طلعت الصفدي
بقلم: طلعت الصفدي
لا زالت قوى اليسار والتقدم على المستوى العالمي تعاني من أزمة حقيقية، بدأت مع انفراط عقد القوى الثورية الثلاث في العالم، وتخلفها في استيعاب متغيرات العصر، وحركته، وتفاعلاته، وارتداد بعضها عن التمسك بالأيدلوجية الثورية، وعجزها الوصول إلى السلطة بشكل سلمي، وديمقراطي، لتحقيق أهداف شعوبها في التحرر الإقتصادي والإجتماعي والديمقراطي، وبناء المجتمع الإشتراكي البديل الحقيقي للنظام الرأسمالي.
لقد شكل انهيار وتفكك الإتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية، ونكوص العديد من البلدان عن النهج الإشتراكي، خصوصاً في بلدان شرق أوروبا، والتنكر لنضالات شعوبها في الحرب العالمية الثانية ضد النازية والفاشية، واللهاث دون أفق وراء عضوية حلف الناتو (الأطلسي)، والتبعية، والإلحاق بالولايات المتحدة الأمريكية، والنظام الرأسمالي العالمي، والاحتكارات المالية، ضربة موجعة لقوى اليسار العالمي، ولحركة التحرر العالمية، ولنضال الطبقة العاملة، ولكافة القوى الديمقراطية والتقدمية المعادية للإمبريالية، ولأنصار السلام في العالم.. لقد أعملت بلبلة لدور وموقع اليسار العالمي في الصراع الدائر، بسبب تداعيات فشل النموذج السوفياتي الذي اعتبر في مرحلة من التاريخ، المرجعية الفكرية والثورية الوحيدة لقوى التحرر الوطني، وللأحزاب الإشتراكية والشيوعية في العالم، دون حساب لخصائص كل شعب وتراثه وحضارته التي يستمد قوته منها، فكان الجمود العقائدي، والتراجع في فهم صيرورة التاريخ، وقوانين التطور في المجتمع، وفشل تصدير الثورات، والإعتماد على القوى الخارجية فقط في المعارك ضد النفوذ الأجنبى، والتشرذم التنظيمي،وغياب الديمقراطية ساهمت كلها وأخرى في تعميق أزمة قوى اليسار العالمي، التي تعرضت للهجوم الأيديولوجى المكثف من وسائل الإعلام الغربية، في محاولة لغسل أدمغتها، والترويج لمقولة فشل الإشتراكية، ونهاية التاريخ، وصحة وحيوية الرأسمالية، وإيديولوجيتها الليبرالية التي اعتبرت نفسها أنها قد انتصرت في معركة المواجهة بشكل نهائي ضد الإشتراكية والشيوعية.
لقد حقق هذا الهجوم بعضاً من غاياته، ونال جزءاً من رصيد الإشتراكية، وشوه صورتها في أعين الشعوب المضطهدة، والطبقة العاملة التي كانت تتطلع لحتمية انتصارها على العدو الوطني والطبقي، واهتزت سمعة قوى التحرر والديمقراطية والتقدم في العالم، فطالت أحزابها الإشتراكية والشيوعية في بلدانها، وارتفعت الأصوات التي تتندر على انهيار معسكر الإشتراكية في العالم، وتشكك بقدرة النظام الإشتراكي كخيار وبديل للرأسمالية، خصوصاً بعد النجاحات التي حققتها الرأسمالية العالمية في العديد من المجالات الحيوية في العالم، ولا زالت ماكينة الإعلام الغربي وفضائياتها ومراكز أبحاثها ومنظروها يروجون لبضاعتهم، ويحاولون تسويقها على الرغم من أزمتهم الحالية الإقتصادية الحادة والعميقة التي أدت إلى إنهيار النظام المالي العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، راح ضحيتها ليس البنوك والمؤسسات المالية والعقارية في بلدانها، أو التابعة لها، بل وشعوب الكرة الأرضية، ومع ذلك فهناك ضوء ساطع يشع وينبئ بتغييرات ونجاحات يسارية وتقدمية في بعض بلدان أوربا، وتنامي دور الشعوب في مواجهة العولمة المتوحشة وكذلك على جانبي القارة الأمريكية الجنوبية، بين المحيط الأطلسى الجنوبي، والمحيط الهادي تشكل جزءاً هاماً في إعادة تشكيل جبهة اليسار العالمي.
إن حركات التحرر العربية وقياداتها التي شكلت في بداية نضالها جبهات وطنية ضد المحتلين لأراضيها، ووصلت للسلطة عبر تزكية الجماهير لها، قد نجحت نسبياً في إنجاز مرحلة التحرر الوطني، ورفعت الشعارات التقدمية والديمقراطية، وسعت لتخليص شعوبها من التبعية الإقتصادية والسياسية، وبناء المجتمع الديمقراطي الحقيقي، وبقيت شعاراتها المركزية دون تنفيذ، وفشلت في تحقيق أهداف التحرر الإجتماعي والديمقراطي في بلدانها، وتنامى نفوذها المالي والسلطوي بفعل سيطرتها على مقدرات البلد،وتحكمها في خيراته، والإهتمام فقط بمصالحها الخاصة وامتيازاتها، مما أدى إلى تدني مستوى معيشة مواطنيها، وتعميق التناقضات الطبقية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغياب الضمانات الإجتماعية، واعتمادها على المعونات الخارجية...إلخ، وتحولت من برجوازية وطنية إلى فئة بيروقراطية احتكارية طفيلية (كمبرادور) جددت تبعيتها للنظام الرأسمالى العالمي، وفقدت بهذا التحول دورها في جبهة اليسار المناهض للإستعمار العالمي.
لقد ساهمت مجمل التطورات في العالم في العقدين الأخيرين في إضعاف جبهة اليسار العالمي التي انعكست سلباً بشكل أو آخر على قوى اليسار الفلسطيني، أدت في أحد أوجهها إلى صعود الإسلام السياسي.
إن هزيمة الأنظمة العربية في حروبها المختلفة مع إسرائيل، وتبعية الأغلبية منها لأمريكا وللنظام الرأسمالي العالمي، واختلال موازين القوى في العالم، وتداعيات حروب الخليج، وتعرض الثورة الفلسطينية لهجمات العدو الإسرائيلي، والقوى الرجعية العربية، واضطرارها الخروج أولاً من الأردن، وثانياً من لبنان بعد اجتياح إسرائيل لبيروت، وتراجع منظمة التحرير الفلسطينية، ومحاولة تصفيتها، وما أعقبتها من اتفاقات سواء عقد مؤتمر مدريد، واتفاق أوسلو، والإنتفاضة الأولى والثانية،وتشكل السلطة الوطنية الفلسطينية، وتضرر الجماهير الكادحة من فساد بعض مسؤولي السلطة وهيمنتها على القرار السياسي، وتفردها في كافة أجهزة الحكم، وامتلاكها لكافة الموارد وتعاملها مع القوى الأخرى، بمنطق الهيمنة مرة وبالرشاوى مرة أخرى مما عطل من قدرة اليسار على طرح نفسه كشريك حقيقي، وتراجعه في الدفاع عن حقوق المواطنين ضد تجاوزات أجهزة الأمن وما رافقها من الفساد المالي والإدارى والسياسي وتذبذب بعضها في مواقفه بين السلطة الوطنية وبين حماس في القضايا الهامة.
لقد كان نضال هذه القوى الجماهيري والشعبي محدوداً وغير مؤثر، وتركت القطاعات الأساسية في المجتمع وقواه المحركة الرئيسة للنضال الوطني والإجتماعي وفي مقدمتها الطبقة العاملة الفلسطينية وكافة المسحوقين، والقطاع النسوى وقطاع الطلاب والمثقفين والمهنيين...إلخ لسيطرة حركة فتح أو حركة حماس.
لقد انعكست هذه التغييرات بشكل سلبي على فعالية ودور قوى اليسار الفلسطيني، وشكلت الأزمة العامة التي تمر بها القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أزمة اليسار الذاتية في تعميق أزمته، ولم تنجح كل المراجعات النقدية لتجاربها، وبقيت برامجها النظرية بعيدة عن الواقع والممارسة، وعجزت عن إمكانية تغيير الواقع والتأثير فيه وبقيت برغم عودتها إلى الوطن حركات مسلحة لا تمثل شريحة أو شرائح إجتماعية محددة من الشعب الفلسطيني، تتبنى قضاياها وتدافع عنها، وتناضل من أجل حقوقها بمعنى أن الوجهة العامة لهذه الفصائل منذ نشأتها وجهة وطنية تحررية ذات طابع سياسي، ولم تكن تبدي في البداية إهتماماً بالنضالات الإجتماعية، والمطلبية للفئات الإجتماعية المختلفة، وأحياناً تستهتر وتقلل من أهميتها، وبقيت ترفع لواء الكفاح المسلح كأسلوب وحيد للنضال، مقللة من دور أشكال النضال الفكرية والسياسية والإقتصادية، وإن كانت أحياناً تتعامل معه على استحياء، وبعد عودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى أرض الوطن والعيش في المجتمع الفلسطيني الحقيقي ومتطلباته الحياتية واليومية المدنية، بدأت تتضح لها تداخل المهمات الوطنية مع المهمات الإجتماعية والديمقراطية، وأكدت الحياة صحة ما طرحه حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقاً) بأن ساحة الصراع الحقيقية مع الإحتلال الإسرائيلي هي الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتداخل فيها المهمات الوطنية بالمهمات الإجتماعية والديمقراطية.
وإذا كانت هناك بعض التباينات السياسية غير الجوهرية بين أطرافها، فان برامجها الإجتماعية والديمقراطية تكاد تتطابق فيما بينها، وموقفها واضح من القوى الرجعية الفلسطينية، ومن الإسلام السياسي المدعوم من القوى الظلامية في العالم الذي شكل بدعايته الدينية، وبأدواته المختلفة إجابات مشوهة على استفسارات الواقع الخاضع للإحتلال الإسرائيلي، ولم تنجح قوى اليسار الفلسطيني في مواجهة الشعارات والإدعاءات التي طالما رفعها الإسلام السياسي في هجومه على القوى اليسارية والديمقراطية والعلمانية، وكأنها معادية للدين!! على الرغم من وضوح موقف قوى اليسار من ضرورة التمييز بين الدين (الإيمان) وبين الإسلام السياسي الذي يستخدم الدين وسيلة لتحقيق أهداف سياسية (غير دينية)، وبضرورة فصل الدين عن الدولة وعلى قاعدة الدين لله والوطن للجميع، وإن القيم الدينية الصحيحة التي يستمدها الإنسان من الدين تشكل قوة دافعة للعمل الإنساني من أجل حياة أفضل للبشر.
فأي تنازل من قوى اليسار في صراعها الفكري مع أحزاب الإسلام السياسي هو تراجع وإضعاف لقوته ووحدته، كما أن التذيل لحركة فتح أو السلطة الفلسطينية، يفقد اليسار هويته الفكرية والطبقية وتميزه عن القوتين الكبيرتين في الساحة الفلسطينية.
منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي شكلت عصبة التحرر الوطني البنية الأولى لليسار العربي الفلسطيني التي امتلكت من التجربة الثورية، والبعد السياسي الواقعي، وقد نشأت كضرورة موضوعية وحاجة تاريخية لامتلاكها القاعدة المادية الإجتماعية التي اعتبرت أكثر تنظيماً واتساعاً من قاعدة القوى التقليدية الفلسطينية، وكانت الأكثر تعبيراً عن مصالح الكادحين والشغيلة والمثقفين الثوريين والديمقراطيين، والوريث الشرعي للحزب الشيوعي الفلسطيني، وكانت عصبة التحرر الوطني التي شكلت اليسار الفلسطيني في حينه القوة الوحيدة التي حملت رسالة محددة وواضحة، هوية فكرية وهوية طبقية بالإضافة إلى البعد السياسي الواقعي تختلف عما كانت عليه القوى التقليدية التي ربطت مصالحها وحتى وجودها بالانتداب البريطاني سواء في معالجتها للقضية الوطنية أو القضايا الإجتماعية والنقابية، أهلتها لأن تكون جزءاً من اليسار الأممي، وبأفق ماركسي وليس يساراً قومياً.
وفي هذا السياق فحتى لا نقع في فخ المقولات والخلط بين مفهوم اليسار واليسار الماركسي فإن من المهم التحديد الدقيق لمفهوم اليسار الذي تشكل في أساسه تاريخياً على قاعدة إجتماعية، حيث عرف العالم هذا المصطلح بعد الثورة الفرنسية، وعبر التاريخ الطويل للبشرية فقد تغير هذا المفهوم وتمايزت مواقفه من القضايا المجتمعية والديمقراطية، وتبدلت مواقعه بحكم دوره في عملية الإنتاج وامتلاكه لوسائل الإنتاج وللسلطة السياسية، إن الأحزاب الشيوعية بفكرها الثوري، وبرامجها السياسية تهدف "ليس إلى تفسير العالم فحسب بل إلى تغييره" حسب مقولة ماركس وهي تطمح إلى تغيير التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية للرأسمالية إلى نقيضها التشكيلة الإجتماعية الإشتراكية الطور الأول للشيوعية وبناء المجتمع الديمقراطي الحقيقي، ولهذا فان مفهوم اليسار ليس مفهوماً ثابتاً بل متحركاً كرمال الصحراء، مفهوماً نسبياً فضفاضاً لا يمثل نظرية متناسقة.
وانطلاقاً من هذا المفهوم فاليسار الماركسي الفلسطيني تحدده هويته الفكرية وهويته الطبقية وتبنيه المنهج المادي الجدلي في تفسيره للظواهر في الطبيعة والمجتمع والتفكير البشري ويتكون في أساسه من (حزب الشعب الفلسطيني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وحركة فدا وجبهة النضال الشعبي ومن الشخصيات الديمقراطية والتقدمية)، وينطلق من قيم وأهداف الإشتراكية العلمية وخلاصة تجارب القوى التقدمية والديمقراطية في العالم، وبقدرته على ربط النظرية بالممارسة الفعلية وعلى قاعدة "لا نظرية ثورية بدون تطبيق ثوري" لينين.
إن مسؤولية قوى اليسار الفلسطيني في هذه المرحلة الكارثية التي يتعرض لها المشروع الوطني التحرري والإجتماعي والديمقراطي الفلسطيني المراجعة النقدية لتاريخه، وفي مقدمتها اليسار الفلسطيني الماركسي ومركزه (حزب الشعب الفلسطيني، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) والقوى الماركسية الأخرى ولمواقفه ورؤاه المختلفة على الساحة الفلسطينية، والعربية والدولية سواء على الصعيد السياسي أو الصعيد الإجتماعي والديمقراطي وتقييم أدوات الفعل الكفاحي والجماهيري ومدى نجاحها في تحقيق الأهداف ومعرفة دقيقة لعوامل العجز في مواجهة الواقع وتداعياته المختلفة، مع التأكيد أن قدرة اليسار إذا ما توحد واسقط من حساباته الإعتبارات الذاتية والفئوية كبيرة، لكن ليس على الطريقة الجمعية بل على طريقة إن مجموع الأجزاء أكبر من الكل، خصوصاً أن الظروف الموضوعية لتشكل جبهة اليسار الفلسطيني قد نضجت بالكامل وهي تحتاج لدفعة ذاتية، فالواقع قد أفسح لها المجال لتنسيق المواقف السياسية والفعاليات المشتركة التي تحتاج للتقدم بخطوات ذاتية من أجل إنجاح تشكله، وبإمكانه إذا ما توحدت نشاطاته في المرحلة الأولى أن يوقظ القدرات الكامنة ويحرك الطاقات المهدورة، وأن يجمع كافة الفئات والتيارات الإجتماعية التي ترى في جبهة اليسار الفلسطيني المخرج الوحيد من الأزمات الخطيرة التي تلف الشعب الفلسطيني، ويمتلك القدرة على مواجهة محاولات الإستسلام والتلاعب بمصير المشروع الوطني التحرري، ومحاولات الإسلام السياسي الإنقضاض على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى كافة المكتسبات التي حققها الشعب الفلسطيني في نضاله الطويل، ولدى جبهة اليسار من الخبرة والتجربة الكفاحية والرؤية السياسية الموضوعية والعقلانية ما تؤهله لذلك، وهي تحتاج لمطبوعة فكرية تعزز هذا التوجه.
إن الوطن يعيش أخطر مراحل نضاله، ولا يطال مشروعه الوطني التحرري الذي دفع ثمنه الآلاف من الشهداء والضحايا فحسب، بل ووجوده على أرضه المهدد بالاقتلاع والترانسفير، كما يعيش في حالة من الإستقطاب الحاد والخطير بين قطبين وقوتين رئيسيتين متصارعتين وكل منهما يحمل مشروعاً سياسياً ومجتمعياً للشارع الفلسطيني ولكافة مؤسساته الرسمية والنقابية والمهنية، وحالة الإنقسام طالت حتى النسيج الإجتماعي والأسرى، والمستفيد الوحيد من استمرار هذه الحالة هو الإحتلال الإسرائيلي الذي يراهن على استمرار هذا الصراع والإنقسام، ومن بعض القوى الإقليمية وذيولها.. إن الخاسر الوحيد باستمرار هذه الحالة هو الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعية، الذي تفاقمت معاناته اليومية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة ومواقع اللجوء المختلفة، وحتى الآن لم تنجح كل المحاولات والحوارات المكثفة في القاهرة من أجل إنهاء حالة الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وفشلت جبهة اليسار الفلسطيني في هذه الحوارات أن تعبر عن نفسها ككتلة يسارية متماسكة لها مشروعها المتميز عن القطبين المتنافسين.
إن مجمل التطورات على الساحة الفلسطينية، وتزايد حجم المعاناة للشعب الفلسطيني وخطورة الإستقطاب الحاد، تؤكد من جديد أن اليسار الفلسطيني بمجموع مكوناته الحزبية والقوى والشخصيات ذات التوجه الديمقراطي والتقدمي هو القوة النامية والمهيأة سياسياً ومجتمعياً لكسر حالة الإستقطاب الحاصلة في الساحة الفلسطينية، وهو القوة الحية في الشعب الفلسطيني والأكثر تمسكاً بالمشروع الوطني الفلسطيني وبممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية كونها الهوية والكيانية الفلسطينية، وهو الأكثر دفاعاً عن القضايا الإجتماعية والديمقراطية والإقتصادية لجموع العمال والشغيلة والفقراء والمهمشين..إلخ، والقادر على إخراج شعبنا من حالة التجاذب والصراعات الداخلية.
ومن أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية فان على جبهة اليسار الموحد أن تناضل من أجل انجاز المهمة الرئيسة الماثلة أمام الشعب الفلسطيني وهي الخلاص من الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين طبقاً للقرار 194 وهذه هي طموح الأغلبية الساحقة من شعبنا وبهذا تكون قوى اليسار قد حددت مهماتها السياسية والكفاحية من أجل تحقيق هذا الهدف الذي إن تحقق سيساهم في تحقيق الأهداف الإجتماعية والديمقراطية والإقتصادية وتحقيق العدالة الإجتماعية والدفاع عن الجماهير المسحوقة، وبهذا تكون قد أكدت على هويتها الطبقية في الدفاع عن العمال والشغيلة والطلاب والمرأة والمثقفين الثوريين..إلخ.
إن أية صيغة تنظيمية تحتاج لدراسة متأنية وتفحص جدي حتى لا تصاب محاولات توحيد فعل اليسار بالإخفاق والإنتكاس، ويمكن في رأيي إذا ما ترفعنا عن الذاتية، وابتعدنا عن الفئوية، أن تتشكل في البداية أمانة عامة من القوى الرئيسة بشكل مؤقت، واختيار منسق للأمانة العامة بشكل دوري تتحدد مهماتها الأولية في تنشيط قوى اليسار وتوحيد مواقفه على المسار السياسي والمجتمعي والديمقراطي إن أمكن ذلك، ووضع ضوابط للإختلاف في بعض القضايا مع الحفاظ على استقلالية التنظيم بشكل مؤقت، وإعطاء فترة زمنية محددة لكل تنظيم أن يعمل على ترتيب وضعه التنظيمي من أجل مرحلة لاحقة تشكل جبهة اليسار الماركسي الموحد.
وفي نفس الوقت العمل على استقطاب القوى الأخرى التي تتوافق مع هذا التوجه وتسهيل انضمامها دون معيقات وتوسيع دائرة جبهة اليسار الماركسي الموحد، وستبين الحياة والتجربة أي من هذه القوى جاد في تشكيل جبهة اليسار الفلسطيني، ومدى قدرتها على الإلتحام بالجماهير بالدفاع عن مشروعها الوطني التحرري، وتبنيها لقضايا الجماهير المسحوقة صاحبة المصلحة الحقيقية في الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، على طريق الانخراط في جبهة اليسار العالمي.
طلعت الصفدى غزة – فلسطين
talat_alsafadi@hotmail.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1920&I=52