العربية.نت - كتب:كمال قبيسي
نسفا أسطورة انتحار أشهر ملكات مصر بلدغة ثعبان
هناك كليوباترات كثيرات في التاريخ، وكن عاديات جداً، إلا السابعة، المعروفة كملكة خلابة الجمال ومحاطة بغموض وهالة أسطورية مستندة قبل أي شيء آخر إلى طريقة موتها انتحاراً بلدغة ثعبان، هي ووصيفتين لها، يوم 12 أغسطس (آب) في عام 30 قبل الميلاد.
ومن يثبت أن كليوباترا لم تمت بلدغة ثعبانية سيمحو بعض الهالة الأسطورية المحيطة بها منذ مئات السنين، ويعود بها إلى حجمها الطبيعي كملكة في العالم القديم حكمت مصر 19 سنة ثم انتهت كغيرها، وهو ما سيفعله عالمان ألمانيان ليلة الأربعاء 30-6-2010 بفيلم وثائقي تعرضه إحدى القنوات الألمانية، وفيه سيقدمان دلائل عدة بأن أشهر ملكات مصر قضت انتحاراً فعلاً، ولكن بتجرعها لكوكتيل من السموم تناولته بنفسها، لا من لدغة أفعى.
والفيلم الذي تعرضه محطة ZDF هو ملخص لكثير من التجارب والأبحاث التي كلفت الجهد والتعب، بحسب ما قالت صحيفة "دي فلت" الألمانية أمس، حين تطرقت إلى الشريط الذي يظهر فيه المؤرخ الألماني المختص بكليوباترا، البروفيسور كريستوف شيفر، أستاذ التاريخ القديم بجامعة "تريير" الألمانية، وهو يؤكد أن ما توصل إليه مع زميل له عالم بالأفاعي والعقارب والسموم، يوضح أن وفاة كليوباترا "لم تكن بسبب لدغة ثعبان كما هو سائد، بل من تناولها خليطاً من السموم يحتوي على مادتي الأفيون وشراب الشوكران، تجرعته عن طريق الفم" كما قال.
والشوكران معروف في مناطق بأفريقيا وأوروبا كنبات سام أوراقه شبيهة بوريقات البقدونس، واعتاد اليونانيون القدماء على إعداد شراب شديد الفتك منه لتقديمه للمحكوم عليهم بالموت من المساجين وغيرهم. وهو الشراب الذي تجرعه الفيلسوف سقراط حين حكموا عليه بالإعدام في العام 399 قبل الميلاد، "فقضى في الحال" وفق ما يذكره التاريخ المدون.
لذلك قال العالم شيفر إن مجريات التاريخ التي تثبت أن كليوباترا كانت متنبهة للأمور وذكية وعارفة بالسموم وآلامها، "لم تكن لترهن نفسها لعضة كانت تدرك بأنها ستظل معها تتلوى من الأوجاع لأيام عدة قبل أن تموت" على حد تعبيره.
أما زميله ديتريش ميبس، العالم بالسموم والأفاعي، فذكر أن من الصعب أن تهرب الحية وتختفي عن أعين حراس الملكة التي قضت بعمر 39 سنة "، كما أن الألم الشديد الذي يصاحب عضة الثعبان، وما يترتب عليها من شعور بعدم الارتياح، ليست بالضرورة أن تكون مميتة، إلى جانب أنه لو لدغها ثعبان فستمتد عندها مدة صراعها مع المرض لفترة طويلة، ومن الممكن إنقاذها من الموت المحدق بها" بحسب ما نقلت "دي فلت" عن لسانه.
يؤكد الباحثان أيضاً أن الفيلم سيتضمن دلائل "مادية" من كتابات على ورق البردى، وسواها، تؤكد أن لدغة الثعبان لم تكن إلا خديعة "بهدف أن تكتسب كليوباترا صفة الألوهية، لأن وفاتها من عضة أفعى مقدسة تظهرها في صورة إلهية".
والمعروف أن كليوباترا، التي يعني اسمها "فخر الوطن" بالإغريقية القديمة، ترعرعت في بلاط أبيها أوليتس، ملك مصر المعروف باسم بطليموس الثاني عشر، وأنها تزوجت حين كان عمرها 26 سنة من شقيقها الذي تكبره بأكثر من 8 أعوام، بطليموس الثالث عشر، وبوصية من والدها وعملاً بالتقاليد الفرعونية، لكنها لم تطق منافسته لها على عرش مصر بعد أن شب وأصبح رجلاً، فاغتالته ثم انقضت على بقية إخوتها، إلا واحدة عرفت كيف تهرب منها إلى روما اتقاء لشرها.
والسائد عنها، وكله يحتاج إلى دليل طبعاً، أنها كانت تملك عدداً من الأفاعي المتنوعة تضعها في سلة من دون أن تعرف بالضبط الأثر الذي تتركها لدغة الواحد منها على الملدوغ. ولكي "تفحص" اللدغات المختلفة فإنها جلبت إلى بلاطها سجناء وجربت كل منها في سجين: هذا يتلوى، وذاك يختنق أو يتمزق وآخر تنفجر بواطنه، وكل لدغة تنهي حياة سجين بآلام جسدية رهيبة كانت تلغيها من خطة انتحارها، باستثناء ثعبان واحد كانت تسميه "سربين". حيث لاحظت أن لدغته على أحد "المحظوظين" من السجناء كانت رشيقة، فمعها جاءت نهايته كنعاس قصير تلاه نوم طويل عميق، وبهذا السربين انتحرت.
هذا ما تقوله المدونات التاريخية على أنواعها، ومن يتفحص العبارات سيدرك أنها كانت تهيئ مسبقاً لانتحارها، وهو ما يناقض المعروف عن انتحارها بأنه كان نتاج قرار سريع.. انتحرت فعلاً، ولكن هل بلدغة أفعى مقدسة؟ أم بسم تجرعته على السريع كي لا ترى مجريات الأمور تنتهي بها كما انتهت مع شقيقتها كليوباترا السادسة، حين وقعت أسيرة بعد الهزيمة في معركة "أكتيوم" أمام أوكتافيوس، لذلك قررت كليوباترا السابعة الموت بأسرع طريقة لأنها لم ترد السير في شوارع روما مكبلة بالحديد. والموت السريع قد لا يحصل بعضة أفعى، بل بسم من الأفيون والشوكران، وهو أفتك السموم في ذلك الزمن الفرعوني، وهو ما سيسعى العالمان إلى تأكيده ليلة اليوم.
http://www.copts-united.com/article.php?A=19802&I=490