أنطونى ولسن
بقلم: أنطوني ويلسون
أشياء كثيرة تحدث على أرض الوطن مصر.. وهي محور اهتمامنا دائماً وابداً، وإن كانت هذه الفترة الزمنية تعتبر من أهم وأخطر الفترات في تاريخ مصر عامة، وحكم الرئيس مبارك خاصة.. لأنها فترة Make it or Break it والتي تعني إما ان تنتبه سيادة الرئيس لمصر والشعب المصري أو سيكون الوضع جد خطير على جميع الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، خاصة ومصر بدأت تخوض الانتخابات بدء بانتخابات مجلس الشورى هذا العام، وختاما بانتخابات رئاسة الجمهورية في العام المقبل.
لذا نحاول في هذه الجولة تسليط الأضواء على بعض من المشاكل التي تسبب قلقا حقيقيا لضمير الوطن مصر..
** ودعت مصر علما من اعلام الأدب والدراما المصرية.. رجل تبكيه الاقلام قبل العيون المتحجرة والقلوب الميتة، رجل قدم للشعب المصري اعمالا فنية في شكل مسلسلات وافلام وقصص أودعها كتبه ومؤلفاته. عاش لمصر ومات وهو ساخط على ما يجري لمصر.. ما من لقاء اجري معه إلا وكان فيه ساخطا ناقدا محذرا من مغبة ما ستؤول إليه أحوال الوطن مصر مما يجري على ارضه من صراعات وانشقاقات وتخلفات وانتهاكات لحقوق الانسان المصري الذي جار عليه الزمن بحكومة لا تهتم به بل تهتم بنفسها وبزبانيتها من مصاصي دماء الشعب وقوت الشعب، فخلقت فوضي عارمة أصبحت هي القاعدة العامة في كل مناحي الحياة.
رجل ناصري الفكر مثل كل من كانت تراوده الافكار التي سميت بالناصرية.. لأنها كانت أفكار حلم كل محب لمصر ومخلص لها ويريد العزة والرفاهية لشعبها على الرغم من هذا فلم يكن راضي عن عبد الناصر الذي كان اول من خان ما أطلق عليه الفكر الناصري.
استمتع العالم العربي بأعماله الخالدة التي جسد فيها احلام وأمال أمة ارادت ان تخرج من حفرة التخلف.. فوجدت نفسها في قاع الظلم والاضطهاد وفرقة ابناء الوطن بين بعضهم البعض واغرقوهم في بحر عميق من الضياع والبهتان وأطلقوا على هذا البحر اسم الدين حتى يمكنهم إلهائه حتى يظل في قاع ذلك البحر العميق..
مرض الرجل الذي بدأت معاناته الصحية عام 2007 بفشل كليته اليمنى.. وانتهى عن عمر ناهز 69 عام.. الأعمار بيد الله ولكل أجل كتاب.. لكن يبقى هناك تساءل حول عدم سرعة علاج مثل هذه القامة المشرفة في جبين مصر، في الوقت الذي ينهب فيه أعضاء البرلمان أموال الشعب على شكل علاجات وهمية بالملايين، بينما علاج الرجل يتـأخر حتى يقولون لقد أمر سيادة الرئيس حسني مبارك بعلاجه على نفقة الدولة، وكأنه هو وحده ماسك خزانة الدولة، ولا ادري لماذا لم ينتظر من حصلوا على الملايين من أموال الشعب في علاجات وهمية حتى يأمر سيادة الرئيس بالموافقة؟!!
وداعا استاذنا الكبير أسامه انور عكاشة.. قد ارتحت من زمن مات الضمير فيه بمصر باسم الدين ودولة ضاع من قدمها الطريق. فباتت تتخبط في متاهات الفوضى التي أصبحت السمة السائدة للحياة في مصر.
قلت وداعا استاذنا الكبير.. وان كنت لا أؤمن بوداع الخالدين مثلك.. لكن الوداع لجسدك الفاني.. اما روحك التي تركتها في اعمالك فهي خالدة بخلود الزمن.
** حكم محكمة بالزواج الثاني لمطلق في الكنيسة:
هذا الحكم يعتبر احد المواضيع الشائكة التي تواجه المجتمع المصري وتقلق ضمير مصر عامة والأقباط بصفة خاصة، لما فيه من خلط للأوراق ومحاولة التدخل من القضاء في شأن كنسي إيماني لا دخل فيه للقضاء.
وقد صدر ذلك الحكم بناء على دعوى قضائية رفعها مواطن قبطي ضد قداسة البابا شنودة شخصيا لعدم سماح الكنيسة القبطية الارثوذكسية له بالزواج مرة ثانية بعد طلاقه لزوجته.
لذا يجب ان نلقي الضوء على الطلاق في المسيحية.
بعد مجيئ رب المجد يسوع المسيح أصبح كل مؤمن يعيش في عصر النعمة.. عصر المحبة.. عصر القلوب الطيبة ولم يعد للطلاق مكان لأي مسيحي مؤمن.. وهذا ليس شيئاً تحدده الكنيسة.. لكنه شيء هو جزء لا يتجزأ من الإيمان المسيحي.. لأن الانسان المسيحي المؤمن يعيش في عصر النعمة ويتمسك بتعاليم الرب يسوع نفسه ولنقرأ هذه التعاليم في إنجيل البشير متى الإصحاح 19 والاعداد من 3- 9
3- وجاء اليه الفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل ان يطلق أمرأته لكل سبب.
وهنا السؤال وأضح وجلي.. إنهم لا يسألونه للمعرفة.. لكن ليمسكوا عليه مخالفته لتعاليم موسى.. فجاء رده كالآتي.
4- فأجاب وقال لهم أما قرأتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى.
5- وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحداً.
6- إذا ليسا بعد أثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.
واضح من رد رب المجد المعرفة التامة للإنسان منذ البدء.. لم ينتظر وحي يأتيه بالإيجابة على تساءل الفريسيين عن الطلاق وأوضح لهم وأكد ان الرجل يترك أباه وامه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا.. إذا ليس بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان.. ومع ذلك ارادوا احراجه كيهودي امام الجموع.
7- قالوا له فلماذا أوصى موسى ان يعطي كتاب طلاق فتطلق.
تساءل وجيه جدا من الفريسيين.. لأن موسى هو واضع الشريعة لليهود اثناء فترة توهانهم في البرية لمدة 40 سنة قبل ان يصلوا إلى ارض الموعد.. وأثناء تلك الفترة ماتت أجيال وولدت أجيال جديدة ولا بد من وضع التشريعات او القوانين التي تحدد علاقات اليهود في البرية بعضهم لبعض.
لكن المفاجأة جاءت مرة اخرى من إجابة الرب يسوع لهم.
8- قال لهم إن مُوسي من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم ان تطلقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا.
واضح من اجابة الرب يسوع علمه الكامل بقلوب اليهود وقساوتها ومع ذلك نراه يسن لهم تشريعا جديدا، إن جاز لنا ان نقول تشريعا لأننا نعرف جيدا انه هو.. هو رب موسي ورب الأرباب.. فيقول لهم:
9- وأقول لكم إن من طلق أمرأته إلا بسبب الزنا وتزوج باخرى يزني. والذي يتزوج بمطلقة يزني.
اما الحكمة المستقاة من هذا الأمر ففيه رعاية للزوجة في حالة زنا الزوج.. قد تحتمل المرأة كل شيء من الرجل إلا الخيانة التي تكتمل بالزنا فجرحه عميق في قلبها وتأثيره عميق على نفسها ومن الصعب ان تقبل العيش معه مرة اخرى، وان اضطرت لذلك وغفرت لكنها لن تنسى وغالبا ما ترفض المعاشرة الزوجية لو قبلت الإبقاء على الزواج لأسباب قد تتعلق بالحفاظ على تماسك الأسرة من أجل الأولاد.
وطبيعي ينطبق نفس الوضع بالنسبة لزنا الزوجة. بل هو اقسى لأن الرحم قد تدنس وإنجابها لن يكون طاهرا. لهذا الطلاق واجب ويحق للطرف الآخر الزواج في الكنيسة بعد اثبات حالة الزنا بالطبع. ولا يحق للطرف الزاني الزواج مرة ثانية في الكنيسة.. وما نتكلم عنه في امر عدم السماح لصاحب الدعوى القضائية بالزواج ثانية بالكنيسة هو تطبيق عملي لما جاء في الكتاب المقدس وأشرنا إليه سلفا..
لأن طلب الطلاق لسبب او أسباب ليست لعلة الزنا لا توافق عليه الكنيسة القبطية الارثوذكسية وغيرها من الكنائس.
الزواج حسب الإيمان المسيحي يعتمد على مشورة الرب قبل الزواج ليرشده او يرشدها إلى شريك العمر والحياة في زواج مقدس. وهذا لا يعني ان هذا الزواج لن يتعرض لزوابع الحياة ومخاطرها!! على العكس غالبا ما يتعرض اكثر لتجارب الشيطان.. والتغلب عليه يجب ان يكون بالتمسك بما جاء في الكتاب المقدس.. ففي إنجيل لوقا الإصحاح 18 والعدد 27 نقرأ الآتي:
لوقا18 العدد 27: .. غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله.
لتوضيح ذلك تحضرني قصة متداولة في الكنيسة عن زوجة تقاسي من غلظة الزوج وسوء معاملته لها ولأولادها وضربه لها وإهانتها.
تعبت الزوجة وذهبت الى الأب الكاهن الذي أخبرها لا شيء يمكنه ان يفعل غير الصلاة معتمدا على الآية التي ذكرتها.
إفتنعت الزوجة وبدأت تصلي وتطلب من الله ان يهديه ويحافظ عليه وينير بصيرته.
ذات يوم بدأ الشجار والضرب والإهانة، وإنتاب الأولاد الذعر والخوف والرعب، خرج الزوج بعد ذلك الى سهرته مع أصحابه. في الطريق شعر بمغص حاد ولم يكن بعيدا عن البيت، عاد أدراجه يتلوى من شدة الألم. صعد السلم وقبل أن يدق باب المنزل، سمع صوت زوجته وهي تصلي وتتذكره في صلاتها وتطلب من الله ان يحافظ عليه وتدعو له والأولاد يرددون أمين. فتح الباب وإرتمى عند قدميها وإشترك معها في الصلاة.
هذا هو الإيمان المسيحي.. «غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله»
إذن كل من يريد ان يطلق لأي سبب غير الزنا، وفي بعض الحالات الاستثنائية عدم القدرة على الإنجاب، من أحد الطرفين، فليذهب أو فلتذهب إلى اي مكان يطلق عن طريقه. وإذا تزوج أحدهما يحق للآخر الزواج عن طريق الكنيسة.
لن اقول عندنا شريعة.. لأن الشريعة كانت لقساوة القلوب، اما بالنعمة فنحن مخلصون..
المحكمة تفعل ما تشاء.. توافق على الطلاق.. لكن الكنيسة لا تسمح لمطلق اومطلقة بالزواج الثاني عن طريقها.. ولا إجبار على ذلك لأنه تدخل صريح في العقيدة المسيحية الارثوذكسية. وليذهب طالب الطلاق او المطلق الى اي مكان ويتزوج ولا حاجة لرفع دعاوي وقضايا.
قد يتساءل البعض لو ان رجلا مسلما اراد الزواج بأكثر من أربعة.. ورفعت احدى زوجاته او كلهن عليه دعوى.. هل سيوافق حضرة القاضي على زواجه لأكثر من 4 زوجات؟ ام سيرفض؟
الحقيقة لا المحكمة ولا الأزهر ولا أي جهة دينية ستوافق على ذلك. والكنيسة تعاليم مخلصها الرب يسوع المسيح تحرم الطلاق إلا لعلة الزنا وحالات عدم الانجاب اذا أصر أحد الطرفين على الطلاق.
وطبيعي كان على قداسة البابا الرد على قرار المحكمة في عظته بالكاتدرائية الكبرى بالاسكندرية، أنقل لكم بعضا من عناوين ما قاله قداسته:
* لا تستطيع اي جهة إرغامنا على شيء مخالف لعقيدتنا.
* إذا ارادت المحكمة ان تصالحنا فلتصدر قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين.
* استاء من المسيحيين الذين يجاملون على حساب دينهم.
* انا شخص طيب، ولكن فيما يخص العقيدة، سأتحول الى شخص آخر.
عزيزي القارئ نحن لانزرع الشوك.. لكننا نرفض السير فوقه.. كفانا سكوت.. ولن نسمح بضياع لهويتنا الدينية والوطنية.
وهناك جولات اخرى في ضمير الوطن مصر سنتطرق اليها فيما بعد..
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=18645&I=462