نسيم عبيد عوض
بقلم : نسيم عبيد عوض
عندما كنت أجهز لأكتب عن مشاعل التنوير فى عصر الظلمة , خططت أن أكتب ثلاثة مقالات عن الدكتور رفعت السعيد , ثم عن الدكتور فرج فودة وأخيرا عن الدكتور نصر حامد أبو زيد , وبعد ان كتبت مقالى الأول وأصدرته للنشر فوجئت بخبر إنتقال الدكتور أبو زيد من عالم الأحياء , حيث توفى ودفن فى بلدته بمحافظة طنطا , هذا المفكر القدير الذى وهب عقلا تنويريا يخترق به كهوف الظلمة والجهالة , طائر كان خطأه انه كسر قفص عقول متحجرة ومفاهيم راكدة , تعشش فيها كل خرافات السلف الذى آتانا من البادية يريد تحطيم الفكر ويحرمه , ويطفئ كل شموع الإستنارة , يحطم زهور الربيع ويحرق كل أخضر , ليشيع أفكار الجهالة ويجعلها حضارة الحجارة والتحجر.
هذا هو عملاق الفكر وفارس البحث المستنير , والذى لا أجد له مثيل فى العصر الحديث , قد حدث الكثير فى العصور الوسطى لعلماء سبقوا زمانهم فحكم عليهم بالموت من سيف الجهل والتخلف, دكتور أستاذ مساعد الدراسات الإسلامية والبلاغة بقسم اللغة العربية فى كلية الآداب جامعة القاهرة , يقف فى وسط محكمة المدعيين فيها كل علماء المسلمين فى مصر ووقف وحده هو وزوجته كمدعى عليهما, ليواجه الإتهامات التالية: ( من نص حكم المحكمة شرعى كلى الجيزة لسنة 1993 ) :
1- انه وهو المولود فى أسرة مسلمة ويشغل هذه الوظيفة بالجامعة, قام بنشر عدة كتب وأبحاث ومقالات تضمنت طبقا لما رآه علماء عدول كفرا يخرجه عن الإسلام , الأمر الذى يعتبر معه مرتدا ويحتم أن تطبق فى شأنه أحكام الردة.
2-مانشره فى كتاب بعنوان " الإمام الشافعى وتأسيس الأيدلوجية الوسطية" وحسب تقرير عميد كلية دار العلوم أنه يحتوى على أمرين: الأول- العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة إلى رفضها وتجاهل ما أتت به. والثانى- الجهالات المتراكبة بموضوع الكتاب الفقهى والأصولى.
3- أن المدعى عليه طبع كتابا بعنوان" مفهوم النص- دراسة فى علوم القرآن" ويقوم بتدريسه للفرقة الثانية بقسم اللغة العربية , وقد تضمن الكتاب على كثير مما رآه العلماء كفرا يخرج بصاحبه عن الإسلام , حسب تقرير أستاذ الفقه المقارن.
4- من واقع كتب وأبحاث المدعى عليه وصفه كثير من الدارسين والكتاب بالكفر الصريح , وأنه قد أرتد عن الإسلام وان من آثار الردة المجمع عليها فقها وقضاء الفرقة بين الزوجين.. "
وبغض النظر عن حكم المحكمة . فقد إنهالت على هذا المفكر القدير معاول الهدم بل وسيوف القطع والإعدام , وأعتبره علماء الإسلام انه حلقة من حلقات البلاء والطعن فى الإسلام والشريعة, بدأت الحلقات بكتاب الشعر الجاهلى للدكتور طه حسين عام 1927, ثم أمين الخولى ,ويتلقف الحلقة محمد أحمد خلف الله وأخيرا من سمى بنصر أبو زيد .
ويقول الدكتور أبو زيد فى مقدمة كتابه " التفكير فى زمن التكفير ضد الجهل والزيف والخرافة" ومن المخجل أن يوصف بالكفر من يحاول ممارسة الفكر, وأن يكون " التكفير" هو عقاب " التفكير" هو مخجل فى أى مجتمع وفى أى لحظة تاريخية فى العقد الأخير من القرن العشرين.
كان هذا الفارس الشجاع ذو العقل المستنير والباحث المدقق , يحارب حربا أمام نمط من التفكير يمثل نمط الثبات والتثبيت والدفاع عن الماضى والتشبث بقيمه وأعرافه مهما كانت النتائج التى يقضى اليها ذلك من تزييف الحاضر وسد طريقنا أمام المستقبل.
وأمام الجيل الواعى المستنير فى زماننا الآن يجب علينا أن نلقى الضوء على أفكار الفارس المغوار أبو زيد , ومما ورد بكتابيه " نقد الخطاب الدينى " , وكتابه " التفكير فى زمن التكفير" لنرى كيف حمل هذا الرجل مشعلا ليضئ النور فى ظلمات الكهوف التى عشش فيها البوم والغربان , وضد الجهل والزيف والخرافة" وحتى يعلمون كيف كان هذا المفكر بالنسبة لجيلنا وهو يحمل مشعل الإستنارة ونحن نحارب من أجل حقوق الإنسان القبطى المضطهد فى وطنه
1- فى مقال " الجامعة بين الحفاظ على الثوابت وتحقيق الإبداع " يكتب " أن نظامنا التعليمى الحالى بكل مستوياته من الحضانة حتى الجامعة هو نظام يرسخ بكل قوة وإصرار القيم النقيضة للحرية المطلوبة , فالمعلم لا يعترف بمبدأ النقاش الحر غير المشروط , يعيش فى دائرة مغلقة من الكبت الذهنى والقمع العقلى , ومن الطبيعى أن تحكم الدولة قبضتها الإجتماعية والسياسية والفكرية على مراحل التعليم المختلفة .
2- من مقال " الاستقطاب الفكرى بين الإسلام العصرى وأسلمة العصر فى مصر" الصراع الموجود على الساحة تجلى فى مظاهر عديدة: أولها: - تقديس التاريخ ودراسته بمنهج التوقير فى مقابل منهج التحليل والتفسير والنقد, ورفض علماء الأزهر والاسلاميون فكرة ظهور ممثل فى عمل درامى ليقوم بدور صحابى هذا الإمتناع يؤكد مفهوم التقديس عندهم. ثانيا: مظهر تقديس " الأئمة" واعتبار اجتهادتهم نهائيه وصائبة ومحاربة أية محاولة للتحليل والإجتهاد. ثالثا : المظهر الأخطر " أسلمة المعرفة" وهو المظهر الكاشف عن جوهر الأطروحة " الإسلامية" والمتمثل فى إلغاء العصر والتاريخ والعلم والمعرفة. وهذا يوضح ان التقدم فى الخطاب الإسلامى هو تقدم بالحركة الى الخلف .
3- بالنسبة " لنقد الخطاب الدينى " يرى الباحث أبو زيد " ان الخطاب الدينى المعاصر هو المسئول إلى حد كبير عن حالة التخلف التى يعانيها العالم الإسلامى منذ توقف الاجتهاد وشاع التمسك بالتقليد , وحتى إتهمة –عبد الصبور شاهين- انه ينادى بان الأزهر والتطرف شئ واحد, والخطاب الدينى الرسمى وغير الرسمى هم كهنوت يمثل سلطة شاملة ومرجعا أخيرا فى شئون الدين والعقيدة.بل ان متهمى هذا الرجل المفكر وصلوا الى حد إتهامة انه فى نقد الخطاب الدينى قرر أفكارا مكفرة مثل:
- العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة , والدعوة لرفضهاوتجاهل ماأتت به.
-الهجوم على الصحابة ونعتهم بصفات لا تليق ,
- الهجوم على القرآن وإنكار مصدره الإلهى , والحديث عن أسطورة وجوده الأزلى القديم فى اللوح المحفوظ.
- الدفاع عن الماركسية والعلمانية , والفكر الغارب, ونفى صفة " الإلحاد عنهما".
- الدفاع عن سليمان رشدى وروايته " آيات شيطانية" مع ماتضمنه من عفونة فكرية ونتن أدبى.
ولم يسكت أبو زيد على هذه الإتهامات بل كان لا يهدأ ويكتب المقالات فى جميع الصحف والمجلات, كان مؤمنا بفكره وسلامة عقيدته فلم يأبه لخفافيش الظلمة , ظل يحارب بسيف العقل والبحث, وفى النهاية تمسكا بشريكة حياته , خرج الطائر المحبوس من قفصه وعاش خارج بلده طوال هذا الزمان , وحتى عاد لأرضه ليستريح الراحة النهائية. وداعا شيخ بلدة الفكر المستنير, كنت بالنسبة لنا مشعلا مضيئا , وافكارك مازالت حيه لمن يرغب فى المعرفة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=20066&I=497