هل تحوّل دور الكنيسة إلي نادي اجتماعي؟

شريف منصور

بقلم: شريف منصور
جمنازيم..قاعة اغابي..مكتبة استعارة...مكتبة بيع... بقالة..
حسبتُ كم الوقت الذي يقضيه المصلون في الأنشطة المذكورة، وتساءلت: هل هذا هو دور الكنيسة في حياتنا؟

وهل كل هذه الأنشطة يجب أن تستغرق من وقت الكاهن أكثر بكثير مما يخرج عن حزمة مسئوليته الرعوية؟

القطيعة الإجتماعية الإختيارية للمجتمعات التي يعيش فيها الأقباط، سواء في "مصر" مرغمين، أو خارج "مصر" باختيارهم، حسب التعود والتنشئة، أدي إلي اختلاط ضخم بين مسئوليات الكنيسة الدنيوية، ومسئولية الكنيسة الروحانية.

الأمور الدنيوية يختلف فيها البشر بصورة مستمرة وشبه يومية، وينتج عنها مشاكل لا تُعامل ببساطة، مع إنها أمور في منتهي التفاهة.

ليلة عيد القيامة حضرت القداس في كنيسة "الخرطوم"، وفي منتصف القداس سمعنا صياح وتشابك بين شخصين، والسبب أن أحد الأطفال ضرب طفلًا آخر، وتطور الأمر إلي تشابك بالأيادي بين الآباء.
 
وتدخل أولاد الحلال وفضوا هذه المشاحنة بسرعة، قبل أن تتطور إلي معركة.

وفي نهاية القداس، وعند خروج المصليين، وقف كل أب من آباء هذين الطفلين في ناحية متباعدة عن الآخر، وهم ينفخون نارًا من عيونهم، متوعدين بعضهم البعض بعركة أكبر من الأولي. وفي الوقت ذاته جلس الطفلان سلم الكنيسة يلعبان سويًا ويضحكان ويقولان  أحدهم للآخر: تعالي معايا البيت نلعب باللعبة الجديدة التي أحضرها لي والدي من "لندن"؟  فقال الطفل الأخر: لماذا لا تحضر إلي بيتنا باللعبة؛ لكي تأكل معنا. وأنت تحب الطعام الذي تطبخه أمي، ونلعب سويا ؟ فذهب كل طفل إلي والده يسأله أن كان ممكنًا أن يتمموا ما فكروا فيه.

هذه القصة الحقيقية لا تذهب بعيدًا عن مخيلتي إطلاقًا، وكم من مرات أبكت نفسي، واعترف إنني، وبدون أن أشعر، وبدون أي عمد،  تسببت في بعض الأحيان بعثرة لوالد أو لأم عندما أوجه للابن أو الابنة توجيه تربوي أثناء القداس، أو حتى بعد القداس. وكأنني نسيت أن الأطفال يظلون أطفالاً في كل وقت وكل حين، ومن حقهم أن يتصرفوا كأطفال وليسوا ككبار. وبدون أن أشعر أحمّل الخطأ علي الأب أو الأم في عدم تحكمهم في أولادهم.

ولكن نظرت إلي الأمور بنظرة أخري، لماذا يتصرف أطفالنا هذه التصرفات؟ بالمقارنة بأولاد أبناء أوطاننا الجديدة؟ فذهبت إلي كنيسة بجوار منزلي لكي أستطلع الفارق.

وجدت المصليين يصلون إلي الكنيسة في الموعد المحدد لبداية الخدمة، ويدخلون بهدوء، لا يصافحون بعضهم البعض، ولا يتعانقون كما نفعل، و كأننا ذاهبين إلي نزهة. يجلس الأولاد بين الأب والأم، ويفتح أحد الوالدين الكتاب المقدس، أو كتاب التراتيل، ويشرك الأولاد معه. ويلتزم الأب الكاهن بوقت محدد للموعظة، وتكون الموعظة مركّزة في موضوع واحد، ولها هدف روحي وتربوي واجتماعي.

وبعد القداس، يقف الكاهن علي باب الكنيسة يودع المصليين، ويشكرهم علي الحضور والإلتزام بالمواعيد، ويطلب منهم أن يتذكروا الخدمة والخدام، ويشكرهم علي عطاياهم وعشورهم، ويطلب لهم البركة. ويذهب المصلون كلٍ إلي حال سبيله في يوم أسري. وبهذا تثمر فيهم النعمة والبركة التي حصلوا عليها.

أما نحن فيذهب الأولاد إلي مدارس الأحد معهم مجموعة من الخدام، لا يتعدون 1% من عدد الشعب، يتحملون تعليم الأولاد في الوقت الذي يذهب فيه الأهل إلي قاعة الأغابي، وهناك يستثمرون الوقت في حكايات أبعد ما تكون عن الخدمة التي انتهت من دقائق؟ تذكرة السفر لـ"مصر" بقت بكام؟ كيلو اللحمة في "مصر" بقي بكام؟ فلان اشتري بيت جديد..فلان فتح محل جديد...فلان فتح عيادة...فلان ما بيجيش علشان أولاده في منتهي الشقاوة والناس مش بتستحملهم... وفلان زعلان مع مراته...وفلان زعلان مع أخوه..وفلان ضرب ابن فلان؛ لأنه قليل الأدب...وفلان عمل وفلان سوي...

 وتخلص مدارس الأحد، ويذهب الأولاد للجمنازيم...كل الأعمار وكل الرياضات في وقت واحد، من سن 5 سنين لسن الخمسين، كرة قدم، وكرة طائرة، وكرة طارشة، وضرب، وركل، وصراخ، وبكاء، وزبالة في الأرض، وأبواب تتكسر، وشبابيك تتوسخ، وأرض مزحلقة، وهدوم مبعثرة في كل مكان. ولا ننسي الكنتين ومحل البقالة، ولا المكتبة والشرائط اللي بقي خدامها مراكز قُوي، وكأن البقالة أو المكتبة أو الشرائط عمل خاص بهم...وكل مشكلة في الآخر تصل إلي الكاهن، وأصبح الكاهن مدرس ألعاب، وأمين مكتبة،  وبقال، وطباخ، وقاضي. هل هذه هي خدمة الكاهن أو خدمة الكنيسة؟ هل هذه هي الحياة الأفضل التي تركنا بسببها أوطاننا وهربنا من الفوضى وتصرفات الغنم؟

هل هذه المباني التي تكلفت الملايين أتت بفائدة أم أتت بنقمة؟ أود أن أُلفت نظركم إلي أن هذه المقالة، لا تنصب علي كنيسة معينة، أو كنيسة محددة في بلد ما. لأنه أغلب الظن أنكم تظنون إنني أتكلم عن كنيستكم. أليس من الأفضل أن يختلط الشعب اجتماعيًا بمن هم منظمين اجتماعيا، متحضرين في تصرفاتهم خارج الكنيسة، بعد تسلحهم بتعاليم قوية تحافظ عليهم في كل مكان، ونبعد عنا هموم وعثرات تلتصق في أذهاننا بخدمة الأب الكاهن والكنيسة الروحانية، ونرتبط بمكان أكثر وأعمق قدسية.

الكنيسة مكان قدسي مقدس، وليس نادي رياضي أو مركز ثقافي...أتمني أن تُغلق كل الخدمات غير الروحانية في جميع الكنائس في جميع أنحاء العالم لمدة 3 شهور، نتعمق في فائدة هذه الخدمات، ونُعيد التفكير في أهميتها وتنظيمها تنظيمًا حقيقيًا ليأتي بمنفعة. وإن لم نستطيع، فلنغلقها ونتحمل كل هذه التكاليف التي أُنفقت فيها، ستكون أفضل وأقل بكثير من خسارة نفس واحدة نُحاسب عليها أمام الديان العادل.