الأقباط بين متغيرات السياسة وثوابت الدين

منير بشاي

بقلم: منير بشاى
أكون واهما إن ظننت أن قبطيا يمكن أن ينتخب رئيسا لمصر سواء فى الوقت الحاضر أو المستقبل القريب. فالنظام الذى لا يقبل أن يتولى قبطى رئاسة جامعة أو أن يكون له مكانا فى قوائم ترشيحات الحزب الحاكم للمجالس النيابية لن يسمح بهذا. كما أن المجتمع الذى طغى عليه التعصب الدينى لن ينتخب المرشح القبطى مهما كانت كفاءته.
ولكن لأننا نعلم أن القبطى ليس له فرصة فى النجاح فى إنتخابات الرئاسة ليس معناه أن نقبل أن يحرم بأمر القانون من حق الترشيح للمنصب حتى وإن كانت النتيجة هى الفشل المؤكد. فالنجاح والفشل يخضعان للعملية الديمقراطية ورأى الناخبين وعلى الجميع أن يحترموا هذا. أما حرمان طائفة بالذات من مجرد الترشيح فهو إنتقاص من وطنيتهم. وإذا أضفت سببا آخر لهذا وهو إعتبارهم أنهم غير مؤهلين لشغل المنصب لأنهم كفار فهى إهانة لا يقبلها إنسان. وهكذا ظهرت علينا تصريحات د. سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر والتى أختيرت مؤخرا لتكون المقرر المساعد للشئون الدينية فى حزب الوفد.

فى حوار مع جابر القرموطى فى برنامج "مانشيت" على أون تى فى تناولت الدكتورة سعاد صالح بالرأى عدة قضايا منها حقوق المرأة والحجاب والنقاب وغيرها من الموضوعات. ولكن الذى يهمنى هنا رأيها الذى أعلنته فى إمكانية تولى المسيحى لرئاسة الدولة فى مصر. وكان رأيها واضحا لا يقبل اللبس أن هذا لا يجوز طبقا لنص القرآن  "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" (سورة النساء ٤:١٤١) وأضافت شارحة للآية القرآنية "لا بد أن تكون الولاية للمسلم على غير المسلم بدلالة أن الله أباح للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة ولكنه لم يبح للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم. والسبب لأن الرجل قوام فى البيت والقوامة هى درجة من الرئاسة لا تكون للأقل دينا".
وعند هذه النقطة جاءت مداخلات الأولى كانت من رجل يبدو أنه مسلم والذى قال أنه يفهم ما تقوله الدكتورة ولكنه يعترض على الحكمة من إثارة هذه الأمور الآن لأن البلد حسب قوله موش ناقصة خلافات، وطالبها بإعادة توضيح موقفها. ولكن فى ردها عادت الدكتورة لتؤكد ما قالته.

وهنا جاءت مداخلة من رجل مسيحى الذى إعترض على أن يطلق عليه وصف كافر. وردا عليه عادت الدكتورة تؤكد موقفها بأن المسيحيين كفار على أساس أن المسيحيين لايعترفون برسالة محمد كما يعترف المسلمون برسالة المسيح.
بعد ذلك جاءت مداخلة من رجل الأعمال نجيب ساويرس وتناول تعليقه نقطتين الأولى: أنه يعترض على وصف المسيحيين بالكفار لأن أى إنسان يؤمن بالله لا يكون كافرا.  والثانية أن المسيحيين يرفضون أى تفرقة بناء على أى تفسير لأننا جميعا مصريين نحمل نفس الباسيور الأخضر، وأضاف أننا كمسيحيين لا نوافق على هذه التفسيرات ولن نقبلها أو نعمل بها.
ويبدو أن كلمات الدكتورة سعاد صالح لم تكن بالحرص الذى كان يتوقعه منها رجال حزب الوفد. ففى مداخلة من صالح سليمان القيادى فى حزب الوفد حاول أن يعالج بعض التخريب الذى قامت به. فقال أعتقد أن الدكتورة تتحدث كأستاذة للفقه وليس بإسم الوفد. وأكد أن الوفد حزب علمانى يطالب بالمواطنة ويسعى للوحدة الوطنية وينادى أن المسيحيين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. وأن جميع الوظائف يجب أن تكون مفتوحة للجميع بدون تفرقة.
ولكنه عاد وذكر نقطة لها دلالتها عندما قال: إن الدكتورة تتدخل فى أمور سياسية تخرج عن تخصصها. وأنه كان يجب أن تعرف أن حديث السياسة غير حديث الدين ووجه لها الكلام قائلا: أنتى تقيسين بمعيار لا يجب يقاس عليه كلامى. أنتى تتحدثين بثوابت الدين بينما أنا أتحدث بمتغيرات السياسة.

وبين خبيرة الفقه وخبير السياسة يبدو أننا بدأنا نضيع فى متاهات التعبيرات اللغوية لكل من الإثنين. السياسة تسمح لجميع المواطنين أن يصلوا إلى أى منصب بينما الدين يحرم عليهم بعض المناصب. السياسة تخضع للمتغيرات والدين يخضع للثوابت!!
حسنا... ولكن فى حالة تعارض متغيرات السياسة بثوابت الدين. من سينتصر: المتغير أم الثابت؟ كلام البشر أم كلام الله؟ الإجابة واضحة....
أتذكر نكتة لرجل صعيدى (حمش) كان يفتخر بين أصحابه بالقول أنه فى البيت صاحب الكلمة الأولى...فرد عليه صاحبه: صحيح ولكن زوجتك لها الكلمة الأخيرة!! بنفس المنطق فليتكلم رجال السياسة بالكلمة الأولى أو الثانية أو الألف مادامت الكلمة الأخيرة هى للدين!!

ولكن الإهانة الكبرى أنهم يعتقدون أنهم يضحكون على ذقوننا عندما يمنوننا بوعود السياسة ثم يطبقون علينا واقع الدين!! يعطوننا بند المواطنة فى المادة الأولى من الدستور ثم يلغوه بالمادة الثانية من الدستور الذى ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع!! فمن المؤكد أن المواطنة مبدأ سياسى يخضع للمتغيرات أما الشريعة الإسلامية فهى مبدأ دينى يخضع للثوابت.
علينا أن نكون صريحيين وواضحين: من الذى يتحكم فى مصائر المسيحيين فى مصرمتغيرات السياسة أم ثوابت الدين؟ هل مصر دولة مدنية ذات مرجعية علمانية أم  دولة دينية ذات مرجعية إسلامية؟
إن كان هناك إصرار على أن تكون مرجعية الحكم فى مصر دينية إسلامية فعلى الأقل يجب أن نكف الكلام عن المساواة. فالمساواة مع الشريعة الإسلامية ليس إلا أكذوبة...وأيضا إهانة لذكائنا.
ويبدو أن ما أخذ على الدكتورة سعادصالح ليس الخطأ فى التعبير ولكنه الخطأ فى التوقيت: ليس أن ما قالته كان خطأ ولكن أن إثارته فى هذا الوقت بالذات كان هو الخطأ. والمشكلة هى أنها تفهم الدين ولكنها لا تجيد مراوغة السياسة.

Mounir.bishay@sbcglobal.net