بقلم: سامي البحيري
تعجبت كثيرا من مقال الصديق العزيز مجدى خليل هذا الأسبوع تحت عنوان (هل الحكم عنوان الحقيقة؟) وبدلا من إنضمام مجدى للصديق كمال غبريال وينتقد الكنيسة على تدخلها فى الحياة الزوجية للمنتسبين إليها، نجده قد إنتقد أحكام القضاء ليس فقط القضاء المصرى بل هاجم حكم المحكمة الدستورية العليا الأمريكية بإعتماد نتيجة فوز بوش على آل جور فى الإنتخابات الأمريكية وعندما هاجم القضاء المصرى لصالح الكنيسة بدا وكأنه قد تخلى عن الفكر الليبرالى والذى يدعو إلى الدولة المدنية ويرفض تدخل الكنيسة أو المسجد أو الدين بصفة عامة فى السياسة أو القضاء وإستشهد ببعض الأحكام القليلة لبعض القضاة والتى إرتدى فيها بعض القضاة عمامة رجال الدين بدلا من أرتداء روب ووشاح القاضى، ورفض وكلنا رفضنا معه قرار المحكمة التى فرقت بين الدكتور نصر أبو زيد وبين زوجته بينما لا مانع لديه من تدخل البابا شنودة فى الزواج الثانى لمواطن مصرى (تصادف أنه مسيحى).
وأنا فى الحقيقة لا أرى أنه من حق أى فرد فى هذا الكون شيخا كان أو قسيسا قاضيا كان أم رئيسا أن يتدخل فى العلاقة الزوجية أو غير الزوجية بين رجل وأمرأة إلا بطلب أحد الزوجين لإنهاء العلاقة، الله وحده هو سيحاسبنا جميعا حكاما ومحكومين، قضاة ومجرمين، فليس من الحكمة أن نخلق من أنفسنا أو من الآخرين (أيا كانوا) آلهة ونعتبر أن كلامهم منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، وبعدين أقولكم بصراحة، أنا راضى وأبوها راضى وأنت مالك إنت ومالنا ياقاضى، وأنا فى عصر حرية المرأة أستطيع تغيير هذا المثل العامى ليقول:" هى راضية وأنا راضى ومالك إنت ومالنا ياقاضى).
وأقسى ماقاله البابا شنودة عن الزواج الثانى:"إللى عاوز يتجوز يروح يتجوز بعيد عن الكنيسة... بس حيكون فى نظر الكنيسة زانى!!"، ماهذه القسوة؟ إننا بهذا نشجع فعلا على الزنا ويشجع على خروج المسيحى من ملته إلى ملة أخرى تسمح له بالزواج الثانى والثالث والرابع بدون أن تعتبره فى حكم الزانى.
وفى النهاية علينا أن نختار هل نريد حقا دولة مدنية، هل نريد حقا إلغاء المادة الثاتية من الدستور المصرى والتى تنص على أن الدين الإسلامى هو المصدر الرئيسى للتشريع، أم يجب علينا أن نعدلها لتنص على أن كلا من الدين الإسلامى والمسيحى هما المصدران الرئيسيان للتشريع، وإذا إتحدت مصر وإسرائيل يوما ما فلا مانع أن تقول المادة الثانية: الأديان الإسلام والمسيحية واليهودية هى المصادر الرئيسية للتشريع، وما فيش حد أحسن من، وأهو موسى نبى وعيسى نبى ومحمد نبى وكل من ليه نبى يصلى عليه!!
....
أى واحد يقرأ التاريخ يعرف جيدا أن أحد الأسباب المهمة لنهضة أوروبا ومن بعدها أمريكا هو فصل الدين عن السياسة وتقليص سلطة الكنيسة حتى تحولت إلى الطقوس الدينية وتحولت سلطتها إلى سلطة شرفية وإحتفالية وخيرية.
وهل هو مقرر علينا أن نكرر أخطاء الآخرين، وبدلا من أن نبدأ من حيث ما إنتهوا نبدأ من حيث ما بدأوا وربما أقل قليلا، ولماذا نستخدم أحدث ماوصلوا إليه من آى فون وبلاك بيرى وميكروسوفت والفياجرا، و لا نأخذ آخر أفكارهم الممتازة مثل فصل الدين عن السياسة والحرية السياسية والشفافية ومحاربة الرشوة والفساد وحقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل وحسن معاملة الأطفال وذوى الإحتياجات الخاصة.
والحقيقة أنا لا أحب أن أنتقد رمر دينى كبير فى مصر سواء أكان شيخ الأزهر أو البابا شنودة ولكنى أنتقد بشدة التطرف الدينى الذى قد يؤدى إلى الإرهاب وأنتقد بشدة الذين يبثون الكراهية بين مواطنى الوطن الواحد بإسم الدين، وأنتقد بشدة الذين يفلقون أدمغتنا كل يوم بالحديث عن المواطنة بينما هم يعملون بكل جهد على التفرقة بين أبناء الوطن الواحد لصالح التدين المظهرى.
وأنا مثلا لا أفهم لماذا طلبت الكنيسة المصرية من المصريين التصويت لصالح الرئيس حسنى مبارك ولماذا لم تطلب منهم التصويت لأيمن نور مثلا، ولماذا طلبت من المسيحيين المصريين عدم زيارة القدس حتى تتم حل المشكلة الفلسطينية، ولماذا نحرم المواطن المسيحى البسيط من حمل لقب (المقدس) مثل زميله المسلم الذى يحمل لقب (الحاج)، وهل هذا المواطن المصرى البسيط يجب عليه أن يكون أكثر فلسطينية من محمود عباس وصائب عريقات الذين يقابلون الإسرائيليين بصفة دورية، ويتعامل الفلسطينيون والإسرائيليون مع بعض بصفة يومية فى القدس وحيفا ويافا وغيرها من المدن الإسرائيلية، وهل المطلوب من المواطن المسيحى البسيط أن يكون أكثر فلسطينية من الأعضاء الفلسطينين من عرب 1948 فى الكنيست الإسرائيلى، والذين يجتمعون فى القدس بصفة دورية. ومصر لها علاقة دبلوماسية مع إسرائيل ووزير الخارجية المصرى رايح جاى على إسرائيل ورئيس الوزراء الإسرائيلى رايح جاى على شرم الشيخ، فلماذا نطلب من المسيحى البسيط أن يكون أكثر وطنية من الرئيس المصرى؟
...
يجب أن نسأل أنفسنا سؤال واضح وصريح هل نحن حقا ليبراليين ونريد دولة مدنية؟ أم أننا نريد دولة مدنية على مزاجنا أحيانا ودولة دينية أحيانا أخرى.
أعتقد أننا نفضل الرقص على السلم ما بين الدولة المدنية والدولة الدينية، بدليل أن الأخوان المسلمون أكبر دعاة الدولة الدينية قد هاجموا الكنيسة لإعتراضها على حكم القضاء (المدنى)، يعنى بس فهمونا؟ عاوزين:" الإسلام هو الحل" أم "القضاء المدنى هو الحل".
البابا شنودة فعل ما يمليه عليه ضميره الدينى وما يمليه على كتابه المقدس الإنجيل والذى يقول بالحرف الواحد:"وأقول لكم: أن من طلق إمرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزنى، والذى يتزوج بمطلقة يزنى"، وبناء عليه لماذا لا يتم عمل قانون للأحوال الشخصية للمسيحين مثل قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، والأحسن والأحسن لماذا لا يتم عمل قانون مدنى لكل المصريين، ونحتفظ بالكتب المقدسة فى المسجد والكنيسة وفى قلوبنا.
"الدولة المدنية هى الحل".
samybehiri@aol.com
نقلا عن ايلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=19394&I=479