لم تعتاد عليها المسيحية في كل زمان اضطهادها.. فكل ما مر بها من اضطهاداتٍ، كانت علنية وواضحة عيانًا للكل.. وكان القتل بسبب الإيمان معروفًا.. بل كان المؤمنون يتقدمون إلى ساحاته معترفين بإيمانهم علنًا، لكي ينالوا شرف الموت على اسم "المسيح"..
ولم يحدث فى كل العصور أن هذا الاضطهاد كان خِفيَةً.. أو غدرًا مثلما حدث ويحدث فى بلادنا.. فما زالت حادثة "نجع حمادي" وما قبلها، وما بعدها تاركة آثارها التي تزلزل النفس، وتهز جميع أركانها.. فقد تركت ثقوبًا في النفس ما زالت تنزف بغزارة.. تنزف من خِسَّة الوسيلة وتوقيتها.. متقززة من الذي قام بها.. فهو وإن كان من المُعتبرين ذا مسئولية شعبية.. فهو بهذا أصبح غير أمين أبدًا على هؤلاء الذين أولوه ثقتهم..
هذه الثقوب لم تُصِبْ هؤلاء الضحايا وأسرهم فقط.. بل أصابت 15 مليون قبطي يعيشون على أرض الوطن.. وأصابت كل أبناء المهجر.. مسلمين ومسيحيين.. وقد أثارت كُلَّ العالم على هذه الخِسَّة والنذالة.. وأدان العالم كله هذه المؤامرة التي أطاحت بشباب في عُمرِ الزهور.. بل هي أطاحت بالكل.. وزعزعت ثقة الأقباط والعالم كله في قدرة الدولة على حماية أبنائها.. وأثَّرت على السياحة الوافدة.. فكيف تحمي الدولة زائريها من شتَّى بلاد الدنيا وهي غير قادرة على حماية أبنائها في الداخل..
إن مؤامرة "نجع حمادي" قد أفقدت الدولة الكثير من هيبتها أمام العالم أجمع وأمام أبنائها علنًا، دون أية تبريرات واهية، وأصبحت مُدَانَةٌ عالميًا وقوميًا.. بل وزادت إدانتها بعد التَميِّيعَات التي نراها في القضاء المُخوَّلُ له الحكم في هذه القضية.. وأصبح الرأي العام المصري متيقنًا من أن الأحكام لن تكون مُسَاوية للجريمة المُرتَكبَة، مقارنةً بأخرى ليست في بشاعتها.. إننا الآن أمام كارثة قومية..
فعندما يفقد الفرد ثقته في المكان الذي يعيش فيه.. ويصبح غير آمن على حياتة وبيته.. يفقد معه انتمائه لهذا المكان.. بل ويصبح من الناقمين عليه.. ولا يَعنِيه أمر هذا المكان في شيئ.. ووقت الحاجة إليه تجده من أوائل الهاربين.. فعندما يفقد الإنسان انتمائه لمكان ما.. يفقد معه حبه وإخلاصه لهذا المكان.. بل وينتهز كل فرصة للهروب منه إلى مكان أخر.. "أكثر أمنا."
http://www.copts-united.com/article.php?A=18321&I=454