ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد – خاص الأقباط متحدون
"مصر هبة النيل".. حكمة خالدة للمؤرخ هيردوت، فوجود النيل جعل لهذه البقعة من الأرض شعبًا.. وهذا الشعب تحكم بدوره في هذا النهر، فنظم مياهه، وحفر فروعه وترعه وخلجانه، ووجهها الوجهة التي يرضاها لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أراضي هذا الوادي، وقبل ذلك كانت الأقاليم الصحراوية الواقعة جنوب البحر المتوسط فى العصر الحجري القديم أو العصر المطير ملائمة لسكنى الإنسان، بما كان ينبت فيها من أعشاب وأشجار على مياه الأمطار، وما كان يعيش فيها من حيوانات، فاستطاع الإنسان أن يحيا فيها حياته، ولكن بانقضاء العصر المطير وحلول الجفاف لم تعد الأرض صالحة للسكن، ومن ثم اتجه الإنسان والحيوان نحو مجاري المياه حيث تتوافر أسباب المعيشة.. وظهرت الحياة في وادي النيل، وتكونت على ضفافه مجتمعات مستقرة تقوم على الزراعة واستغلال الأرض، وهذا تتطلب مواجهة الفيضان بحفر الترع وشق القنوات وإقامة الجسور والسدود وتقسيم الأراضي إلى أحواض.
نهر النيل في المصادر الإغريقية
لقد انقسم الذين اهتموا بجغرافية مصر وتاريخها السياسى والاجتماعى إلى فرق، فريق يُرجع الفضل فيما وصل إليه المصريون إلى البيئة الجغرافية، فمصر هبة النيل وحضارتها من ثمار البيئة الطبيعية، ولولا النيل ما قامت لمصر حضارة ولا كان للمصريين ذكر في التاريخ.. وفريق يرى أن البيئة لم تكن إلا مسرحًا استخدمه الإنسان واستغله، والفضل للأشخاص الذين عرفوا كيف يستغلون هذه البيئة.. وهناك فريق ثالث يرى أن العلاقة بين الإنسان وبيئته الجغرافية علاقة ذات تأثير متبادل حيث وجدت البيئة الصالحة كما وجد من استطاع استغلالها أحسن استغلال، وبذلك نجح المصريون في وضع أسس حضارتهم التي تلائمت مع الظروف الطبيعية التي أحاطت بها.
مدى علم المصريين القدماء بأعالي النيل
من الصعب أن نذكر بشيء من الدقة جميع الأقطار التي اتصل بها المصريون القدماء غير أننا نعرف أنه كان لهم اتصال وثيق بثلاث مناطق مهمة في جنوب مصر، وهي بلاد كوش، وبلاد أيام، وبلاد بونت، فالمصريون إذن، حتى في أوائل عهدهم، لم يكونوا بالأمة المنعزلة عن الأمم القانعة بالبقاء في واديها الخصيب، بل كانوا يقومون بالاستكشاف والاتصال بالبلاد الأخرى. وكان لهم علم بكثير من الأقطار التي يتألف منها حوض النيل، وإن كنا للأسف عاجزين عن تقرير مبلغ علمهم بمنابع النيل.. كما أنه بعد فتح الإسكندر لمصر وتأسيس حكم البطالمة كثر وفود اليونان إلى مصر من تجار وعلماء وكثر ارتيادهم لأعالي النيل، لكنهم لم يكونوا يتوغلون إلى ما وراء نقطة التقاء النيل الأزرق والأبيض إلا نادرًا.
فيضان النيل والتقويم
يفيض نهر النيل في أنسب الأوقات، وينحسر في أنسب الأوقات أيضًا. فهو يأتي في الصيف والأرض خالية من الزرع محتاجة للماء فيغمرها بمائه المحمل بالطمي ليروي ظمأها ويجدد خصبها، ثم يتراجع عنها في أنسب الأوقات للزراعة فتبذر الحبوب وتخضر الأرض وينمو الزرع. ولما كان للفيضان وقت معين، وللزراعة مواسمها ومواعيدها وللري طرقه ونظامه لذلك رتب المصريون حياتهم على هذا الأساس، فقسموا الأرض وشقوا الترع ونظموا الرى وابتدعوا التقويم.
اهتمام الملوك بالنيل
نجد أهمية الماء فى النصوص المصرية القديمة، حيث تنص على أن من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة، فالماء هو القربان الأساسي الذي يقدم للمتوفي، ونجد في تلك الخطابات الغريبة التي يرسلها الأحياء إلى الموتى، صيغة تهديد بالنسبة لهؤلاء الذين لم يطيعوا الأوامر الموجهة إليهم، فلن "يصب إليهم الماء" ومن هنا نرى مدى تقدير المصري القديم للماء حتى أننا نعرف من نص آخر أن تمييز طبقة السكان فى مختلف أنحاء البلاد، تم طبقًا لمصدر شرب الناس الماء، فهناك من يشربون من ماء النيل، أو مياه الآبار ومياه الترع، أو مياه الأمطار المخزونة وكان هناك سقاءون لتوزيع المياه على البيوت فى المدينة، فمنذ بداية التاريخ وتدل النقوش والمناظر على اهتمام الملوك بمشروعات الري والزراعة.
معبودات النيل في مصر القديمة
عبد المصريون القدماء عددًا من الأرباب والربات التي ارتبطت بنهر النيل، فكان النيل محل تقديسهم فمنحوه صفة القداسة وأسموه "حابي" ويتخذ ذلك المعبود صورة رجل ذو جسم ممتلئ له بطن كبيرة وثديان كبيران تنبثق المياه منهما كرمز للخصوبة والعطاء لأرض مصر الطيبة كما كان الإله "حابي" يُصوَّر حاملاً زهورًا ودواجن وأسماكًا وخضراوات وفاكهة كرمز لخير مصر الوفير، و الإله "حابي" يختلف عن غيره من المعبودات لأنه لم تكن له معابد خاصة، أو كهنة يقومون على خدمته وخدمة طقوسة كباقي المعبودات، ولكن كان له أناشيد تردد في الاحتفالات بالفيضان، وهذه الأناشيد محفوظة على لوحتين لصبيين من صبية المدارس كانا يقومان بنسخ مقتطفات من هذه الأناشيد، وهناك جزء آخر مسطر على البرديات.
http://www.copts-united.com/article.php?A=18701&I=463