د. يحيى الوكيل
•المسؤولون لا يهتمون بأبسط حقوق الشعب
•هل الهاجس الأمني أهم من حياة الناس؟
•الاعتراض على الظلم أبسط مبادئ الكرامة؛ قلتها سابقًا وسأقولها دائمًا
بقلم: يحيى الوكيل
تعرضت القاهرة وبقية أنحاء مصر لموجة حارة –بل شديدة الحرارة– الثلاثة أيام الماضية، حتى استوجبت أن يطلب رئيس هيئة الأرصاد الجوية من المواطنين أن يبقوا في بيوتهم على الأقل بين الساعة الواحدة ظهرًا والرابعة عصرًا، حتى لا تؤذيهم الحرارة المرتفعة.
طبعًا كان من الصعب على الجميع العمل بنصيحة البقاء في المنزل، فالناس مرتبطة بأعمالها وامتحانات الثانوية العامة قائمة على قدم وساق؛ فماذا قدمت الحكومة للمواطنين لتسهيل الأمر عليهم؟
المنطق البسيط يقول بأن الحكومة كان لزامًا عليها أن تحرص على سيولة وانسياب المرور؛ لأنه كلما زادت نسبة السيارات في الشوارع، كلما ازداد ارتفاع درجة الحرارة نتيجة لسخونة المحركات والعوادم وانعكاس أشعة الشمس من على الأسطح المعدنية الساخنة للسيارات.
المنطق البسيط يقول بأن وزارة الداخلية كان عليها أن تدفع برجالها للشارع للعمل على مساعدة السيارات المتعطلة –وما كان أكثرها بتأثير الحرارة العالية– أو فض الاختناقات المرورية، خاصة بعد كارثة حريق سوق الجمعة وكوبري التونسي، ولكنها لم تفعل، ليس خوفًا على رجالها من التعرض لأشعة الشمس الحارقة -لا سمح الله- ولكن لأنهم كانوا في مهمة أخرى استلزمت منهم أن يكتووا بلظى الشمس الملتهبة، ولكن خدمة لأولي الأمر وليس لخدمة الشعب كما يدعي شعار الشرطة.
في آحر ساعات نهار الأربعاء، وفي نفس وقت خروج الموظفين من أعمالهم -أي وقت الذروة المرورية- توقف شارع صلاح سالم تمامًا لأجل تشريفة امتدت باتجاه ميدان العباسية، خالقة اختناقًا مروريًا امتد لفترة طويلة، والناس محشورة في سياراتها أو في وسائل النقل العام يعانون من شدة الحرارة.
رجال الداخلية الذين كان واجبهم أن يسهلوا السير للشعب كانوا هناك، ولكنهم كانوا متواجدين لتسهيل مرور التشريفة؛ و"طظ في الشعب".
في الحقيقة أنا لا أحمّل كل رجال الداخلية خطأ ما حدث، فما ذنب المجندين الذين يُجبرون على الوقوف بالساعات الطويلة في تشرييفة لا لزوم لها؟
لقد انتهى الوقت الذي كانت تتدافع فيه جموع الجماهير عطشى لرؤية بطلها، وربما نالهم نصيب من مصافحته، أو حتى مجرد إلقاء السلام بحب عليه.
الآن صار الناس يتأففون علانية من مرور مواكب كبار المسؤولين بالشارع؛ لما فيه من تعطيل لمصالحهم وإرهاق لهم، وخسارة في الوقت والوقود المُهدر بلا طائل، والحكومة كلها –وليس فقط وزارة الداخلية- على علم بهذا.
أكاد أجزم ويجزم كل العقلاء؛ أن لا أحد من صناع القرار في مصر يملك عقلاً يفكر به، أو منطقًا يزن به الأمور، وفي كل الأحوال لا يهم أبدًا "مصلحة الشعب".
ما الضرر في تأجيل تلك التشريفة إلى يوم أخر، أو موعد أكثر مناسبة من ساعة الذروة المرورية في يوم شديد الحررة؟ كيف لم يتأتى لأحد أن يفكر في كل هؤلاء الناس، وما سيحيق بهم جراء هذه التشريفة في ذاك التوقيت؟
الموكب طبعًا لم يتأثر بأي شيئ، فالسيارات مكيفة ومدرعة، ولا شيئ أخر يهم.
"قولوا لعين الشمس ما تحماش"، كان طلب حبيبة لأجل حبيبها، فهل تتفضل علينا حكومتنا بإثبات حبها للشعب الذي قبل بحكمها له، فتيسر عليه الأمر في شهور الحر؟
إن لم تفعل الحكومة، وأظنها لن تفعل، فما هي آليات الاعتراض على ما يحيق بنا من مهانة و ظلم؟
لا أقبل أبدًا أن تكون لهذه المواكب قداسة أو حتى حصانة، وانظروا كيف يتعامل العالم المتقدم مع مثل هذه المواكب، وكنت شاهد عيان على مثل ذلك.
أسجل اعتراضي على تقليل الحكومة من شأني وشأن كل فرد على أرض هذا الوطن، ليس من زمرة الحكام، وسأظل أعترض حتى أجد من يسمعني؛ فالإعتراض على الظلم أبسط مبادئ الكرامة؛ قلتها سابقًا وسأقولها دائمًا.
http://www.copts-united.com/article.php?A=19545&I=483