ياسر يوسف غبريال
بقلم :ياسر يوسف غبريال
فى عهد البابا سيمون الثانى والاربعون ( اواخر القرن السابع الميلادى) حدثت مشكلة غريبة على الكنيسة المصرية وجديدة فى نفس الوقت فقد ترك بعض اراخنة الاقباط زوجاتهم واتخذوا زوجات جديدات تأثرا بالعرب الوافدين الذى يبيح دينهم الطلاق والزواج بأكثر من واحدة ..
وقتها قامت الدنيا ولم تقعد ورفضت الكنيسة ذلك رفضا باتا احتراما لامر الانجيل المقدس فاشتكى البعض للوالى الذى بالطبع تعاطف معهم لانه لا يعرف شريعة الزوجة الواحدة ولا يدرى أنه لا طلاق فى المسيحية الا لعلة الزنا فاستدعى الوالى البطريرك ومعه ستة واربعين من اساقفة مصر الى الاسكندرية وناقش معهم الامر ولما وقف على حقيقته ..وافقهم الرأى على التزام شريعتهم وانجيلهم ..
كان الطلاق غريبا على الاقباط فى مصر ولم يثر اية مشكلة والى الآن يردد المسلمين عن بعض عائلاتهم التى ترفض الطلاق ان زواجهم مثل النصارى عقدة حريرة .. فهل انفكت العقدة وما عاد هناك حرير ..؟ ولماذا يجىء القاضى اليوم ويخالف القرأن الذى يحكم ان يعامل الاقباط طبقا لشريعتهم .. وهل المقصود بالحكم الذى صدر مؤخرا هو الصدام بين الدولة والكنيسة والزج بالكهنة والاساقفة الى المحاكم والسجون لو خالفوا القانون واطاعوا الانجيل .. القاضى قال ان تكوين اسرة حق دستورى فوق اى اعتبار.. بس نسى ان تعاليم ربنا فوق اى حق دستورى ده لو بيعتبر الانجيل كلام ربنا .. طيب يا اخى الحياة الكريمة حق دستورى ..
التعليم المحترم حق دستورى .. العلاج والمستقبل والمسكن والاكل حق دستورى .. تغيير الدين حق دستورى .. حرية العقيدة حق دستورى .. عشان عدد قليل من البشر اللى مخالفين تعاليم دينهم جاى القاضى يعدل الدين كله .. مين يرضى بكده !! دا حتى اخوتنا المسلمين متفهمين جدا المشكلة ومستغربين ازاى القاضى يخالف الشريعة الاسلامية ويفرض على المسيحيين ما يخالف دينهم ..!!
وهل هناك قاضى يستطيع ان يحكم لسيدة مسلمة ان لا يتزوج زوجها عليها او يحكم لرجل مسلم ان يتزوج خمس او ست مرات عشان يكون اسرة زى ما القاضى حكم بما يخالف شريعتنا عشان تكوين اسرة باعتبار تكوين الاسرة حق دستورى فوق اى اعتبار..!!!!
يا جناب القاضى فى المسيحية لا طلاق الا لعلة الزنا وليس لعلة فى نفس القاضى ..
دأبت الصحف المصرية منذ سنوات على تصوير مشكلة طلاق الاقباط وكأنها مشكلة المشاكل وعجيبة الدنيا الثامنة وان القبطى واحد من اثنين اما واقف على بابا المحكمة او واقف على باب الكاتدرائية .. وفى المحكمة قضاة رحماء وفى الكنيسة اباء اشداء .. وقد كانت المحمكة رحيمة وحنينة فى حكمها الاخير الذى اباح الطلاق والزواج فى المسيحية بجرة قلم ..واستندت الى لائحة 1938 والتى صدرت بعد تسعة عشر قرنا على الانجيل واباحت الطلاق وصارت اللائحة انجيلا فى عرف البعض ..
لائحة 1938 :
فى فترة من فترات ضعف الكنيسة صدرت هذه اللائحة من المجلس الملى العام والذى كان مجلس باشاوات الاقباط والذى كان يعطى لعضوه وجاهة اجتماعية بغض النظر عن تدينه.. وكان الصراع وقتها على اشده بين الطرابيش والعمائم وكان الجو العام مهيأ لتغلب الطرابيش فى ذلك العصر وفى غفلة من رعاة الكنيسة وقتها صدرت هذه اللائحة اعتمادا على هوى الاعضاء واستنادا لمواد ضعيفة من قوانين قبطية صدرت فى القرن الثالث عشر فى كتب اولاد العسال الذين اعتمدوا فى مجموعهم الصفوى على قوانين الملوك والشرائع الاخرى وبعض قوانين المجامع السابقة وصنعوا من ذلك كتاب للقوانين سد فراغا تشريعيا وقتها .. وكان حريا بالمجلس الملى وقتها اى عام 1938 ان يرجع الى نصوص الانجيل الصريحة والتى لا تحمل اى شبهة فى وجوب الطلاق فى حالة واحدة فقط وهى الزنا.. ولكن يبدو ان الجاه والمال والعز كان مؤثرا فى وقت صدرو هذه اللائحة خاصة ان بابوات الاسكندرية كانوا مدققين جدا فى هذا الموضوع وفى غيره ولم نقرأ ان واحد منهم اباح الطلاق او تهاون فيه ونتذكر بالخير البابا كيرلس الرابع الذى رفض طلاق ابنة ارخن كبير فى عهده لعلة عدم التكافؤ بين الزوجين ماديا .. وسميه البابا كيرلس الخامس الذى نشأ المجلس الملى فى عهده ولاقى منه الكثير لدرجة النفى الى ديره ومع ذلك لم يصرح بالطلاق لواحد من اكبر عائلة قبطية فى ذلك العهد اى اوائل القرن العشرين ..
اذا صدرت لائحة 38 فى ظروف خاصة واستثنائية .. وغريب ان يصبح الاستثناء قاعدة والقاعدة استثناء .. ان لائحة 38 ليست انجيلا ولا دستورا.. انها وليدة القرن العشرين كما ان قوانين ابن العسال ليست قانون الاقباط ولا شريعتهم.. ان الانجيل واضح وصريح فى امر الطلاق انه لا طلاق الا لعلة الزنا وفى وجود النص لا حاجة لابتكار قوانين بشرية .. ان الاجتهاد يكون فى فهم النص لا فى تغييره واهماله .. وانكاره وتحميله اوجه بشرية .. الطلاق لعلة الزنا وليس لعلة اللائحة ..
كمال وجمال و اكرام لمعى وبولس رمزى
وبعض المفكرين الاقباط مثل اخونا كمال زاخر واخونا التانى جمال اسعد واخونا الجديد رمزى بولس وابن عمنا اكرام لمعى يرون ان الكنيسة متعنتة وان القضاء حنين ومعذور .. ومن المعروف انهم يؤيدون الزواج المدنى ويشجعوه وفى ذلك انكار لسر الزواج وعدم فهم لاهداف الزواج فى المسيحية وسموها ..
الزواج مقدس منذ بدء الخليقة ومؤسسه هو الله نفسه عندما خلق لادم معينا نظيره .. كما ان الزواج عهد الرب كما ورد فى سفر الامثال ( ام 17:2) ..والعهد له قدسيته واحترامه وشرعيته ..
فلم تأت الاديان لكى تضع قيودا على الزواج او تعقده ولكن لتنظمه .. ونحن الان فى عهد النعمة ونلنا بركة الروح القدس فهل نعود وننكرها ..او ليس مطالبتهم بالزواج المدنى فيه انكار قدسية السر وفاعليته وحلول الروح القدس فى الشركة الزوجية ليصير الاثنان واحدا .. ولكن لم يحل لنا احد من المفكرين اشكالية الزوجان وموقفها من الخلاص وباقى الاسرار الكنسية .. والابناء هل هم ابناء زنا .. اما ماذا .. ؟ وهل يتم تعميد الابناء . .؟ كيف والاباء رفضوا الزواج تحت رعاية الروح القدس .. ولم يوحد جسديهما الله ؟؟ وهل الايمان على الكيف والهوى نأخذ منه ما نريد .. ونرفض ما لانتحمله ؟؟ ولماذا يا ترى يلجأ الناس للزواج المدنى ؟ هل لاختلاف فى الديانة ؟؟ ام الملة ؟ ام لرفض الاهل ؟؟ ام لصغر السن والشهوة ؟؟ ام للهروب من القيود الدينية وما تم عقده مدنيا ينحل مدنيا .. ؟ ويصير الزواج فى احسن احواله كعقد تمليك او عقد شراء سيارة ؟؟ وهل يقبل كمال زاخر ان يزوج بناته مدنيا وهو المصلح الكنسى والمفكر القبطى.. ولا هو كلام على الهوا ولزوم ما لايلزم وعشان يبسط الست منى الشاذلى بتاعة العشرة بالليل ..!!
واين المسيح من كل ذلك وهل الهدف من الزواج فقط اطفاء شهوة ام تأسيس اسرة فى المسيح .. ( أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة) (أفسس 5: 25)
ازمة التفسير الحرفى :
يردد انصار التفسير الرمزى الغريب فى كل محفل قول السيد المسيح ان من نظر الى امراءة واشتهاها فقد زنى بها فى قلبه ..وهنا يردد واحد زى جمال اسعد او كمال زاخر تفسيره الذى يوحى بان المجتمع كله زان وبالتالى فكله يطلق كله وهنا اتذكر ان هذا الاسلوب فى التفسير هو نفسه الذى قاد مفكر شهير فى الكنيسة القبطية وهو اوريجانوس ان يخصى نفسه لانه فهم قول الرب انه يوجد خصيان خصوا انفسهم حرفيا .. وبالتالى وقع فى الخطأ او الخطية .. وليس عجيبا ان لا يفهم المفكرين الجهابذة الاية الفهم المراد بها وليس هنا اختلاف فى المدراس الكتابية كما يقال فالحق واضح ..و النص واضح وصريح( متى19: 3-6).
انه جدل غريب لانه بالتالى يقودنا الى انكار كل اسرار الكنيسة .. واعتقد انهم يعرفون ان الكنيسة تعرف الفرق بين الرمز والحرف.. ولكننا بحاجة ان نذكرهم بذلك وان طريقتهم فى فهم نصوص الكاتب المقدس قد تقودهم لانكار بقية الاسرار.. فما اجابتهم عن سر التناول هل فعلا نتناول جسد المسيح ام انه رمز .. ؟؟
اما جمال اسعد الذى ينادى برمزية النص وهو مفكر يقتات من الهجوم على قداسة البابا والكنيسة وفى اى عركة يجروا عليه يقول الكلمتين هما هما عن الدور السايسى للبابا والكنيسة اللى هى دولة جوة الدولة وسلملى على المواطنة وكدة .. هذا الرجل صرح فى حلقة 29-5 من الحياة اليوم انه قد يتم عزل البابا شنودة لو لم ينفذ القانون .. شفتوا الغل وصل لدرجة ايه .. بس يا جمال البابا من السما ومفيش قوة من الارض تعزله باى صورة من الصور وارجوك اطلع منها وسيب الانجيل وتفسيره لاهله .. وخليك فى الدور السياسى والكلام ده اللى بياكلك عيش ..
قانون 1955
ونعود مرة اخرى للتاريخ لبحث جذور المشكلة ففى عام 1955 صدر القرار462 بالغاءالمحاكم الملية وبالتالى فقدت الكنيسة اشرافها على مشاكل الاحوال الشخصية لابنائها واصبح التقاضى يتم امام المحاكم المدنية ..وكان ذلك بداية مشاكل لاحصر لها وحتى الان ولم يعد هناك مرجعا معينا تستوثق به المحاكم .. فبعضها يرجع للانجيل ويرفض احكام الطلاق واغلبها يرجع للائحة 38 ويعطى حكما بالطلاق وبالطبع هذا الحكم لا يلزم الكنيسة بتصريح زواج ثان .. وفى عام 1962 شكل البابا كيرلس السادس لجنة لترفع تقريرا لوزير العدل المصرى وقتها للاخذ فى الاعتبار انه لا طلاق فى المسيحية الا لعلة الزنا .. وهذا ايضا لتذكير الجهلة بالتاريخ الذين يروجون ان البابا شنودة فقط هو من يرفض الطلاق ولا يعرفوا ان كنيستنا عمرها عشرون قرن من الزمن ومرجعها الوحيد هو الانجيل المقدس ..
قرار 7 لعام 1971
وكانت اولى قرارت قداسة البابا شنودة الثالث عند جلوسه على كرسى مارمرقس القرار رقم 7 والذى صدر فى نوفمبر 1971 بعدم جواز الطلاق الا لعلة الزنا .. فى عودة الى تعاليم الانجيل وتقاليد الكنيسة وقوانين ابائها ..
ثلاثون عاما على القانون الموحد للاحوال الشخصية للطوائف المسيحية والعزاء امام دار القضاء العالى او مجلس الشعب ..
وفى عام 1978 اجتمع قادة الطوائف المسيحة الثلاثة بدعوة من قداسة البابا شنودة الثالث وتم تشكيل لجنة منهم ومن عدد من المستشارين لوضع قانون موحد للاحوال الشخصية للاقباط عملا بمبدأ ان يحكم بينهم طبقا لشريعتهم ..ولاقت مواد القانون المزمع موافقة جميع الكنائس ولكنه ظل ينتقل من درج الى مكتب الى دولاب حتى اكمل ثلاثين عاما بالتمام والكمال وتم تقديمه اكثر من مرة الى مجلس الشعب..و لااحد يريد ان ينظر اليه بعين الرحمة .. رغم ان القانون هذا الذى اباح الطلاق لعلة الزنا فقط اباح ايضا بطلان عقد الزواج لعدة اسباب منطقية قد تمنح الحياة لكثيرين ..والبطلان معناه ان الزواج لم يحدث اساسا ..وهو غير الطلاق ..فلماذا لا يقدم هذا القانون الى مجلس الشعب ونرتاح خاصة ان لائحة 38 غير معتمدة من مجلس الشعب او من غيره .. لائحة لقيطة .. ولكنها على قلب البعض زى العسل هل تودوا ان تعرفوا السبب ؟؟
شريعة العقد
ربما لانها لا تحتكم الى نصوص الانجيل ولانها قريبة الى فكر الشريعة الاسلامية فى الطلاق ولكن السبب الاهم ان لائحة 38 لم تنص على تطبيق شريعة العقد والتى جاءت فى المادة 143 من القانون الجديد والتى تنص ان:
( تظل الزوجية وما ينشأ عنها من آثار خاضعة للاحكام المبينة بهذا القانون والخاصة بالشريعة التى تمت المراسيم الدينية وفقا لها ولا يعتد بتغيير احد الزوجين طائفته او ملته أو ديانته اثناء قيام الزوجية .. الخ ) وبالتالى اذا اراد احد الزوجين الهروب من زواجه باعتناق دين اخر باطلا .. اى ان الزوجة التى تترك دينها وتتزوج اخر على اعتبار انها تركت المسيحية تصبح هكذا متزوجة اثنين .. على اعتبار ان العقد شريعة المتعاقدين ولا ينحل الا بالموت او توفر اسباب انحلاله .. ولو طبقت هذه المادة فسوف تحل مشاكل كثيرة .. وستمنع تهدم اسر و مشاكل حضانة الاولاد والاهم مشاكل تغيير الديانة خاصة ان القانون الموضوع فى الدرج يعطى حق بطلان الزواج لتسعة اسباب اعتقد انها مع الزنا تشمل جميع اسباب استحالة استمرار الحياة الزوجية .. وهناك مادة اخرى فى القانون المهمل وهو احالة قضايا الطلاق او البطلان الى مكتب المصالحات الكنسية وكم من اسر كانت بحاجة فقط لصوت عاقل او ركب منحنية او وقت لتستعيد رابطة الزواج ..
ولكن من يريد ان يضع حلولا ناجحة وسريعة لاقباط مصر ..ان الصحافة والاعلام من امامنا وتتناول الموضوع بكثير من الجهل والتضخيم والحكومة من خلفنا لا تسمح بوجود تشريع موحد للطوائف المسيحية بدلا من الاجتهاد والارتكان الى قوانين بعيدة جدا عن روح انجيلنا وايماننا وهو ما لا يرضاه قبطى واحد ..ويخرج القاضى يقولك تكوين الاسرة حق دستورى فوق اى اعتبارات .. ازاى بقى .. خلاص احكم لكل الغلابة اللى مش لاقيين يتجوزوا .. احكم على الدولة تجوزهم على حسابها .. مش الجواز وتكوين الاسرة حق دستورى ..
ان فى مصر تقريبا حالة طلاق تحدث كل نصف دقيقة واغلبها لازواج تحت الثلاثين وهناك عشرات الالوف من اولاد السفاح ولكن لا احد يعير لذلك اى اهتمام ويجرى وراء خبر عن قبطى يريد الطلاق او فنانة يسمح لها بالزواج ولا احد يفهم ان لنا قوانينا وايماننا وشريعتنا ..ان الاسرة القبطية هى ايقونة الكنيسة التى يحاول الكثيرون النيل من طهارتها وقداستها ..
كلمة الى قداسة البابا شنودة الثالث :
الطبيب الذى وهبه الله لارض مصر .. عهدناك قويا فى الحق وقويا بالحق .. ومستندا الى الانجيل فى كل قراراتك .. وكنا ننتظر رد فعل قداستكم تجاه هذا الامر ولم تخيب امل الملايين من اولادك عندما قلت انه لا طلاق الا لعلة الزنا واننا لا نخضع الا لانجيلنا المقدس .. قداسة البابا شنودة الثالث ..اسد مارمرقس والساكن بالحق فى قلوب اولادك ..حفظك الله للكنيسة وللحق ازمنة طويلة فى سلامة وسكينة ..
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=18547&I=460