ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
هناك الكثير من المؤرخين في مصر والعالم نساهم التاريخ، وأهملتهم صفحات الكتب علي الرغم مما سطروه وما بذلوه من جهد للاحتفاظ بذاكرة الوطن، من بين هؤلاء جميعًا المؤرخ القبطي. "ساويرس بن المقفع"، الذي يعد من أعظم الشخصيات التي أنجبتها الكنيسة القبطية في القرن العاشر الميلادي.
كان يتميز "ساويرس بن المقفع" بمجادلاته مع أئمة المسلمين في عصره، حيث كان "المعز لدين الله الفاطمي"؛ مؤسس الدولة الفاطمية -وهو كان رجلاً محبًا لأهل العلم- يدعو "بن المقفع" للمناظرة مع أئمة المسلمين واليهود في حضرته، وبسبب توقد ذكاء "بن المقفع" وعلمه، كانت له علاقات طيبة مع كبار علماء المسلمين، وكان يمزج جلساته معهم بالمرح، ويعتبر "بن المقفع" بلا منازع، أكبر عالِم دين ولاهوت في القرن العاشر الميلادي كله.
بن المقفع أول من كتب باللغة العربية
وُلد "ساويرس بن المقفع" حوالي سنة 915م، من والد لُقب بـ "المقفع"؛ أي المنكس الرأس، أو مَنْ كانت يده متشنجة، فعُرف "ساويرس" باسم "ابن المقفع"، وتربى أفضل تربية، وجمع بين العلوم الدينية والدنيوية، كما يتضح ذلك من حياته ومؤلفاته, واهتم بالفلسفة اليونانية والعربية، كما درس علم الكلام، فلا نجد مؤلفًا من مؤلفاته إلا وفيه رد فلسفي دقيق.
تدرج في الوظائف في عهد الدولة "الإخشيدية"، حتيى أصبح كاتبًا ماهرًا، وكانت رتبة الكاتب وقتئذ رتبة مهمة في الدولة، حتى أن الوظائف التي قام بها الوزير فيما بعد، كان يقوم بها الكاتب في أيام الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، وأصبحت وظيفة الكاتب لها مكانتها في الدولة، ومنها كان يختار كبار موظفي الدولة.
وكان من شروطها أن يكون الكاتب متضلعًا في اللغة العربية، وملمًا بعلومها وآدابها وأسرارها، مطالبًا بأن يكون ملمًا بمعلومات عامة في شتي ميادين المعرفة.
معجزة نقل جبل المقطم
بعد أن وصل "ساويرس بن المقفع" إلى أعلى المناصب، تخلى عن وظيفته ليترهب في أحد الأديرة، واستفاد من فترة ترهبه، فقرأ مؤلفات معظم الآباء اليونانيين الكبار من لاهوت وتاريخ وطقس وروحانيات.
ذاع صيته بين المسيحيين فاختاره أراخنة الشعب وبارك الأب البطريرك هذا الاختيار ليكون أسقفًا على مدينة "الأشمونين"، وفي عهده تمت معجزة نقل الجبل المقطم.
ومن الملامح الشخصية للأنبا "ساويرس بن المقفع" أنه كان ملمًا بالكتاب المقدس متعمقا في فهمه، مما أكسبه مهارة في كثير من الدراسات والمناظرات التي كان يحضرها.
كان علي وعي كبير بجوانب الحياة المسيحية، مما مكنه من التعرض لعقائد الكنيسة وطقوسها، موضحًا الأصول الإيمانية لها في نحو عشرين كتابًا -كما ذكر الأنبا "ميخائيل" أسقف تينس- وتعكس هذه المؤلفات العديدة سعة معارفه وتنوعها في مختلف علوم الكنيسة، مما أدى إلى انتشار كتاباته وذيوع صيته خارج مصر، وإجادته للغة العربية والقبطية واليونانية ساعدته على غزارة علمه.
ساويرس بن المقفع أب التاريخ الكنسي
يعتبرالأنبا "ساويرس بن المقفع" أب التاريخ الكنسي، إذ وقف جزءًا كبيرًا من حياته على جمع شتات تاريخ بطاركة الكرسي المرقسي من مختلف الأديرة، وخرج هذا في كتاب تاريخ البطاركة من "مرقس الرسول" حتي البابا "شنودة الخامس والخمسين" في عداد البطاركة، وترجم هذا المؤلف إلي لغات عديدة منها اللاتينية والإنجليزية والفرنسية، كما نشرت بعض أجزائه باللغة العربية نظرًا لما له من أهمية، إذ يعتبر من أهم المصادر سواء لتاريخ الكنيسة أو لتاريخنا القومي.
وضع الأنبا "ساويرس بن المقفع" أكثر من عشرين كتابًا، طُبع وتُرجم معظمها إلى لغات كثيرة، وتناول معظمها موضوعات لاهوتية وفلسفية، ومن هذه المؤلفات "مصباح العقل"، و"إيضاح الاتحاد"، و"الدرالثمين في إيضاح الدين"، و"تفسير الإنجيل"، و"البيان المختصر في الإيمان".
ومن أبرز ما ألفه الأنبا "ساويرس بن المقفع" كتاب "تاريخ بطاركة كنيسة الإسكندرية"، والذي يتحدث فيه عن أخبارالطبقة العليا من رجال الدين المسيحي، وعلى الرغم من هذا.. فإنه يحتوي علي الكثير من أخبار الحياة العامة في مصر, وهي أخبار بالغة الأهمية، إذ تكشف الكثير عن حقائق العصر الذي تتعلق به.
من المخطوطات التاريخية النادرة
قدم الباحث الاستاذ "عبد العزيز جمال الدين" للمكتبة العربية عملاً ضخمًا في ستة أجزاء، وهو التحقيق العلمي لواحدة من أهم المخطوطات التاريخية النادرة التي تقدم تاريخ مصر بعين مؤرخ مصري قبطي هو: "ساويرس بن المقفع"، وهذا الكتاب من الكتب التي قلما ذكرها أحد، ويرجع السبب في ذلك إلى أن البعض ظن أن هذا الكتاب يؤرخ للبطاركة ولا يهتم بتاريخ مصر، بينما الحقيقة تؤكد بأن هذا الكتاب يغطي مرحلة هامة من مراحل التاريخ المصري امتدت علي مدى عشرين قرنًا من الزمان، وأن "ساويرس بن المقفع" قد استقى مادة الكتاب والمعلومات والأخبارالتي وردت فيه مما وجده في الأديرة المختلفة، ومما وجده بين أيدي أبناء الأقباط.
http://www.copts-united.com/article.php?A=19489&I=482