إسحاق إبراهيم
المؤيدون: غياب المعلومات يزيد الشائعات.. وحياتهم الخاصة تؤثر على دورهم في المجتمع.
الرافضون: ما يهم الجمهور هو العمل وليست الجوانب الشخصية.. ويجب تفعيل ميثاق الشرف الصحفي.
تحقيق: إسحق إبراهيم – خاص الأقباط متحدون
فجّر تناول وسائل الإعلام لخبر انفصال د. أيمن نور مؤسس حزب الغد عن زوجته جميلة إسماعيل قضية شائكة في دول المنطقة وخاصة مصر، فما هي حدود التعرض للحياة الخاصة للشخصيات العامة سواء كانوا سياسيين أو فنانين أو غيرهم؟.. هل من حق وسائل الإعلام أن تخوض في الحياة الخاصة للشخصيات العامة؟!
يرى البعض أن الشخصية العامة ملك الناس لأن عمله من أجلهم ومتصل بهم وهي نظرة صحيحة لا أعتراض عليها، ولكن ما يملكه الناس هو دور هذه الشخصية في المجتمع وليس شخصه، وقد كفلت القوانين والتقاليد في جميع الدول المتحضرة أن تظل الحياة الشخصية بعيدة عن الإقتحام والفضول.
ويرد آخرون بأن الحياة الخاصة للسياسيين والشخصيات العامة في مجتمعاتنا سراً عظيماً يصعب اكتشافه، وهو ما يزيد الشائعات بينما تنكشف حياة زعماء الغرب الخاصة أمام الجمهور وتحت أشعة الشمس، ولذلك يجب أن تكون هناك شفافية وصراحة، فمن حق الجمهور أن يتعرف على الجوانب الخاصة للشخصية العامة طالما لا تنتهك خصوصياته بشكل فج.
يعتبر جين سيتون خبير الإعلام أن الإعلام المرئي والمسموع والصحافة المكتوبة تلعب أدواراً متعاكسة ولكنها متكافلة في عملية بناء السمعة الحسنة وتدميرها للشخصيات العامة، حيث يوفر الإعلام المرئي الوجوه الإيجابية للحياة العامة ويصنع الأبطال لحد كبير ويمنحها الإطلالة الإيجابية على الجمهور، بينما الصحافة المكتوبة هي التي تدمر السمعة وتقضي عليها وتكشف زيف الصورة التي قدمها الإعلام المرئي، وهذا لا يقتصر على الصحافة الصفراء، فحتى الصحافة "الرفيعة" ليست بعيدة عنها، والاختلاف بين الاثنتين هو أن الصحافة الجادة تسعى وراء صيد مختلف.
أجرى الدكتور حنفي حيدر أمين المدرس بكلية التربية النوعية بجامعة المنيا بحثاً بعنوان التعرض للحياة الخاصة للشخصيات العامة في حدود المسئوليات القانونية والأخلاقية، اختار فيه ثلاث صحف تمثل الصحف القومية وهي الأهرام والأخبار والجمهورية وثلاث صحف حزبية هي الوفد والأحرار والعربي الناصري وثلاث صحف خاصة هي المصري اليوم والأسبوع والفرسان، حيث تم تطبيق استبيان على عينة تضم 75 صحفياً يمثلون الصحف التسع، وتم تطبيق الاستبيان الثاني على عينة تضم 8 شخصيات عامة يمثلون النخب السياسية والإقتصادية والأكاديمية والرياضية والفنية.
وقال د. أمين: أوضحت نتائج الدراسة محدودية معرفة الصحفيين والنخب بالضوابط القانونية والأخلاقية التي تحكم التعرض للحياة الخاصة للشخصيات العامة، وهو ما يعكس تراجع الحس القانوني والأخلاقي لدى الصحفيين والنخب وعكست النتائج أنه بالرغم من التزام الغالبية العظمى من الصحفيين بالضوابط القانونية والأخلاقية التي تحكم التعرض للحياة الشخصية العامة، إلا أن 8% من إجمالي عدد المبحوثين تعرضوا للمساءلة القانونية، وهو ما يشير إلى اعتماد نسبة كبيرة من الشخصيات العامة علي إقامة الدعاوى القضائية كوسيلة للضغط والتهديد والحد من ملاحقة الصحفيين لحياتهم الخاصة.
أشارت نتائج الدراسة إلى أنه بالرغم من العلاقة الإيجابية التي تربط الصحفيين بمصادرهم من النخب والشخصيات العامة، فإن 31% منهم تعرضت للصحف للنشر عن حياتهم الخاصة، وهو مايشير إلى عدم الفصل بين الحياة الخاصة والعامة للشخصيات البارزة، وأجمع الصحفيون المشاركون في العينة على إلتزام الصحف القومية بالجوانب القانونية والأخلاقية عند التعرض للحياة الخاصة للشخصيات العامة ومحدودية الإلتزام بتلك الضوابط في الصحف الحزبية والخاصة وهو ما يعكس ارتفاع معدلات تقدير المسئولية القانونية والأخلاقية لدى الصحف القومية بينما تسعى الصحف الحزبية والخاصة إلى البحث والتنقيب عن أوجه الخلل والقصور في المجتمع.
وترى فاطمة شعبان -الكاتبة الصحفية- أن وسائل الإعلام تتدخل في كل نسيج الحياة المعاصرة، ولذلك تزداد أهميتها وتزداد الحروب فيما بينها حول السبق الصحفي وقصص الإثارة لجذب أكبر عدد من المشاهدين أو القراء، وهذه المهمة لم تعد حكراً على الصحف الصفراء، فقصص الإثارة تؤثر بصورة كبيرة على معدلات التوزيع ومعدلات المشاهدة، ومن ثم علاقة الصحافة بالقضايا الفضائحية والفساد والحياة الحميمة للمشاهير ليست علاقة جديدة، فهي قائمة منذ وقت طويل، ولو أن هذه العلاقة أصبحت أكثر تأثيراً مع ازدياد دور وسائل الإعلام ودخولها إلى المنازل وإلى كل زاوية من زوايا الحياة الاجتماعية، وبهذا التحول تصبح متطلبات الصحافة ووسائل الإعلام أكبر للفضائح الشخصية للمشاهير الذين يشكلون مادة غنية ومثيرة للمتابع العادي، ووسائل الإعلام تعرف تماماً أن شهية الجمهور دائماً مفتوحة لاستقبال قصص كهذه وفضائح.
وتضيف: لذلك يصبح ما يهم الصحافة في حياة الشخصيات العامة والمشاهير أشياء تثير حرب وسائل الإعلام للوصول إليها ورواية قصتها على الجمهور وهي: قضايا الفساد المالي التي تربط الشخصيات العامة بمصالح شخصية وتظهر حقيقة استثمار الوظيفة العامة للمصالح الشخصية وهو ما يؤثر بشكل حاسم على مكانة الشخصية العامة، وقضايا الفساد السياسي وهي التي تربط الشخصيات العامة بسلوكيات سياسية غير أخلاقية تم اعتمادها من قبل هذه الشخصيات للوصول إلى المنصب السياسي أو للتخلص من خصم سياسي، أي استخدام الوسائل المحظورة في الصراع السياسي وهو أيضاً يدمر الشخصية، إضافة إلى العلاقات الجنسية غير المشروعة خارج إطار الأسرة وهي من أكثر القضايا التي تهتم بها وسائل الإعلام لأنها تعرف أن عطش البشر إلى معرفة حياة الآخرين الحميمة لا ينتهي، وكذلك الحياة العائلية أي العلاقة بين الشخصية العامة والمشاهير وأقرب المقربين لهم، واحدة من القضايا التي تهم الصحافة، على اعتبار أن هذه العلاقات إذا كانت تعاني من اضطراب ما، فإنها تؤثر على حياة الشخصية العامة.
وأكد عادل الضوي الكاتب الصحفي وأمين لجنة الإعلام بحزب التجمع على أن كل مجتمع له ثوابته ومجموعة من القيم والأفكار وقال: يرتبط تناول الحياة الخاصة للشخصيات العامة والمشاهير سواء سياسيين أو فنانين أو غيرهم بالمحيط الثقافي الطبيعي السائد، وكذلك بقضية حرية الرأى والتعبير.. في كل العالم المنفتح توجد تقاليد تحكم العمل الإعلامي تضع كبريات الصحف الأوربية مدونة للمعايير المهنية التي تلتزم بها، ويأتي في مقدمتها عدم الإضرار بحياة الناس واختلاق أخبار كاذبة ومغرضة، هذا الأمر مرفوض في كل الأحوال، كما أن حياة الشخصيات العامة -إلى حد كبير- ليست مشاع في جميع الظروف، فالفيصل هو تحري الدقة وأن لا يتم اختلاق خبر عن الشخصية العامة غير صحيح، لكن إذا وجدت معلومة حقيقية جرى العرف على أنه من حق الجمهور أن يعرفها بما لا يقتحم خصوصياتها، فالموضوع يتحكم فيه مناخ الحرية من عدمه ومدى تاثير هذه الواقعة على المجتمع، لكن يوجد في كثير من الدول نوعاً من الصحافة ترى أن حياة الشخصيات العامة ليست ملكاً لهم، خاصة أن هذه الموضوعات جاذبة للقراء ولها جمهورها، وهذه الصحافة قائة على اختلاق الأخبار الكاذبة والشائعات.
وأستطرد: على سبيل المثال اذا قرر مسئول كبير الحصول على إجازة، فمن حق الجمهور ان يعرف ذلك لكن ليس من حقه معرفة المكان الذي سيقضى فيه الإجازة وكيف يقضيها؟، ومع من؟ وأيضاً من حق الجمهور أن يعرف واقعة طلاق الشخصية العامة لكن ليس من حقهم معرفة الأسباب.
لكن إذا قامت الشخصية العامة بأعمال فساد مستغلة أسماء أبنائها أو زوجاتها، هنا لا بد أن يعرف المجتمع كافة التفاصيل لأن هذه الواقعة تؤثر على المجتمع كله وحقوقه.
وأضاف عادل الضوي حول سبل التعامل مع التجاوزات:
أولاً يجب أن تبادر الصحيفة إلى الاعتذار، وأخذ موقف من المحرر إذا ثبت أنه قدم معلومات خاطئة وغير حقيقية، ثم تأتى مرحلة نقابة الصحفيين حيث يوجد ميثاق للشرف الصحفي يفرض أن تقوم النقابة بتفعيله، ومعاقبة الصحف والصحفيين المتجاوزين، وعندما تصبح الشفافية إحدى قيم المجتمع يمكن ضبط المسألة، ووقتها لو حدث تجاوز من الممكن رد وإعادة الاعتبار للشخصية التي امتهنت حياتها الشخصية.
الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي كان لديه رأي نشرته جريدة المصري اليوم عقب تناول الصحف لقضية انفصال أيمن نور عن زوجته جميلة إسماعيل وقال:
رجال السلطة والسياسة والمال والمشاهير في مصر دائماً ما يتحرجون من الإفصاح عن حالتهم الصحية أو النفسية أو حياتهم الإجتماعية، وهذا عكس ما يحدث في كل دول العالم المتقدم.. فالساسة والمشاهير يعتبرون أنه ليس من حق شعوبهم معرفة هذه الأمور عنهم بينما في الدول المتقدمة يتقدم السياسيون بتقارير عن حالتهم الصحية والإجتماعية والمالية أمام الشعب، لكن عندنا يحاول السياسي أن يقدم نفسه للناس بصورة قد تبدو بعيدة عن الطابع البشري، فهو لا يمرض ولا يطّلق ولا يحب ولا يعشق... هذا الحرص على التكتم يدفع الناس أكثر إلى الاهتمام بمعرفة أدق تفاصيل حياة المشاهير.
http://www.copts-united.com/article.php?A=1922&I=52