مينا فتحي
بقلم: مينا فتحي نبيه
لاشك أن أحداث جريمة "نجع حمادي" قد سلطت الضوء على مشكلة سعى الجميع للتغافل عنها، والكل يرى صوابه في بعض هذا التغافل، وإن كان الإعتراف بالخطأ يفتح الطريق الجاد للحل.
لهذا حدث ما أوصلنا إلى حالة الاحتقان التي وصلنا إليها؛ فلهذا نبحث بين صفحات الماضي لنصل إلى التاريخ التطوري للمشكلة، لنعرف مدى تغلغلها في الجسد المصري للوصول إلى المضاد الحيوي الفعال في العلاج؛ لنضع بعض الثوابت قديمًا وحديثًا، باحثين عن الأمل الذي نعيش لتحقيقه.
• قام "ويصا واصف" بتحطيم سلاسل مجلس النواب التي أُقيمت بأمر الملك "فؤاد الأول"، لفتح القاعة ليجتمع فيها نواب الأمة، ووقف خلفه إخوانه -مسلمون ومسيحيون- أبناء ذات الوطن؛ لأنهم نذروا أنفسهم لقضية عادلة هي الجلاء والدستور، فشعر المواطن أنهم قادته، دون أن ينظروا إلي دين أحد، فعندما تم ترشيحه في دائرة انتخابية كان هو المسيحي الوحيد بها ونجح بها باكتساح.
• عندما حاول مجموعة من المتشددين دينيًا تنصيب الملك "فاروق" بطقوس شبه دينية، رفض زعيم الأمة "مصطفي النحاس" قائلاً بأنه لا قبة إلا قبة البرلمان، ولا دستور إلا دستور 23، ووقف الشعب معه أيضًا في كل انتخابات تتم بقدر من النزاهة، يكتسح فيها الوفد ويشكل الحكومة التي غالبًا ما تُقال بسبب أي خلاف مع الملك أو الإنجليز.
• عندما يؤمن المسيحيون بقضيتهم ويشاركوا بفاعلية في كل انتخابات مصرية، فيكونوا أداةً فعالة في قيادة مجتمعهم، فلم يتقوقعوا داخل دور العبادة -رغم خطأ ذلك- إلا أنه حدث عندما لم يشعر المواطن المصري بأهمية دوره وتأثير هذا الدور في حركة المجتمع.
• عندما أفتدى "سنوت حنا" -بنفسه- زعيمه وزعيم الأمة "مصطفي النحاس" بحياته من خنجر كاد يصيب الزعيم، حينما رفض "سنوت" المشاركة في المؤتمر القبطي الأول، "سنوت حنا" الذي أقام في أسيوط 1911م، تحت إشراف أسرة "سنيوت"؛ فخلد نفسه رمزًا من رموز الوطن.
• عندما لم ينجح أي قبطي –مسيحي- في انتخابات ما بعد انقلاب يوليو، فعُرض الأمر على الرئيس "جمال عبد الناصر" فسأل عن آخر عدد نجح من المسيحيين، وقيل له 9 أو 10 أعضاء، قام بتعيين 10 أعضاء.
ومع كل التقدير لحسن نية الرئيس، إلا أنه غفل أو تغافل أن تماسك المجتمع لا يأتي إلا باختيار المسلم لأخيه المسيحي والعكس صحيح، فبدأ ثاني إنشقاق؛ لأن المعينين -مهما كان مستوى أمانتهم- يكون ولائهم لمَنْ انتخبهم ويستطيع عدم انتخابهم في المرات اللاحقة، فيكون ولائهم للشعب، وهو مالم يحدث منذ هذا التاريخ، وأصبح الولاء لكل رئيس، فاختفت الزعامة الوطنية، بل أكاد أقول أن الوطنية اختفت في حد ذاتها.
• لا أستطيع أن أغفل أن ثورة 1919م، كان يمثل المسيحيين بها 9 أعضاء من 27 عضوًا، أما انقلاب يوليو، فلم يشمل مسيحيًا إلا في الصفوف الأخيرة الغير مؤثرة في القرار، فكان الانقلاب الأول على الوحدة الوطنية.
فبتأميم أراضي ومصانع المصريين، أصبحت الدولة المتحكمة في الأرزاق، وتوزيعها حسب مستوى الولاء، وليست حسب الكفاءة والقدرة الاقتصادية في المشاركة المجتمعية، فضُرب بذلك التيار السياسي المسيحي المصري.
• كما أن الحذف من التعليم، أو ذكر قليل من الفترة النضالية التي ناضل فيها المسيحيون والمسلمون معًا ضد المستعمر، فقضت بذلك جزءًا هامًا من ذاكرة الأمة التي تدفع المجتمع من خلال القدوة والمُثل العليا؛ كنتيجة كراهية النظام للعصر الذي قبله، خوفًا من المقارنة، فتم توجيه التاريخ بصورة انتقائية لتدعيم النظام، فضعفت مواطن القوى والمناعة لهذا الشعب العظيم.
• الفساد الذي جاء نتيجة أهل الثقة؛ لأن الفكر الشمولي المتمثل في الناصرية أو اليسار، الذي هو أرض خصبة لهذا الفساد، وذلك لأن النظام يرى أنه الوصي على الشعب، فيقوم بتدمير فكرة "أن الشعب هو مصدر السلطات" فزاد ذلك من إضعاف المناعة الوطنية لهذا الشعب.
• فمحاولات "السادات" ضرب الفكر الناصري واليساري بتيار إسلامي عنيف ومندفع، له القليل مما يبرره كنتيجة للضغط عليه من قبل السلطة السابقة والنظام السابق، فوأد بذلك ما تبقى من الوحدة الوطنية كنتيجه اندفاع التيار الإسلامي على أرض ممهدة بفساد مستشري ومناعة وطنية مضعفة وكبرياء وطني مشروخ، كنتيجة لنكسة 67، وجاء إنذار تلو الأخر والنظام غير مهتم -باعتبار أن مسيحيو مصر هم الحيطة المايلة- حتى أصبح النظام ذاته جزءًا من هذا التيار أوهدفًا له.
• أما في عصر "مبارك" الذي ورث تركة ثقيلة، رغم ذلك لا أستطيع إغفال بعض رموزه في دعم وتقوية الفتنة بحجة التوازن مع ضرب الإرهاب، مضافًا لذلك بعض الأهداف الشخصية أو المادية أو الشعبوية، فأيدوا وأُيدوا من بعض المتطرفين دفع وبدفع المجتمع المصري ثمنها.
• فمع اغتيال "السادات" تحولت القضية بنوع من "الاستسهال" إلى قضية أمنية بدلاً من وضعها في إطارها السياسي الصحيح، إن كانت قد تطورت سلبياتها بعد أن تدخلت فيها عوامل أخرى -فكر هدام مُمول وهابيًا- وتفهم بعض المشكلات في بعض الدول العربية الشقيقة بفلسطين والعراق والسودان ولبنان والصومال، وفساد وبطالة والمنتشرة في المجتمع المصري، وسوء مستوى التعليم أدى إلى تشابك الخيوط؛ فأصبحت المشكلة أكثر تعقيدًا وأصعب حلاً.
• ومع ثقتي الكبيرة في المستوى الحضاري للشعب المصري، والذي أأمل ببزوغ نجم الوفد من جديد، الذي خبىء لفترة للأسباب التي ذُكرت من قبل، إلا أن المجتمع المصري قادر على إعطاء المجتمع قوة الدفع الذاتي للعلاج.
• وأخيرًا.. يجب أن يعلم الجميع أن الحلول لا تتم بعصًا سحرية، فيجب كي يتعافى المجتمع الذي نحر الفساد والدكتاتورية والسلفية في عظامه، بالتفاف الشعب حول القيادة الوفدية الداعمة لفكر المجتمع المدني في ظل سيادة القانون، غير غافلين تلك الفترة التي أثرت سلبًا في هذا المجتمع، فيستلزم العلاج فترة غير قليلة من الوقت؛ لأن وطننا العظيم خلال فترة ازدهاره كدولة مؤسسات، كانت له مؤسساته الإدارية والتشريعية والأخلاقية، وكانت أغلب دول العالم تعيش على الصيد وقطف الثمار، وإن اختلف أسلوب الصيد ونوع الثمار.
فرسالتي إلى جمهور مصر العظيمة -بصفتي الوفدية التي أفخر دائمًا بها- "أعذرونا بما تحفظون لنا من تراث الوحدة الوطنية، والحرص الدائم على أن يكون الشعب مصدر السلطات، وأن الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة، فيحتاج دائمًا إلى أياديكم؛ لأن يدًا واحدة لا تصفق، وتصفيق الكثير من الأيادي أعلى صوتًا وأكثر تأثيرًا".
http://www.copts-united.com/article.php?A=20077&I=497