ميرفت عياد
كتب: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
منطقة وادي النطرون من أبرز المناطق السياحية في مصر، لما تتمتع به من مميزات جغرافية وتاريخية وحضارية، فهي تقع بالصحراء الغربية بين القاهرة والاسكندرية، وهذه المنطقة تتمتع بمناخ معتدل وطبيعة خلابة، كما أنه في القرون الأولى كان يوجد بها العديد من الأديرة القبطية، التي اندثرت ولم يبق منها غير أربعة أديرة عامرة بالرهبان، وهم: "دير القديس أبو مقار"، الذي أسس الرهبنة في منطقة وادي النطرون، و"دير الأنبا بيشوي"، و"دير السيدة العذراء" المعروف بدير السريان، و"دير البراموس"، هذه الأديرة تضم بين جنباتها العديد من الشواهد المعمارية واللوحات الفنية والعناصر المعمارية التي قلما تجدها في عمائر دينية مسيحية أخرى في العالم.
ويرجع تاريخ إنشاء "دير السريان" إلى القرن الخامس الميلادى تقريبًا، كما يشير الحصن القديم الذي يقع على يمين مدخل الدير، والذي بناه الملك "زينون" (474-491م)، تكريمًا لابنته الراهبة "إيلارية" التي ترهبت في برية شيهيت، وذاع صيتها في العالم كله، كما أن حواجز كنيسة العذراء يرجع تاريخها إلى ما قبل عام 700م.
وقد اشتهر دير السيدة العذراء بـ "دير السريان" لأن الرهبان الأقباط استضافوا بالدير رهبانًا سريان لفترة من الزمن، وكان يقع بالقرب من دير السريان دير للأنبا "يحنس كاما" إلا أنه خُرِّب وتداعت أسواره بسبب النمل الأبيض، لذلك لجأ رهبانه إلى دير السريان، وقد حملوا معهم جسد أبيهم الأنبا "يحنس كاما"، وكل مقتنياتهم، وحجر رخامي ما زال مُثبتًا بكنيسة السريان نُقش عليه باللغة القبطية تاريخ نياحة القديس "يحنس كاما" وتلميذه القديس "اسطفانوس".
شجرة "مارافرام السرياني"
ويُعد دير السريان أصغر الأديرة مساحة؛ إذ تبلغ مساحته حوالي فدان، إلا أن أسوار الدير تعتبر أعلى أسوار الأديرة القائمة بالبرية، ويوجد على يمين الباب الأثري للدير حصن عالي، كان يلجأ إليه الرهبان للحماية من غارات البربر وغيرهم، ويتكوَّن الدير من عدة كنائس منها: "كنيسة العذراء السريان" التي تُعد من أجمل كنائس البرية، إذ تمتاز بالنقوش الجميلة التي تُغطي جدرانها وأبوابها وقبابها، خصوصًا داخل هيكلها المتسع، وتعتبر أقدم مكان في الدير بعد مغارة "الأنبا بيشوي"، وشجرة "مارافرام" السريانى التي كانت عصا جافه غُرست في الأرض حتى أصبحت شجرة ضخمة، وقد مضى عليها أكثر من ستة عشر قرنًا ومازالت بحيويتها وخضرتها.
باب الرموز .. وتاريخ الكنيسة
وبُنيت كنيسة السيدة العذراء "السريان" على الطراز البازيليكي، وتتميز بحجاب جميل الصنع يُسمى "باب الرموز" ينفرد به دير السريان، وينقسم إلى عدة أقسام بها رسومات هندسية جميلة من العاج يزينها الصليب، وكل قسم منها يشير إلى مرحلة من تاريخ كنيستنا المجيدة مثل: (عصر الرسل، عصر الاستشهاد، عصر البدع والهرطقات)، أما آخر قسم بالباب فيوجد به صليب واحد من حوله صلبان كثيره؛ كإشارة إلى مجيء "السيد المسيح" الثاني ووحدة الكنيسة.
يوجد بمتحف الدير بعض الأواني النحاسية والخشبية والفخارية التي كان يستعملها الدير قديمًا، كذلك بعض الصلبان والمجامر القديمة والقناديل، وأيضًا بعض الملابس الكهنوتية منها؛ الصَّدرَة الخاصة بالأنبا "إيساك" أسقف البهنسا والفيوم والجيزة، والذي تنيح فى السنين الأولى لبطريركية البابا "كيرلس الخامس"، وكذلك بعض الأيقونات الأثرية، وغيرها..
الرسوم الجدارية المُكتشفة بدير السريان
مؤخرًا أُكتشف مكان المكتبة القديمة، وفوقها كانت كنيسة للأحباش، وهذا يتفق مع وصف العديد من الرحَّالة الأجانب الذين أكدوا أن سكان دير السريان كانوا من جنسيات ثلاث: السريان والأقباط والأحباش، هذا بالإضافة إلى اكتشاف العديد من الرسوم الجدارية بكنيسة الدير الأثرية، وكانت أحدث "فريسكا" تم الكشف عنها، للقديس "يعقوب الرسول" فوق باب الهيكل البحري بكنيسة السريان، وقد كُتب اسمه حول رأسه بحروفٍ يونانية.
ترميمات واسعة بدير "الأنبا بيشوي"
تأسس دير "الأنبا بيشوي" في أواخر القرن الرابع الميلادي كتجمع رهباني، ويشمل كنيسة "الأنبا بيشوي" وقلالي الرهبان، وبئر مياه بدون أسوار، وفي القرن التاسع الميلادي أُقيمت الأسوار الحالية للدير،وفي القرن الرابع عشر قام البابا "بنيامين الثاني" بعمل ترميمات واسعة للدير بسبب النمل الأبيض الذي عرَّض سقف الكنيسة للانهيار.
ويوجد بالدير كنيسة "الأنبا بيشوي" والتي تًعتبر أكبر كنيسة في أديرة وادي النطرون، وبها المذبح الرئيسى على اسم القديس "الأنبا بيشوي"، وكنيسة الشهيد "أبسخيرون" القليني، ويوجد بها المعمودية المقدسة، كما توجد المائدة القديمة، وبئر الشهداء أمام الكنيسة، وهو الذي غسل فيه "البربر" سيوفهم بعد أن قتلوا 49 من الآباء الرهبان القديسين سنة 444م، ويوجد أيضًا الحصن الذي بُني في أواخر القرن الخامس الميلادي أثناء حكم الإمبراطور "زينون"، ويتكوَّن من ثلاثة طوابق، وتتوسط الدير حديقة واسعة يحيطها عدة مباني، وهي قلالي قديمة من القرن التاسع تستعمل حتى الآن.
ومما يُذكر أن البابا "شنودة" الثالث، ومعه لفيفٌ من الأساقفة قد قام بإعداد وعمل وطبخ زيت الميرون أربع مرات في الدير أعوام: (1981م، 1987م، 1990م، 1995م)، لكي يُوزَّع على الكنائس بمصر والخارج.
http://www.copts-united.com/article.php?A=18353&I=455