ميرفت عياد
كتبت : ميرفت عياد - خاص الاقباط متحدون
منذ قديم الزمان عرف قدماء المصريين قيمة بناء وازدهار بلادهم، وعملوا من أجل هذا الكثير، سواء كان على المستوى المادي من آثار وحضارة تركوها لنا، أو على المستوى الإنساني من حكم وتعاليم وقيم ومبادئ إنسانية التزموا بها؛ من أجل علو شأن المجتمع وازدهاره. وأدرك المصري القديم منذ فجر التاريخ، أن مراعاة الضمير الإنساني هو السبيل الوحيد للحياة المطمئنة الهانئة فى الدنيا وفى الحياة الأخرى، حينما يتم بعثهم من جديد. هذا ما يؤكده الأستاذ الدكتور "عبد الحليم نور الدين"- أستاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، ومستشار مكتبة الأسكندرية.
ويقول الدكتور "عبد الحليم" أن المصري القديم نراه يعلى من القيم والمبادئ في كل ما تركه لنا من حكم وأمثال مُدَوّنة عبر العصور، ويُحذّر من الخروج عليها، وينبّه المنحرفين والمتجاوزين لهذه المبادئ والمثل، أن هناك قُوى حاكمة تحكم الكون وتحاسب الإنسان على كل ما تقترفه يداه من خير أو شر، ولهذا بدأ المصري القديم بوضع الأسس والثوابت الراسخة في مجال القيم، والأخلاقيات، والمبادئ، وما تشملهم من خير، وعدل، واستقامة، وصدق، ووفاء، وأمانة، وإخلاص، وتواضع، وحسن أداء في العمل، وحفاظ على المال العام، وغيرها.
تَعَلّق المصري القديم بالآداب والسلوكيات
ويؤكد الدكتور "عبد الحليم" أن المصري القديم ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالآداب والسلوكيات العامة، كآداب الحديث، والتعامل مع الرؤساء والمرءوسين، وآداب التعامل مع الأب والأم، وآداب المائدة وغيرها، كما إنه راعى حسن التصرف والسلوكيات السوية سواء مع أفراد أسرته، أو مع زملاءه فى العمل.
وهكذا أصبح واضحًا في فكر المصري أن هناك خيرًا وشرًا، ومن ثم هناك الثواب والعقاب، وفي ظل هذا الفكر الراقى، وهذه المعتقدات النبيلة التي ترسخت بمرور الوقت، كان لابد أن نتوقع حرص الإنسان في دنياه، من خلال ممارسته لأنشطته اليومية، على الإلتزام بالقيم والمثل والأخلاقيات، وحسن السير والسلوك، وعبّر عن ذلك حكماء "مصر" عبر العصور المختلفة، فجاءت حِكَمهم ونصائحهم صادقةً ونقية، بل وتباروا في حث الناس عن التمسك بالقيم، والإلتزام بما يمليه عليهم ضمائرهم في كل جوانب حياتهم.
نصوص حكمة المصريين القدماء
ومن أهم ما وصلنا من نصوص الحكمة على سبيل المثال "تعاليم بتاح حتب"، هكذا قال دكتور "عبد الحليم"، ذاكرًا أن هذه النصوص التى اهتمت بالأخلاق والسلوك، ظلت تُدرَس خلال الدولة الوسطى، حتى عصر الأسرة الثامنة عشرة. وكان المصري القديم مُلتزم بإتباعها لأنها ببساطة دروس فى الأدب والأخلاق، ولقد تضمنت بالفعل ما يكفل للدارس التبصر بآداب السلوك، والتعرف على قواعد الخلق الطيب، كما تضمنت ما يكفل له ثروة طيبة من التعبيرات الراقية، يستطيع أن يتمثل بها فيما يكتبه، وفيما يتحدث به.
وتتمتع الدولة الوسطى بكنز ضخم من روائع التعاليم والنصائح النبيلة، وخاصةً النصائح الموجّهة للملك "مري كا رع"، وهي نصائح سياسية الإ أن أسلوبها الأدبي لا يقل جمالاً وجودةً عن أي قطعة أدبية أخرى.
وهناك كذلك نصائح "خيتي دواوف" من الدولة الوسطى، والتي كانت من أحب القطع الأدبية إلى قلوب مدرسي الدولة الحديثة، وبخاصةً في الأسرة التاسعة عشرة، وتمتاز هذه القطعة الأدبية بأنها تُعد نصائح ألّفها والد لابنه من أجل اتباع السلوك الجيد، أما الدولة الحديثة فنذكر لها تعاليم "آني"، ثم تعاليم "أمنموبي" التهذيبية، والتى استهدفت التهذيب السلوكي، والتثقيف الأدبي معًا، كما إننا لا نستطيع أن ننسى دور العبرانيين الذين أقبلوا على هذا النوع من الأدب، فنقلوا واقتبسوا منه الشيء الكثير، حيث لا يمكن إغفال وجوه الشبه الكبيرة بين بردية "أمنموبي" وكل من سفر الأمثال وسفر أرميا وغيرهما.
نماذج من أقوال الحكماء
ويوضّح دكتور "عبد الحليم" أن الإلتزام بالقيم والمبادئ هى التى أرست دعائم الحضارة المصرية، وكتبت لها الخلود. ومن هذه القيم نجد أن المصرى القديم أعطى اهتمام خاص بقيمة العدالة حين قال حكيم لابنه: "اعمل على نشر العدالة، إن الرجل العادل سوف تنعم روحه باستمرار بقاء فضيلته على الأرض"، وعن قيمة الصدق يقول الحكيم: "إن الصدق جميل، وقيمته خالدة، ولا يتزحزح عن مكانه منذ بدء الخليقة"، وعن عفة اللسان يقول الحكيم: "احفظ لسانك سليمًا من الألفاظ النابية، وبذلك ستصبح المُفضّل لدى الآخرين، وستُحترم في شيخوختك، وستكون في مأمن من بطش الآلهة"، وعن قيمة القناعة والإبتعاد عن الجشع، يقول الحكيم: "لا تندفع بقلبك وراء الثروة، ولا تجهد نفسك في طلب المزيد، لأن الثروة لو أتت لك عن طريق السرقة، فإنها لا تمكث معك سواد الليل"، وعن قيمة احترام الناس يقول: "لا تسخرن من أعمى، ولا تهزأ من قزم، ولا تفسدن قصد رجل أعرج"، وعن الاهتمام بالعلم والتعليم يقول الحكيم: "إذا كنت ماهرًا في الكتابة، فإن الناس أجمع سيفعلون كل ما تقوله، فاحرص على اقتناء الكتب والإطلاع عليها".
http://www.copts-united.com/article.php?A=19970&I=494