تحية احترام للوزير الخلوق د. حمدي زقزوق

رؤوف زكري مكارى

 بقلم: رؤوف ذكري
يتميز الدكتور "محمود حمدي زقزوق" وزير الأوقاف؛ بامتلاكه لرؤى خاصة، فهو ليس من عينة الوزراء المنفذين، ولكنه من عينة الوزراء المفكرين، ومن هذا المنطلق جاءت دعوته الأخيرة -والذي يدعو فيها المسلمين في العالم العربي- لزيارة القدس، حتى ولو بتأشيرة إسرائيلية.

وكما هو متوقع.. فقد أحدثت هذه الدعوة حالة من حالات الحراك في المجتمع المصري، ولاقت العديد من الانتقاد والاستهجان؛ ولأننا في أحيانٍ كثيرة -كشعوب عربية تسبق عاطفتنا فكرنا- فلم نعطِ لأنفسنا فرصة في أن نفكر في الأسباب التي دعت الوزير في أن يطرح هذه الدعوة، وما هي الأهداف التي يهدف إليها؟ وما هي النتائج التي يتوقعها؟؟
 فليس من المنطقي أن يكون الوزير "زقزوق" أقل وطنية من أصحاب تلك الأصوات، أو أن يكون هدفه هو دعم إسرائيل، أو المساهمة في ازدهار اقتصادها، ولكن هدفه هو الانتقال من خانة الأقوال والتصريحات التي أدمنتها الاقطار العربية -شعوبًا وحكامًا- إلى خانة الأفعال التي يجيدها الساسة المحترفون أصحاب الرؤى الخاصة.
 
فالوزير "زقزوق" يهدف من ذلك -كما صرح في وسائل الإعلام المختلفة؛ المقروئة والمسموعة والمرئية- إلى تأكيد حقوق المسلمين والمسيحيين في الأماكن الدينية في القدس، فالمعروف أن الأمم المتحدة تعتبر القدس مدينة لكل الأديان، وتتردد الولايات المتحدة الأمريكية كثيرًا في نقل سفارتها من "تل أبيب" إلى "القدس".
 فليس من المعقول أن نترك الساحة لإسرائيل لكي تدير هذه المدينة، وتستقطع من أراضيها كيفما تشاء، بل أن مطالبة الدول العربية بزيارة شعوبها -مسلمين ومسيحيين- للقدس؛ تعني تأكيد عملي لحقوقهما فيها.
 
فلو حدثت استجابة لدعوة الوزير "زقزوق"، وبدأت الأجهزة التنفيذية في كافة الدول العربية باتخاذ الإجراءات اللازمة لسفر حجاجها مسلمين ومسيحيين؛ فإننا أمام أحد احتمالين، أما أن تقبل إسرائيل بتلك الزيارات -وهو أمر مشكوك فيه- وفي تلك الحالة سوف يشعر العالم بأهمية تلك الأماكن للشعوب العربية ومدى حساسية قضيتهم.
أما في حالة رفض إسرائيل لتلك الزيارات -وهو الأمر الأكثر احتمالاً- فإن ذلك سوف يُظهر إسرائيل في صورة الدولة التي لا تريد سلامًا أو تعاملاً مع الشعوب العربية، أو أصحاب الديانات الأخرى، الأمر الذي يضيف للدول العربية رصيدًا سياسيًا وتعاطفًا دوليًا، ومزيد من الضغوط السياسية على إسرائيل، وهكذا فإننا سوف نربح سياسيًا في كلتا الحالتين.
 
إن موقف الوزير "زقزوق" يذكرني بموقف الراحل الرئيس "السادات" عندما اتخذ قرارًا لا يستطيع أحد أن يتخذه في تلك الحقبة من التاريخ؛ عندما قرر زيارة القدس، ولم تكن الشعوب العربية مهيأة حتى للاتصالات الغير مباشرة مع إسرائيل، وقوبل موقف "السادات" بمعاداة ومؤامرات فوق الطاقة، وصلت لحد التهديد باغتياله، وقطعت معظم الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، إلا ثلاث دول.
 بالرغم من هذه الأحداث.. إلا أن السادات صمم على موقفة، وذلك لأنه كان يرى ما لايراه الأخرون، وبسبب ذلك استعادت مصر كامل تراب أراضيها المحتله في وقت مازالت إسرائيل تحتل بعض أراضي الدول العربية، فلو سار الرئيس الراحل على نفس طريقة أصحاب التصريحات العنترية، ما كنا قد وصلنا لتحقيق هذه المكاسب.
 
إنني أستغرب من أصحاب الدعوات الذين يدعون إلى مقاطعة زيارة المسيحيين والمسلمين إلى القدس، تحت مزاعم الوطنية، وهم في ذلك لا يهدفون إلا لتحقيق مصالح ضيقة لا علاقة لها بقضية القدس والعمل على حلها.
 
و الآن أتساءل.. ألا تستحق دعوة الوزير "زقزوق" منا أن نفكر ونتأمل فيها قبل أن نهاجمها أو نتهمه باتهامات لا تصح؟؟
 
عزيزي الدكتور "حمدي زقزوق".. أنت رجلاً شجاعًا؛ لأنك صاحب فكر في زمن قلّ فيه التفكير، وأنت صاحب رؤيا في زمن ندر فيه التأمل، فلم تعبأ بردود الأفعال، ولم تصغ إلى مستشاريك ودعواتهم لك بعدم الاستمرار في هذه الدعوة، ولم تهتم بهجوم الكثيرين عليك والذي قد يكلفك منصبك.
لذا لا أستطيع أن أختم مقالي إلا بكلمات عنوانه: "تحية احترام للوزير الخلوق الدكتور "حمدي زقزوق.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع