نسيم عبيد عوض
بقلم/ نسيم عبيد عوض
أصدرت المحكمة الإدارية العليا – برئاسة المستشار " محمد الحسيني"- حكمًا مُؤيدًا لحكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بإلزام قداسة البابا "شنودة" الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بأن تعطي الكنيسة الأرثوذكسية تصريحًا بالزواج للمرة الثانية، لمواطن قبطي يُدعى "هاني وصفي" – مُطلق-، حيث رفضت المحكمة الطعن المُقدم من البابا "شنودة" على حكم محكمة أول درجة.
وقبل أن أبدأ في تفنيد هذا الحكم، أقول أن هذا الحكم هو القشة التي ستقصم ظهر البعير -كما يقولون-, لأنه وضع الدولة، وحكم المحكمة العليا نفسه، والكنيسة، والشعب المسيحي، فى مأزق خطير للغاية, ولأنه كشف للعالم كيف تدبر الدولة -منذ قيام الثورة- على تطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين, ولأنه يكشف للعالم تقاعس الدولة والسلطة الحالية على تجاهل مطالب الشعب المسيحي, حيث ينام في أدراج وزارة العدل المصرية القانون الموحد للأحوال الشخصية منذ عام "1978م"؛ ( أي منذ 32 سنة)، والمُوقع عليه من جميع الطوائف المسيحية في مصر.
وقد طالبنا مرارًا وتكرارًا بإصدار القانون، ولم يبالِ بنا أحدٌ, وهاهي الدولة في مواجهة لا يُعرف مداها أو عُقباها، والأيام المقبلة ستوضح لنا هذا, وستعرف السلطة الحالية أن البغي والظلم والمؤامرة، وصلت إلى أقصاها، وليعرف العالم كيف هو الحال في بلدٍ يعيش على أموال المسيحيين، لتجبرهم أن يحكموا بغير قوانين دينهم.
وفى حيثيات الحكم قالت المحكمة: "إن المحكمة إذ تحترم المشاعر الدينية, غير أنها تحكم وفقًا لما قرره القانون", ومن المعروف ان هذا الحكم هو حكمٌ نهائي، وغير قابل للطعن فيه بأي وجه من أوجه التقاضي.
وهكذا نجد أمامنا عدة عناصر يجب أن تُناقش بدرجة من الأهمية القصوى، لأن هذا حكم محكمة عليا "غير قابل للطعن" من أي جهة قضائية أخرى على وجه الأرض كلها, ولذلك علينا أن نبحث الموضوع بكل تفاصيله:
1- قول الحيثيات أن المحكمة تحترم المشاعر الدينية.
2- أنها تحكم لما قرره القانون.
3- وهو حكم غير قابل للطعن، وكيف نطعن فيه؟
أولاً: المشاعر الدينية:
ولماذا لم تقل احترام التشريعات الدينية؟ فلا دخل للمشاعر هنا؛ لأن هناك تشريع ديني – مسيحي كنسي- يُعمل به في الأحوال الشخصية, في الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية على النحو التالي:-
1- قانون الأحوال الشخصية عام 1896م، منذ عهد البابا "كيرلس" الخامس، والذي بناء على طلب مقدم من وزارة العدل المصرية إلى طائفة الأقباط الأرثوذكس، لتوضيح وتحديد المسائل الشرعية الخاصة بالأحوال الشخصية, كلف الإيغومانس "فيلوثاؤس إبراهيم" رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى، بتحرير هذه القوانين المعمول بها في الكنيسة للأحوال الشخصية، وكانت مَراجعه في ذلك: (الكتاب المقدس– قوانين الرسل– الدسقولية- قرارات المجامع المسكونية والمكانيةالتي تعترف بها الكنيسة- كتاب مجموع القوانين للشيخ الصفيّ ابي الفضائل ابن العسال- كتاب القوانين القسوسية للبطريرك كيرلس بن لقلق).
2- قانون الأحوال الشخصية المعروف بلائحة عام 1938م، والتي تضم أحكام هذا القانون، والتي صدَّق عليها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس بالقاهرة بجلسته المنعقدة في أول بشنس من عام 1654ش، والموافق 9 مايو من عام 1938م، على أن يُعمل به من أول أبيب لعام 1654ش، والموافق 8 يوليو من عام 1938م.
وجاءت ثورة يوليو لتسلب الكنيسة القبطية اختصاصات الأحوال الشخصية، ولتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية كقانون واحد لكل المصريين، فأصدرت بتاريخ 24 سبتمبر من عام 1955م، القانون رقم 462 لسنة 1955م، والذي ألغى المجالس الملية على اختلاف أنواعها، والمحاكم الشرعية، وأحال القضايا إلى المحاكم الوطنية اعتبارًا من 1 يناير 1956م، والمعروف بالقانون رقم 462 لسنة 1955م, وهو القانون الذي ضرب المسيحيين في مقتل، وأصابهم في شرائع دينهم؛ لأنه قانون نهايته هي تطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين والمسيحيين -وسوف نعود لتفصيل هذا القانون فيما بعد- وهو المعمول به حتى الآن، والذي بموجبه صدر الحكم السالف الذكر.
إذن ليس هناك احترام للمشاعر الدينية، ولكنه حوَّل المشاعر كلها إلى دين واحد وهو "الإسلام"، بغض النظر عن الديانة المسيحية.
ثانيًا: الحكم بما قرره القانون:
وعلى العكس تمامًا.. جاء حكم المحكمة على غير سند قانوني, ولأن القاضي كل مايهمه هو الحكم بالشريعة الإسلامية كقانون عام على كل طوائف الشعب, وبالرجوع للقانون -الذي حكم القاضى بموجبه- نجد أنه قد تجاهل نص القانون, ونعود للقانون:
نصوص القانون رقم 462 لسنة 1955– المادة الأولى : "تُلغى المحاكم الشرعية والمجالس الملية ابتداء من أول يناير عام 1956م، وتُحال الدعاوى المنظورة أمامها لغاية 31 ديسمبر من عام 1955م، إلى المحاكم الوطنية، لاستمرار النظر فيها وفقًا لأحكام قانون المرافعات".
المادة السادسة: "تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف -والتي كانت أصلاً من اختصاص المحالكم الشرعية- طبقًا لما هو مقرر في المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم".
أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، والمتحدي الطائفة والملة، الذين لهم جهات قضائية منظمة وقت صدور هذا القانون، فتصدر الأحكام في نطاق النظام العام "طبقًا لشريعتهم".
فهل حكمت المحكمة طبقًا لشريعة "المسيح"، والتي هي شريعة المسيحيين في كل العالم, فالقول بأن الحكم جاء وفقًا لما قرره القانون غير حقيقي، ومخالف أصلاً للقانون, وهو بذلك يكون حكم معيب.
ثالثًا: إن الحكم غير قابل للطعن، وكيفية الطعن فيه:
نعم.. إنه حكم غير قابل للطعن, ولكن... "طبقًا لشريعتهم", هناك مجلس إكليريكى بالكنيسة يرأسه أسقف، وأجهزة إدارية ومحامين، وتُعرض عليه كل هذه المشاكل الخاصة بالأحوال الشخصية، ويصدر الحكم بموافقة المجمع المقدس, عما إذا كان يستحق الطلاق أو يستحق الزواج, وكل هذا "طبقًا لشريعتهم", والآن.. وقد جاء الحكم معيبًا، فإن الأمر يتطلب أن يُصدرَ رئيس الجمهورية قرارًا بإحالة الحكم إلى جهاز مفتشي وزارة العدل، لبحث شرعية القانون، وكيف أنه خالف نص القوانين المعمول بها, وخصوصًا وأن هناك حكم لمحكمة النقض في الطعن رقم 4 لسنة 42 قضائية- أحوال شخصية، وبجلسة 6 يونية من عام 1973م، يقضي بأن أحكام لائحة عام 1938م، والصادرة من المجلس الملي العام، هي الواجبة التنفيذ دون غيرها, وكذلك حكم محكمة استئناف الإسكندرية، والتي أصدرت حكمًا يقرر أن أحكام الشريعة المسيحية مدونة في الإنجيل المقدس، وقد حُرم فيها الطلاق تحريمًا باتًا، ولم يجزه إلا لـ "علة الزنا"، وهذه هي أحكام الشريعة المسيحية القاطعة.
وكذلك حُكم محكمة شبين الكوم للأحوال الشخصية لغير المسلمين، والتي رفضت الحكم بالطلاق وقالت في أسباب حكمها: "إن الرابطة الزوجية رابطة مقدسة، وهي طبقًا لشريعة الأقباط سرٌ مقدسٌ من الأسرار الكنسية المقدسة".
http://www.copts-united.com/article.php?A=18954&I=469