وحدة المنظمات القبطية:الحلم والوهم

منير بشاي

بقلم: منير بشاى
تتردد فى هذه الأيام نداءات تطالب نشطاء أقباط المهجر، أن ينبذوا الخلافات، ويتحدوا فى جبهة واحدة. ولا يشك أحد فى إخلاص من يطالبون بالوحدة، ولا يلومهم أحد إذا عبّروا عن إستيائهم مما يروه من إنقسامات، تظهر فى النزاعات الدائرة بين  النشطاء. ولا يختلف أحد على أن الوحدة فى أى مجال هى حلم جميل يتمناه كل إنسان. 
فالوحدة بالإضافة إلى أنها تخلق مناخًا من الإنسجام والتناغم فى العلاقات، فهى أيضًا تضاعف من تأثير المجهودات التى يقومون بها منفردين. وفى هذا يقول الكتاب المقدس "ويكون الواحد بألف والإثنان بربوة (عشرة آلاف)"، بمعنى أنه إذا كانت قوة الفرد الواحد تساوى ألفًا فقوة الإثنين (إذا اتحدوا) تساوى عشرة آلاف، وليس ألفين (أى خمسة أضعاف قوتهم منفردين).
من البديهى أن الوضع المثالى هو أن يكون الجميع متحدين فى الفكر والعمل والهدف. والمثل الأعلى لهذه الوحدة هو وحدة اللاهوت المقدس، كما عبر عنها السيد المسيح فى صلاته الشفاعية "ليكون الجميع واحدًا كما أنك أنت أيها الآب فى وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتنى" (يوحنا ١٧ : ۲۱).
 
ولكن الكتاب المقدس يعلمنا أن هناك فارقًا بين كمال الله وبين نقائص الإنسان، وأن نموذج الوحدة الإلهية، أمر ليس من السهل تحقيقه بين البشر. وعلى ذلك فإن الوحدة بين الناس ليست دائمًا ممكنة، وليست دائمًا الخيار السليم. وأن الوحدة كما أنها يمكن أن تكون عاملاً للبناء؛ إذا كانت قائمة على أساس صحيح، فإنها أيضًا يمكن أن تصبح معولاً للهدم لو لم تكن كذلك. وهناك نصوص كثيرة فى الكتاب المقدس تحذرنا من الوحدة الهدامة، وتطالبنا بعدم الإتحاد مع أناس بعينهم، إذا ثبت أنهم يعملون ضد الصالح العام، أو الإيمان الصحيح. وهذه عينة من هذه النصوص:
* "لا تشتركوا فى أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحرى وبخوها" (أفسس ٥: ١١).
* "إعزلوا الخبيث من وسطكم" (١كورنثوس ٥: ١٣).
* "الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه" (تيطس ٣ :١٠). 
 
وأريد أن أقدم هنا أمثلة حية لأنماط من التفكير والتصرفات التى أعتقد  أنها  تضر بالقضية، وبالتالى يكون من الخطأ الإتحاد مع أصحابها. وأنا هنا لا أتعرض لأشخاص ولكن لأفعال. ومع ذلك فربما يأتى من يقول أننى كنت أقصده أو أقصد غيره من الناس. وردى على من يقول هذا: إذا كنت ترى نفسك فى هذه الأنماط، ومع ذلك تعتقد أنك على حق فيما تفعل، فلا يستطيع أحد أن يمنعك من التمسك بطريقتك. أما إذا كنت تعتقد أن هذا الكلام لا ينطبق عليك فيمكنك أن تعتبر أن الكلام لا يخص، والزمن كفيل بأن يكشف حقيقة كل إنسان ويبرره أو يدينه.  وهذه بعض الأمثلة:
•من تعود على الكذب والمبالغة وتزوير الحقائق.
•من يتبع أسلوب الشتم والإهانة والتجريح، ويستخدم الألفاظ النابية.
•من يدعو إلى تقسيم "مصر"، وإنشاء دولة قبطية مستقلة فى جزء منها، خروجًا على المنطق والعقل والإجماع القبطى.
•من يلقى بنفسه فى أحضان النظام المصري، ويتعامل مع الأمن، وبذلك يحيط نفسه بالشبهات، ضاربًا عرض الحائط بالخط الذى التزمه مجموع الناشطين.
•من يتعامل مع دولة أجنبية معادية، معرضًا جميع الناشطين بأن يوصموا بالخيانة، ومضيفًا الزيت إلى نار الفتنة الطائفية المشتعلة فى "مصر". 
إن الإتحاد السليم يكون مع من يتبعون نفس الفكر، حتى يؤيد الواحد الآخر ويقويه. ولكن إذا تم الإتحاد مع عناصر مخالفة فى الفكر والتوجهات، فإن هذا من شأنه أن يزيد التصارع والتضارب والتشاحن. وبالإضافة إلى ضياع الوقت والمجهود فى محاولة التوفيق بين القوى المتصارعة، يمكنك أن تتصور مقدار التخريب، والتدمير، والإساءة، إلى ذات القضية التى نهدف إلى خدمتها.
 
والخلاف فى الرأي ليس دائمًا معناه أن طرفًا على صواب والآخر على خطأ، بل أحيانًا يحدث الخلاف بين طرفين مثاليين، كما حدث مع "بولس" و"برنابا"، والذى وصل إلى حد المشاجرة بينهما حتى فارق أحدهما الآخر (أعمال 15: 39). ولكن كانت نتيجة هذه المفارقة إتساع العمل، فبدلاً من فريق واحد للتبشير، أصبح هناك فريقين، "بولس" أخذ "سيلا"، و"برنابا" أخذ "مرقس".  
بل أن فريق "برنابا" و"مرقس" انقسم أيضًا فى فترة لاحقة، حيث أثمر هذا الإنقسام عن ذهاب "مرقس" إلى مصر، ليوصل لنا رسالة الإنجيل. العبرة أن نعرف كيف نختلف وننقسم، دون أن نتخاصم ونكره، أو نفشل ونقاطع العمل كلية، وقد نحاول أن نعرقل مجهودات الآخر حتى يفشل هو أيضًا.
 
علينا إذن أن نسعى إلى الوحدة، مع من يتفقون معنا فى نفس الخط. وحتى إذا كانت هناك إختلافات، فستكون فى أمور غير جوهرية. وهذه الخلافات لن تصل إلى حد الكراهية الشخصية، أو تفقدنا إمكانية التعامل فى المجالات المتفق عليها، لتحقيق الهدف الواحد. وإذا كانت وحدة الفكر الكاملة شىء غير عملي؛ لأن عقولنا جميعًا ليست نسخة طبق الأصل. ولكن على الأقل يجب أن يكون هناك إتفاق فى الخطوط الرئيسية، أما التفاصيل فيمكن بلورتها ومحاولة التوفيق بينها بالمناقشة والإقناع، مع المرونة وإتباع الأساليب الديموقراطية فى حسم الإختلافات. أما إذا لم يكن هناك إمكانية للتلاقى فى الرأي، فكل يعمل بطريقته، وفى مكانه دون خصام.
 
وربما يكون توحيد جميع المنظمات القبطية فى منظمة واحدة، أمر يصعب تحقيقه فى الوقت الحاضر، ولكن البديل هو تكوين مجموعات للتعاون المشترك بين المتفقين فى الرأي، دون ذوبانهم فى تنظيم واحد. هذه التجمعات يمكن أن تنسق فيما بينها لتحقيق مشروعات محددة، يشترك فيها الجميع، ويساهمون فيها كل فى موقعه، وبحسب مقدرته.
خلاصة القول، أن الوحدة هى حلم كل قبطي، ولكن نكون واهمين إن اعتقدنا أنه يمكن تحقيق الوحدة الكاملة بين جميع الناشطين الأقباط فى الوقت الحاضر. ولكن علينا أن نعمل جهدنا لتحقيق ما نستطيع؛ إعمالاً للمبدأ القائل: إن ما لا يمكن إدراكه كله لا يجب تركه كله. وعلى أى حال، فكخطوة أولى فى طريق الوحدة، علينا أن نعمل على نبذ روح الفرقة والسخط والمرارة. إننا إذا نجحنا فى هذا نكون قد قطعنا نصف المشوار، وكسبنا نصف المعركة. 
اللهم وحد قلوبنا وأفكارنا فى طريق الخير، لتحقيق مشيئتك، ولتمجيد إسمك. وانزع من قلوبنا بذور الخصام والكراهية، وازرع فيها الحب والسلام. آمين