ميرفت عياد
تحقيق: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
تعرضت "ع . ك" -وهي طفلة ذات الثمانية أعوام- لحادث تحرش جنسي من قِبل أحد أصدقاء والدها المتوفى.. شعورها بالخوف جعلها لا تستطيع الحديث عما حدث لها إلى والدتها.. ولكن شاءت الأقدار أن تعرف والدتها بمحض الصدفة ما حدث لابنتها.. فانهالت عليها بالضرب والسباب والتجريح.. كما أن أخواتها الأكبر منها تعاملوا معها بصورة قاسية، وقاموا بالتحقير من شأنها.. فترسبت في ذهن تلك الطفلة فكرة أنها إنسانة سيئة.. وهى المسئولة عن هذا الحادث.. فتقوقعت بداخل نفسها.
ومرت السنون، وكبرت الطفلة، وكبر معها إحساسها بأنها كائن منبوذ غير محترم.. وهذا الإحساس بالذنب وصغر النفس أضفى عليها نوع من العدوانية في التعامل مع الأخرين.. ولكن سرعان ما تلاشت تلك العدوانية أمام كلمات الحب التي أغدق بها عليها زميلها.. فانهارت مقاومتها، ووقعت فريسة للضعف والحرمان الذي فرضته عليها والدتها وأخواتها.
واستمرت الفتاة في تلك الحالة سنة كاملة، لا يعلم أحد عنها شيئًا.. إلى أن قرر هذا الشاب السفر للبحث عن مستقبله بعد التخرج.. فانهارت الفتاة، وأصيبت باكتئابٍ حاد.. وأقدمت على الانتحار.. إلا أنه تم إنقاذها.. وتعرفت من إحدى زميلاتها على سيدة تقوم بخدمة المشورة.. ووقفت هذه السيدة بجانبها لمدة سنتين، إلى أن اجتازت تلك التجربة القاسية.. واستطاعت أن تسترد ثقتها في نفسها وفي الله.. وتلاشى إحساسها بالذنب وصغر النفس.. ووثقت في غفران الله لها.. وهذا ما جعلها تُقبل على الحياة برؤية جديدة.
دور خدمة المشورة في المشاكل الحياتية
متى بدات خدمة المشورة؟ وما هي أهميتها؟
عن هذا يجيب الدكتور "نبيل نصري" مدير مركز العائلة المقدسة للمشورة الأسرية بكنيسة "السيدة العذراء مريم" بأرض الجولف قائلاً: إن المشورة علم ظهر منذ حوالي خمسين عامًا في خارج مصر، والدارسون له يحصلون على درجات علمية تصل إلى درجة الدكتوراه، وتعد المشورة بالخارج مهنة تتم مزاولتها بترخيص، أما في مصر.. فقد بدأ الأخذ بعلم المشورة منذ أكثر من عشر سنوات، ولكنها لم تبدأ في الكنيسة القبطية إلا منذ حوالي خمس سنوات، ففي أسبوع واحد، وبدون اتفاق مسبق، تم إنشاء أول مركزين للمشورة في كل من: "كنيسة السيدة العذراء مريم بأرض الجولف"، و"كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بكوتسيكا بالمعادي"، ثم بدأت بعدها تنتشر في العديد من الكنائس في مصر، ومنذ ذلك العام وهذه المراكز تُقدم خدمة المشورة لكل مَنْ يحتاج إليها، كما أنها تقوم بتأهيل بعض القادة والخدام ليستطيعوا أن يعينوا مَنْ يلجأ إليهم في المشاكل الحياتية العادية، والتي يمكن حلها دون الحاجة إلى الذهاب إلى إخصائي نفسي.
خدمة الوعظ.. وخدمة المشورة
وعن الفرق بين خدمة الوعظ في القداسات والاجتماعات، وبين خدمة المشورة، يقول الأب "يوحنا ثابت" الأب الروحي لمركز العائلة المقدسة للمشورة الأسرية بكنيسة السيدة العذراء مريم بأرض الجولف: إن الخدمة الدينية المنبرية تعطي تعاليم هامة، ولكنها "عامة"، تناسب فقط الأمور المشتركة عند الجميع، ولكن المشكلات الشخصية المختلفة التي عادةً ما تكون هي الأعمق في النفس البشرية؛ لأنها تظل معلقة في انتظار الخدمة الفردية، مشيرًا إلى أن المشورة المسيحية تختلف عن المشورة العلمانية التي تؤمن بعلم النفس إيمانًا مطلقًا، فالمشورة المسيحية يجب أن تتسم بثلاثة مبادئ هامة، وهي أن الكنيسة هي مركز ومكان المشورة والرعاية، والكتاب المقدس هو المصدر الأساسي للإرشاد، كما أن علم النفس يُستخدم من خلال رؤية إلهية وكتابية.
الإنصات باهتمام.. وحفظ الأسرار
وتوضح "إيريني يوسف" إحدى خادمات المشورة بكنيسة السيدة العذراء مريم بالدقي قائلة: إن لخادم المشورة سمات يجب أن تتوافر فيه ليقوم بعملية المشورة، وهي أن يكون إنسان روحي، يُقدم خدمته باسم المسيح ببذل وعطاء وطول أناة، وأن يقبل المترددين لطلب المشورة قبولاً غير مشروط، بغض النظر عن الأصل أو الجنس، أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادى، هذا إلى جانب أن تكون لديه مهارات الاتصال والتواصل الجيدة؛ مثل الإنصات باهتمام والتعاطف، هذا بالإضافة إلى أن يكون أمينًا على أسرار الأخرين، واثقًا من نفسه بدون أي غرور أو تعالي، كما يجب أن يكون اهتمامه الأول والوحيد في المشورة هو فقط فائدة المستشير الذي يعاني من أزمة ما.
تاريخ علم المشورة (2000 عام)
ومن جانبه أضاف القمص "إبراهيم رياض" مدير مركز المشورة بكنيسة السيدة العذراء مريم بالدقي قائلاً: إن الكنيسة أقامت المركز منذ عام 2007م، لاحتياج المجتمع لهذه الخدمة، وذلك من أجل خلق خدام ومجموعات مساندة للنفوس المحتاجة، معربًا عن أن علم المشورة ليس علمًا جديدًا، لأن جذوره في الكتاب المقدس، وتاريخه هو 2000 عام من الرعاية الكهنوتية المُحبة.
والحقيقة أن هذا العلم هو هدية الله للكنيسة وللعالم أجمع، لأنه به تحققت الرعاية الإلهية التي وعد بها "السيد المسيح" العالمَ، فعلم المشورة يعلن المسيح للقلوب الحائرة.
خلاص النفس وخروجها من أزمتها
ويشيرالقمص "إبراهيم رياض" إلى أن علم المشورة يهدف إلى عدة نقاط، ويسعى للوصول إليها، وهي:
1- خلاص النفس وخروجها من أزمتها.
2- تحديد المشكلة التي يعاني منها الشخص؛ لأن هذا هو بداية حلها.
3- أن يفهم الشخص ذاته فهمًا صحيحًا؛ لأنه في بعض الأحيان يكون لدى كل منا بعض الأفكار المدمرة مثل؛ الإحساس بالذنب، أو صغر النفس، أو الدونية
4- مساعدة الشخص على رؤية النقاط المضيئة في حياته، والإمكانيات التي خصه الله بها، واستثمارها لاستعادة نفسه بنفسه.
5- مساعدته على تحقيق ذاته إلى الدرجة التي تجعله راضيًا عن نفسه.
هذا بالإضافة إلى معاونة المستشير على التوافق مع نفسه وقبولها وتطويرها، وبالتالي التوافق مع المجتمع، سواء كان ذلك في مجال الأسرة أو في مجال العمل، ومن ثم بناء علاقات حميمة مع الأخر تتميز بالوداعة وطول الأناة.
والجدير بالذكر أن معظم مراكز المشورة تنبثق منها العديد من الدورات، مثل دورات إعداد المخطوبين، ودورات المتزوجين حديثًا، ودورات لتربية الأبناء، وكل هذه الدورات تُقام على الأقل مرتين في السنة من أجل بناء أسرة مسيحية سليمة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=18563&I=460