جوزيف فكري
كتب: جوزيف فكري– خاص الأقباط متحدون
ماذا حدث لحي "جاردن سيتي"؟ الحي العريق، حي الأصالة والتاريخ والحضارة والقيم الجميلة.. أين معالمه وقصوره وسراياته وثروته النباتية وتراثه المعماري؟؟
لقد تغير هذا الحي في الشكل والمجتمع مع كثرة الانفتاح وازدحامه بشركات ليس لها علاقة به، بجانب كثرة البنوك والعمارات واختناق المرور داخل هذا الحي العريق الجميل النادر.
وبدل رائحة العطر والزرع والورد والفل والياسمين ورائحة القصور والعراقة، نجد الآن رائحة القمامة ورائحة الأسمنت من كثرة بناء العمارات!!، وتحولت الأشجار والورود والزرع إلى جماد وصخر، ولم نعد نستمتع بجو هذا الحي العريق الذي ضم بين سكانه نخبة كبيرة من الكُتاب والأدباء؛ مثل "توفيق الحكيم"، و"محمد التابعي"، و"وفية خيري"، والزعماء السياسيين مثل "النحاس باشا"، والفنانات مثل "ليلى مراد"، و"نادية لطفي"، والسينمائيين مثل المخرج. "محمد كريم"، بجانب نخبة من الأطباء والدبلوماسيين ورجال الإعلام ورجال البنوك ورجال السياسة.
"وأصبحت مدينة الحدائق "جاردن سيتي" مهددة بالانهيار والانقراض"
هذا الموضوع ناقشته جمعية خريجات الجامعة في ندوة أُقيمت بنادي الجزيرة، وكان ضيوفها الفنانة. "صفية العمري"، والكاتبة والمؤلفة "وفيه خيري"، والناقد والأديب "فؤاد قنديل"، والناقدة والمخرجة السينمائية "فريال كامل".
وحضرت الندوة "عزيزة الحمامصي" رئيسة الجمعية، والدكتورة. "عبلة سلطان" أستاذة التاريخ بجامعة 6 أكتوبر، والتي أدارات الندوة، وغابت عن الحضور الفنانة. "نادية لطفي" لظروف طارئة خارجة عن إرادتها، وتفاعل مع الموضوع رواد نادي الجزيرة من سيدات ورجال وشباب النادي من حي "جاردن سيتي" ومن خارج الحي، ودارت العديد من المناقشات والحوارات من أجل الوصول إلى كيفية الإبقاء على الجمال في هذا الحي العريق، وكيفية المحافظة على الأصالة والعراقة فيه.
وعلى هامش هذه الندوة تم عرض صور عن معالم "جاردن سيتي"، وعرض الفيلم التسجيلي "جيران"، من إخراج "تهاني راشد".
وفي نهاية الندوة تم تكريم وإهداء شهادات تقديرية لكل من الفنانة "صفية العمري"، والمؤلفة "وفية خيري"، والأديب "فؤاد قنديل"، والمخرجة والناقدة "فريال كامل"، وكذلك تم تكريم الفنانة "نادية لطفي" بمنحها أيضًا شهادة تقديرية.
• في البداية ألقت "عزيزة الحمامصي" رئيسة جمعية خريجات الجامعة كلمة قالت فيها:
نناقش في ندوتنا المباركة اليوم حي "جاردن سيتي" بين التاريخ والفن والأدب، كيف فعل هذا الفيض العميق تاريخ مصر الثقافي والسياسي والاجتماعي، ثم الفني والأدبي؟؟
بين الحاضر من مذاقه من فناني مصر، في مقدمتهم الفنانة "صفية العمري" التي أسعدتنا ببطولتها لمسلسل "هوانم جاردن سيتي" وغيره، وتعتذر الفنانة القديرة "نادية لطفي" –لظروف طارئة–، والتي عاشت حياتها الفنية وهي تدخل هذا الحي الراقي، تحية لهما من جمعية خريجات الجامعة.
المؤلفة "وفية خيري" ألفت رواية بعنوان: "مدينة الحدائق"، قامت من خلالها بتصوير دقيق لحياة أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة العادية، والتي كانت قبل الثورة وبعدها تحرك شؤون مصر، هذه الأسرة حافظت على تقاليد دينها كما حافظت على تقاليد مجتمعها، والتي أخذت من حضارة الغرب أحسن ما فيها علمًا وثقافة.
كذلك نرى هذا الحي العريق "جاردن سيتي" من خلال الفيلم التسجيلى "جيران"، للمخرجة "تهاني راشد"، فتحية إلى كل مَنْ قدم جهده لرفعة جمعية خريجات الجامعة.
خمسون عامًا نتردد على اتحاد الجمعيات في "جاردن سيتي"، ذلك الحي الذي قضينا فيه أحلى سنوات عُمرنا، والذي تحمل له نفوسنا أحلى الذكريات، تحية وفاء للرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، الذي أهدانا هذا المقر في "جاردن سيتي"، ولكل من رئيستي الجمعية السابقتين "أسماء فهمي" والدكتورة. "سميرة القلماوي"، وكل الشكر والتقدير لرئيس مجلس إدارة نادي الجزيرة والعاملين فيه على ما قدمه من تيسيرات أسعدتنا جميعًا، ولكل مَنْ قدم مساعدة في تنفيذ هذه الندوة من أعضاء جمعية خريجات الجامعة.
• وتحدثت د. "عبلة سلطان" أستاذ التاريخ بجامعة 6 أكتوبر قائلة:
تاريخ حي "جاردن سيتي" معروف لكل الناس، ويعود للعصور الوسطى، فكانت "جاردن سيتي" جزءًا من أرض "بستان الخشاب"، والذي كان يقع بين القاهرة ومصر القديمة، كلنا نتذكر السلطان "محمد بن قلاوون"، الذي له إنجازات عمرانية جميلة جدًا.
ففي شارع "ابن المعز" له مجموعة رائعة من العمائر، عندما تنظر اليها تحس أننا في أحسن مكان، أنشأ ميدانًا في هذا المكان وأحاطة بالبساتين والأشجار، وجعل فيه متنزهات، والجزء المطل على النيل هو منطقة "بستان الخشاب"، وكان يتميز بالجو الأحسن، والشجر والزهور التي تعطي راحة نفسية أكثر له، فكان يتردد على هذا المكان كل يوم سبت في فصل الصيف لمدة شهرين، ويتلذذ في هذا المكان لجماله لأنه يطل على النيل، وكان يتخلل هذه الفترة أيام شديدة الحرارة وأيام وفاء النيل.
• وبعد أن تحدثت د. "عبلة سلطان" عن حي "جاردن سيتي" في نبذة تاريخية مختصرة، انتقل الحديث إلى الفنانة المتألقة دائمًا "صفية العمري"، سفيرة النوايات الحسنة وقالت:
عندما دُعيت لحضوره ندوة حي "جاردن سيتي" بين التاريخ والفن والأدب، سعدت جدًا لتذكري الأصالة والتاريخ الجميل والحضارة وكل الأشياء التي كانت فيها قيم جميلة جدًا، والتي لم أعد أراها الآن.
أنا سعيدة بوجودي اليوم معكم، وأحب دائمًا "جاردن سيتي" برائحته الطيبة، والتي فيها عطر ورائحة الورود والفل والياسمين، ورائحة القصور والعراقة الحلوة التي نفتقدها الآن.
أتمنى أن تعود "جاردن سيتي" إلى ما كانت عليه في الماضي، أين قصور "جاردن سيتي"؟ أين الزرع والورد؟ أين مصر من الأماكن الحلوة؟؟
الآن نجد الزحام في شوارع "جاردن سيتي"، حزينة جدًا، كيف نحافظ عليها وتعود إلى جمالها وتعود مصر مرة أخرى للورد والزرع والشجر الذي كان يملأ شوارع مصر؟؟ سوف أسعى لإصلاح هذا من خلال عملي مع البيئة، منزلي مُحاط من الخارج والداخل بأشجار وزرع منذ عشرون سنة، ومنذ أن سكنت زرعت الورد على واجهة العمارة، وشجعت جيراني على ذلك إلى أن وصلت زراعة الورد الأحمر والأصفر لآخر دور في العمارة.
فأنا عاشقة للخضرة، والزرع هو الحياة والروح، فلماذا لم نهتم بذلك؟ أنا لست من سكان "جاردن سيتي"، لكنني عاشقة لها، فياليت نعمل أل شيئ لجاردن سيتي، وأنا أولى المُبادِرات لأي شيئ من أجل عودة الحياة والروح والجمال لهذا الحي.
وتحدثت الفنانة "صفية العمري" عن ظروف اختيارها لدور "شهرت" في مسلسل "هوانم جاردن سيتي" قائلة:
لما جاء لي سيناريو مسلسل "هوانم جاردن سيتي"، كنت أمر بظروف نفسية صعبة جدًا؛ لأن والدتي كانت قد توفيت، وكنت رافضة أن أكرر شخصية "الهانم"، لأني أديتها على مدار 5 أجزاء في 5 رمضانات من خلال مسلسل "ليالي الحلمية"، وكنت أريد أن آخذ فترة راحة وأعمل شخصيات أخرى مختلفة، لكن استطاعت المؤلفة "منى نور الدين" –وهي من سكان حي جاردن سيتي–، ومعها المخرج "أحمد صقر" اقناعي بدور "شهرت" في مسلسل "هوانم جاردن سيتي".
وبالفعل.. لما قرأت السيناريو، وجدت أنها هانم مختلفة عن "نازك السلحدار" في "ليالي الحلمية"، فـ "شهرت" شخصية بنت قصور وعائلات يجب أن تتزوج من داخل الأسرة؛ أي زواج صالونات، وأحسست بأنني يمكن أن أقدم شخصية "شهرت" في هوانم جاردن سيتي، هذا المجتمع العريق ومجتمع الباشوات لهم تقاليد وأصول وجذور وفكر، فهذا العالم كان يعيش في جو رائع جدًا من الشياكة والإتيكيت والذوق واحترام الذات والنفس، ووافقت على تجسيد شخصية "شهرت"، وخرجت من حالة الحزن التي كنت فيها.
وتحدث الناقد والأديب "فؤاد قنديل" عن "جاردن سيتي" قائلاً:
من الطبيعي أن نستشعر الجمال ونحن نتحدث عن حي من أجمل أحياء القاهرة، وهو حي "جاردن سيتي"، فهو من الأحياء النادرة التي حافظت إلى حد كبير على بهاءها برغم ما أشير عن هذا الحي الآن، وهو أقل القليل عندما نزور أحياء أخرى من الأحياء المرموقة، فنجد ما هو أفضح بمراحل.
لكن يظل حي "جاردن سيتي" بالفعل كما تحدثت عنه د. "عبلة سلطان"، وكما تحدثت عنه الفنانة القديرة الجميلة وردة السينما والتليفزيون "صفية العمري"، وكما كتبت عنه الكاتبة القديرة "وفيه خيري" في روايتها "مدينة الحدائق"، فهي كاتبة مثقفة ومرهفة وكاتبة سيناريو أيضًا، قدمت أعمالاً جيدة لفتت الأنظار وأسهمت في إضاءة الكثير من ألوان المشاعر الإنسانية.
عندما تنتعش الروح بالفن والجمال والأدب والورد والأشجار الجميلة في "جاردن سيتي" وغيرها، نشعر بالبهجة وبالرضا عن الحياة وعن الكون، ولكن عندما نواجه القمامة والعمارات الأسمنتية الضخمة والحديدية، نشعر بأن المنظر قميء، وبأن هناك من يحاصرنا ويضغط على قلوبنا، ومن هنا يأتي دور الفن والأدب، وحاجتنا إلي الفن والأدب في هذه الأيام تزداد اكثر من ذي قبل، عندما كانت الحياة قبل ذلك بسيطة هنية، هناك أخلاقيات واحترام للآخر وللجار واحترام الصغير للكبير.. الخ.
كانت الحياة ناعمة وراقية ونبيلة وعذبة، كل شيىء يدعو إلى الحب والاحترام، ولكن الآن بعد أن أُتيحت الفرصة لكل ما هو صخري وجمادي ومادي، كل هذا أكل من الحياة ولم يترك لنا إلا مساحات قليلة لكي نستمتع بالحياة، ولذلك علينا أن ننتقل إلي الأدب والفن لكي ينقذونا من هذه الماديات.
إنني أجلس اليوم مع نماذج رفيعة من السيدات اللاتي أسهمن -إن لم يكن قد أسهمن بأنفسهن- في تطوير المجتمع، فلابد أنهن أسهمن كثيرًا في تقديم أبناء للمجتمع يمثلون القدوة الرفيعة من المخلصين والشرفاء والنبلاء؛ الأم أو الزوجة أو المرأة، حتى وهي تعاني من شقاء الحياة، ومن قلة الدخل، استطاعت في كثير من مراحل التاريخ أن تقدم لنا أعلى المتعلمين والمثقفين والمجاهدين والثوار والنبلاء والشرفاء، والذين مثلوا مصر تمثيلاً رائعًا في كافة المجالات.
حصر هذه الأسماء صعب، لكن المرأة المصرية بالذات رغم عناءها وشقاءها، ورغم جهدها الكبير الذي تبذله، خاصة الموظفات منهن، لكنهن يخدمن مصر ولا يخدمن أنفسهن فقط، ولا أسرهن فقط.
وتحدثت الناقدة والمخرجة السينمائية "فريال كامل" عن حي "جاردن سيتي" فقالت:
من محاسن الصدف أن يصدر عن هذا الحي العريق الجميل، حي الأشجار والقصور والأصول والأصالة، عملين فنيين في وقت واحد، رواية الكاتبة والمؤلفة "وفية خيري" "مدينة الحدائق"، وفيلم بعنوان "جيران"، للمخرجة المصرية القديرة "تهاني راشد".
إن فن السينما هو فن الإيجاز والتكثيف والاختصار، ولا أخفي عنكم أن "تهاني راشد" في أحاديثها قالت أنها صورت 58 ساعة مصورة، ومع ذلك مع المونتاج والإيجاز كثفت هذه المادة التي قدمتها في 105 دقيقة.
فيلم "جيران" للمخرجة القديرة "تهاني راشد"، هو يمثل رؤية ووجهة نظر وليس مجرد ناس تتكلم، بإيجاز شديد.. فيلم "جيران" يعرض ثلاث شرائح من السكان المقيمين في "جاردن سيتي".
الشريحة الأولى شريحة أولاد الباشوات وأحفادهم، ولأول مرة بعد 60 سنة، هذا الفيلم يتيح لنا أن نسمع ونشاهد أحفاد أو باشوات وأحفاد الإقطاعيين التي لحق بهم الضرر من جراء القوانين التي صدرت بعد الثورة، ونحس بالمعاناة التي عانوها في ذلك الوقت من جراء تطبيق هذه القوانين.
والشريحة الثانية هي شريحة المثقفين، ومن ضمن الشخصيات أو النجوم التي ظهرت في الفيلم، "وفية خيري"، حيث أنها أديبة ومقيمة في هذا الحي، والدكتور. "علاء الأسواني" مؤلف رواية "عمارة يعقوبيان"، الذي أحدث طفرة كبيرة جدًا.
والشريحة الثالثة هي شريحة المعاونين، مثل سياس الجراجات وحراس العقارات، فأتاحت لهم المخرجة "تهاني راشد" مجالاً أو مساحة في الفيلم.
أنا مقدرة الفيلم جدًا؛ لأنه فيلم جيد الصنع، ومخرجته قديرة ذات خبرة طويلة في عمل السينما التسجيلية، لكن كنت أتمنى أن يشير الفيلم إلى بعض الشخصيات السياسية والإعلامية والأدباء الذين عاشوا على أرض هذا الحي العريق، مثل "توفيق الحكيم"، والزعيم "النحاس باشا"، والمخرج "محمد كريم"، والفنانة المحبوبة "ليلي مراد"، و"محمد التابعي"، وآخرين..
الحقيقة أن شخصيات هذه المنطقة الجميلة العامرة بالأشجار والقصور والسرايات، كانت مقرًا وسكنًا لكثير من الفنانين والأدباء، كنت أتمنى أيضًا أن يعرض الفيلم لشريحة رابعة هي شريحة ذوي المهن الراقية، الذين دخلوا حي "جاردن سيتي" مبكرًا، حتى في الأربعينات والخمسينات قبل الثورة، الأطباء والدبلوماسيين والفنانين ورجال الإعلام ورجال البنوك، كل هؤلاء الآن يمثلون دعامة المجتمع، لابد من ضرورة الحفاظ على التراث المعماري والثروة النباتية الموجودة في حي "جاردن سيتي" العريق.
لقد أصبح حي "جاردن سيتي" مزدحمًا جدًا بشركات ليس لها علاقة بـ "جاردن سيتي"؛ مثل شركات توظيف العمالة، أنا أريد أن أفهم كيف أن هذا الحي الجميل تُزرع فيه هذه المكاتب، ونرى هذا التغيير في الشكل والمجتمع الذي أصاب هذا الحي الجميل.
كما أشار لهذا الدكتور. "علاء الأسواني"، فمع كثرة الانفتاح، دخلت البنوك والشركات، وأصبح المرور في هذه الشوارع نوعًا من المستحيلات.
شيىء أخر قالته لي الكاتبة "وفية خيري" وظهر في الفيلم، ألا وهي موائد الإفطار لأهالينا وإخواننا المحتاجين في شهر رمضان، والتي تتواجد في شهر رمضان في ميدان رئيسي في "جاردن سيتي"، وتعطل المرور والمسيرة في هذا الحي، مع أن ممكن جدًا أن هذا العمل الخيري ينتقل إلي مكان آخر فيه فسحة من الحركة، بعيدًا عن هذا الحي.
يجب أن نبحث عن كيف نبقي على الجمال في هذا الحي العريق، وكيف نحافظ على الأصالة والعراقة فيه.
http://www.copts-united.com/article.php?A=19502&I=482