دراسة : تعليقات على مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين

عماد توماس

• يحتوى مشروع القانون على عبارات وعظية وكلمات مطاطة ومصطلحات تحتاج لتفسير 
• لم يتعرض مشروع القانون إلى الزواج العرفي والخلع والمواريث
• مشروع القانون المقترح ينادى بان حتى تغيير الدين لا يؤدى للطلاق(المادة 143)
• كيف يكون مشروع القانون لـ "غير المسلمين"... والبهائيين غير مشاركين فيه!!
• يجب في حالة اى شك في إثبات النسب أن يتم اللجوء إجباريا إلى تحليل  DNA.

دراسة أعدها :عماد توماس 
" الأحوال الشخصية " اصطلاح ابتدعه الفقه الايطالي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، حين واجهته مشكله تعدد القوانين، وتنازعها في مكان واحد ، فقد كان يقوم في ايطاليا حينذاك نظامان قانونيان، الأول : هو نظام القانون الروماني باعتباره القانون العام أو الشريعة العامة، والتي تطبق علي كل إقليم إيطاليا .والثاني : النظام المحلي الذي لا يتعدي سلطانه حدود إقطاعية من الإقطاعيات أو مدينه من المدن.

وكان من الممكن أن يتمسك شخص بأن يحكم القانون الروماني هذا النزاع الخاص به، بينما يتمسك الطرف الأخر بتطبيق القانون المحلي أو قانون الإقطاعية .

ومع الزمن اختفت ظاهرة وجود قانون عام يمتد علي إقليم الدولة وقانون محلي يقتصر سلطانه فقط علي حدود ولاية من هذه الدولة، وأصبح لكل دوله قانون واحد فقط له صفه العموم ، وأصبح القانون الدولي الخاص بالدولة ينقسم إلي طائفتين من القواعد  :

الأولي : قواعد تتعلق بالروابط الشخصية، أو بالأشخاص . ويقصد بها عادة تلك القواعد الخاصة بحاله الأشخاص وأهليتهم وجنسيتهم ، واحتفظ لها باصطلاح " الأحوال المتعلقة بالأشخاص "  

الثانية: قواعد تتعلق بالروابط المالية أو بالأموال  بصفه عامة واحتفظ لها باصطلاح " الأحوال المتعلقة بالأموال "  ثم اختصر كل الاصطلاحين : اصطلاح الأحوال الشخصية في القانون المصري،  فأصبح يطلق علي الأول " الأحوال الشخصية "   وأصبح يطلق علي الثاني " الأحوال العينية " .

 الأحوال الشخصية والأحوال العينية 
أورد المشرع المصري بأن الأحوال الشخصية تشمل المنازعات والمسائل المتعلقة بحاله الأشخاص  أو المتعلقة بنظام الأسرة كالخطبة والزواج وحقوق الزوجين وواجباتهما المتبادلة  والمهر ونظام الأموال بين الزوجين والطلاق والتطليق والتفريق والبنوة والإقرار بالأبوة وإنكارها  والعلاقة بين الأصول والفروع  والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار  وتصحيح النسب والتبني  والولاية  والوصاية والقوامة والحجز وبالغيبة واعتبار المفقود ميتا  وكذلك المنازعات المتعلقة بالمواريث والوصايا  وغيرها . 

أما الأمور المتعلق بالمسائل المالية  فكلها بحسب الأصل من الأحوال العينية ،  فالوقف  والهبة والوصية  والنفقات علي اختلاف أنواعها  وما شابهما  تعد من الأحوال العينية.

مشروع القانون الموحد
في 29 يونيه 1980 تم تقديم مشروع سابق على مشروع عام 1998، تم تقديمه إلي السيد المستشار وزير العدل. إلا أنه لم يدخل مجلس الشعب لمناقشته وإقراره. وهو يشتمل على (92) مادة تكاد تقترب في مجموعها من مشروع 1998، سواء في الخطبة، أو أركان الزواج وشروطه وإجراءاته.
وفى عام 1998 دعي البابا شنودة الثالث إلى الاجتماع برؤساء الكنائس وممثليها لإعادة مناقشة المشروع السابق لاسيما وقد تغير كثير من رؤساء الكنائس منذ تم إعداد مشروع 1980، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليه، تم إقراره من اللجنة العامة، وأوكلت عملية الصياغة النهائية إلى لجنة من المستشارين، قدم بعدها إلى الرئاسات الكنسية، حيث تم إقرارها والتوقيع عليها وإرسالها لوزارة العدل لاتخاذ اللازم نحو عرضها على مجلس الشعب. وأخيرا وبعد مرور 12 عام على هذا المشروع ، وبعد الحكم الأزمة الأخير للمحكمة الإدارية العليا  في الدعوى التي أقامها هاني وصفى، بإلزام الكنيسة بإعطاء تصريح زواج ثاني ، دعي وزير العدل لجنة مشكلة من مجموعة من ممثلي الطوائف المسيحية والمستشارين لمناقشة القانون.

اشتمل هذا مشروع قانون 1998، على 146 مادة موزعة على خمسة أبواب كالتالي:
- الباب الأول: في الزواج وما يتعلق به. ويتضمن ستة فصول تختص بالخطبة (12 مادة)، وأركان الزواج وشروطه: مادة (13 – 17)، وموانع الزواج: مادة (18 : 27)، وإجراءات عقد الزواج: مادة (28 – 31 )، وبطلان عقـد الزواج مادة  (29 – 39)، ثم حقوق الزوجين وواجباتهما:  المادة (40 – 46).
- الباب الثاني: في النفقات: ويتضمن ثلاثة فصول: يختص الأول بأحكام عامة مادة (47 – 56)، والنفقة بين الزوجين (المواد من 57 – 65) والنفقة بين الآباء والأبناء ونفقة الأقارب (المواد من 66 – 72).
- الباب الثالث: فيما يجب على الولد لوالديه- وما يجب له عليها، ويتضمن فصلين حول السلطة الأبوية (المواد من 73 – 75)، والثاني في الحضانة المواد (من 76 – 89).
- الباب الرابع: في ثبوت النسب: ويشتمل على فصلين: الأول في ثبوت نسب الأولاد المولودين حال قيام الزوجية، ويضم المواد من (90 – 98). والثاني في ثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين ويشتمل على المواد من (99 – 110)
- الباب الخامس: في انحلال الزواج: ويشتمل على المواد من (111 – 128).
هذا بالإضافة إلى إدراج موضوع التبني: وخصص له المواد من (129 – 142)، والمواد (143 – 146) تتناول عدة أحكام عامة. ( وسنخصص لموضوع التبني دراسة أخرى مفصله ).

تساؤلات واقترحات على مشروع القانون
كان لي فرصة للمشاركة في ورشة عمل لمدة يومين بالإسكندرية حول مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين، ولعله من المناسب أن نضع أمام اللجنة المشكلة والرأي العام،  بعض التساؤلات والتوصيات لعلها تكون سندا وعونا أثناء مناقشتهم للقانون:

1-  مقترح عنوان مشروع القانون يسمى "مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين" والمعلوم أن غير المسلمين في مصر ليسو المسيحيين فقط لكن هناك البهائيين، فمن المهم أن يكون للبهائيين رأى في مشروع القانون باعتباره لغبر المسلمين أو أن يتم تغيير العنوان إلى " مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين".

2-  لم يتعرض القانون إلى الزواج العرفي والخلع "على اعتبار أن المشروعين الذين قدما في عام 1998، 1980 لم يكن الزواج العرفي والخلع معروفا في ذلك الوقت، . لذلك من المهم إضافة مواد توضح الفكر المسيحي نحو هذه الأمور.

3-  لم يتعرض أيضا مشروع القانون إلى المواريث، والمعروف انه عند الخلاف تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، ولان المسيحية تؤمن بالمساواة بالكاملة بين الرجل والمرأة فيجب تحديد مواد قاطعة تفيد المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة،، وإعادة المادة 245 من لائحة 1938 التي تنص على المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث.  ولا نعتقد أن المسلمين سيتأذون في شئ إذا تساوت المرأة المسيحية مثل الرجل في الميراث.

4-  من المهم أن يضع مشروع القانون في بدايته تعريفا ببعض المصطلحات المستخدمة منها الفرق بين الطلاق والتطليق، فالطلاق هو فَكُّ رباط الزوجية بين رجل وامرأته، وتحرر كل منهما من الآخر كشريك حياة بالإرادة المنفردة، أما التطليق فهو فَك رباط الزوجية بين رجل وامرأته، بالإرادة المزدوجة. كذلك توضيح المعنى المقصود ببعض المصطلحات التي جاءت في القانون مثل: البطلان، الانفصال، التفريق، ...الخ

5-  هناك بعض المصطلحات في مشروع القانون تحتاج لضبط وتوضيح مثل مصطلح "الصلاح" ففي أركان الزواج وشروطه حيث جاء في المادة (13)  "الزواج المسيحي رباط ديني مقدس دائم، ويتم علنا، بين رجل وامرأة واحدة، مسيحيين، صالحين للزواج لتكوين أسرة..." فيجب توضيح معنى الصلاح وما الذي يحكمه ومعاييره؟ ومن يحدد معايير الصلاح؟
بالإضافة إلى كلمات أخرى تحتاج إلى ضبط وتوضيح مثل : "الرضا" في المادة 15، " صفة جوهرية " في المادة 34،" بمسوغ مقبول " في المادة 58، "حالة مريبة" في المادة 115. "سوء السلوك" في المادة 108.

6-  إلغاء أو إعادة صياغة بعض المواد الوعظية بمشروع القانون مثل :  "يجب على الولد في أي سن أن يحترم والديه..." مادة (73)،  "يجب على الوالدين العناية بتربية أولادهما وتعليمهم وفقاً للقيم الروحية والوطنية..." مادة (75) بالإضافة إلى المواد الأخرى التالية : 70،63،61،44،41،40

7-  المادة 143 تنص على "تظل الزوجية وما ينشأ عنها من آثار خاضعة للأحكام المبينة بهذا القانون والخاصة بالشريعة التي تمت المراسيم الدينية وفقاً لطقوسها. ولا يعتد بتغيير أحد الزوجين طائفته أو ملته أو ديانته أثناء قيام الزوجية، ..." تعنى أن حتى تغيير الديانة لا يؤدى إلى الطلاق. ويجب حذف عبارة " أو ديانته" . كما أن هذه المادة تتعارض مع المادة (113 ) والتي تنص " يجوز لأي من الزوجين طلب التطليق إذا ترك الزوج الآخر الدين المسيحي إلى الإلحاد أو إلى دين آخر..."

8- : إعادة صياغة  المادة (14) والتي تنص على : " لا ينعقد الزواج صحيحا إلا إذا تم بمراسيم دينية على يد رجل دين مسيحي مختص، ومصرح له من رئاسته الدينية"

وهناك صياغتين مقترحتين كالتالي:
الأولى : ينعقد الزواج صحيحا إذا تم بمراسيم مدنية  تتبع بمراسيم دينية على أن لا تحرم الكنيسة من قام بالمراسيم المدنية في الاشتراك بالعبادة ويكون عقد الزواج المدني بين مسيحيين، على أن تعترف الكنيسة به.
الثانية :  يستمر الشكل الحالي للزواج كما هو زواج كنسي بمراسيم دينية.

9-  تنص  المادة (27) على : " العقم لا يحول دون صحة انعقاد الزواج حتى ولو كان غير قابل للشفاء"  ولم يحدد القانون ماذا لو أخفى احد الطرفين حالة "العقم" والمقترح إضافة التالي للمادة (27) "... إذا كان الأمر معلوما للطرفين ويكون الفحص الطبي وحوبيا لإثبات هذه الحالة. وأن يٌنَص على ذلك في أحد مواد القانون.

10-  تنص المادة (29): "يكون لدي رجل الدين المختص دفتر لقيد عقد الزواج..." ويبدو السؤال هنا ماذا لو تم تجريد رجل الدين المختص بالتوثيق من رتبته، هل يستمر دفتر عقد الزواج معه، ويستمر في عقد الزيجات؟ وما مصير الزيجات التي تمت بعد تجريده؟ خاصة أن هناك احد الكهنة المعروفين والذي تم "شلحه" عقد زيجات عديدة بعد "شلحه". فيلزم هنا توصيف وتحديد المقصود "برجل الدين المختص" والاقتراح هنا "في حالة القبول بزواج مدني يتم التسجيل عن طريق الشهر العقاري إما في حالة  رفض الزواج المدني فيبقى رجل الدين المختص يقوم بالتوثيق.  (وان كان من المنطقي عندما تكون الدولة مدنية فبالضرورة يكون الزواج مدنيا وليس العكس)

11- ما يؤخذ به لبطلان الزواج يؤخذ به بعد الزواج. المادة (32) مع إضافة "إلا إذا علم الطرف الأخر" في  المادة (32) التي تذكر حالات كون الزواج باطلا .

12- : تعديل المادة(42) والتي تنص على " على الزوجين أن يعيشا في محل إقامة الأسرة الذي يختاره الزوج" إلى  منزل الزوجية الذي يختاره "الزوجان معا". وتعديل المادة (44) إلى :  أن يسكن الزوجان في مسكن الزوجية ويقوما بالإنفاق من حاجتهما المعيشية "معا على قدر طاقتهما".

13-  في المادة (45) عن دراسة وعمل الزوجة يجب توضيحها والاتفاق عليها في عقد الزواج.
14- في المادة 46 التي تنص على أن الارتباط الزوجي لا يوجب اختلاط الحقوق المالية، بل تظل ذمة كل من الزوجين المالية منفصلة" من الأفضل إلغاء هذه المادة، فالذمة المالية للزوج والزوجة تحدد برضاهما واتفاقهما ولا يجب أن يحكمها قانون.

15- تعديل المادة (62) والتي  تنص على "يجوز إلزام الزوجة بالنفقة لزوجها المعسر العاجز عن الكسب وذلك متى كانت قادرة على الكسب"، إلى "يلتزم الطرف القادر على الإنفاق..." فالحياة الزوجية هي مشاركة ومسؤولية مشتركة بين الزوجين.


16- المادة (77) الخاصة بحضانة الصغير تعاد صياغتها في ضوء قانون الطفل الحالي .حيث ينص مشروع القانون على "حضانة الصغير تكون للأم حتى بلوغ العاشرة من عمره إن كان ذكراً والثانية عشر إن كان أنثى، وحينئذ يسلم إلى أبيه أو إلى ولي نفسه». فيمكن رفع سن الحضانة إلى 15 سنة. طبقا لقانون الطفل.

17- المادة (108) والخاصة بثبوت النسب: تنص على " "لا تقبل دعوى ثبوت الأبوة:  أولاً: إذا كانت الأم في أثناء مدة الحمل مشهورة بسوء السلوك ..." واتهام الزوجة بـ "سوء السلوك" عبارة مطاطة، يجب في حالة اى شك في إثبات النسب يتم اللجوء إجباريا إلى تحليل  DNA.

18- تعديل المادتين  (127) و (128) الخاصتين بالجهاز والمتاع فتنص المادة  128 على أنه "إذا اختلف الزوجان حال قيام الزوجية أو بعدها على متاع غير الجهاز الموضوع في مسكن الزوجية فما يصلح للنساء عادة يكون للزوجة إلى أن يقدم الزوج الدليل على أنه له وما يصلح للرجال أو للرجال والنساء معاً فهو للزوج ما لم تقدم الزوجة الدليل على أنه لها" فيجب تعديل هاتين المادتين في ضوء توضيح المقصود بالمتاع والجهاز وحسب ما يتم الاتفاق عليه بين الزوجين وتوضيح معنى ما يصلح للنساء ومعنى ما يصلح للرجال؟

19- بخصوص انحلال الزواج المادة (111) ، هناك ثلاث اقتراحات، الأول : يوجد  سببين فقط للتطليق (الزنا وتغيير الديانة) وهو المتفق عليه حاليا للكنيستين الأرثوذكسية والإنجيلية، بينما عند الكاثوليك لا طلاق حتى في حالة الزنا، الثاني :  تضمين بعض بنود لائحة 1938 وخاصة  مادة 54 و 55  والجزء الخاص باستحكام النفور من مادة 57 ، الثالث :  إعادة لائحة 38 كاملة وتطويرها وفقا لمشكلات العصر.وإضافة لائحة خاصة لكل طائفة داخل القانون الموحد، وفى حالة فسخ العقد يكون وفقا للشريعة التي اتفق عليها الطرفان.

20- المادة (113 ) والتي تنص " يجوز لأي من الزوجين طلب التطليق إذا ترك الزوج الآخر الدين المسيحي إلى الإلحاد أو إلى دين آخر، أو مذهب لا تعترف به الكنائس المسيحية بمصر كالسبتيين، وشهود يهوه، والبهائيين والمرمون ". يضاف إليها " اى مذهب "جديد" لا تعترف به الطوائف المسيحية".

أخيرا
يجب طرح مشروع هذا القانون  للمناقشة المجتمعية، واخذ رأى المتخصصين في مسائل الأحوال الشخصية، ورواد المشورة والقانون. حتى لا يخرج القانون معبرا عن نخبة محددة من المجتمع ويكون سيفا مسلطا على الأحوال الشخصية لأغلبية المسيحيين في المجتمع.

هوامش
• نص مشروع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، المقدم من الكنائس المسيحية المصرية مجتمعة (انقر هنا)
• قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين، مركز قضايا المرأة، دراسة تحليلية نقدية، إعداد : دكتورة نادية حليم سليمان ،2006.

• مدخل في قوانين الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين،  إعداد مستشار قانوني صبري يوسف المحامى بالنقض والدستورية والاداريه العليا مدرس ماده الأحوال الشخصية بالكلية الاكليريكية  بشبرا الخيمة

لقراءة نص مشروع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين 1/2 أنقر هنـــا
لقراءة نص مشروع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين 2/2 أنقر هنـــا