عماد توماس
• أباح اليونان التبني لاى مواطن ذكر فيصبح في مكانة الابن له كل الحقوق
• في القانون الروماني كان للابن بالتبني كافة الحقوق الشرعية في ممتلكات أبيه
• اعترفت اتفاقية حقوق الطفل بالتبني في بلد آخر كوسيلة بديلة لرعاية الطفل
• وضعت اتفاقية لاهاي، التزامات قانونية بشأن حماية الأطفال والتعاون في مجال التبني
• يذكر العهد القديم ثلاث حالات من التبني لموسى و جنوبث واستير
• التبني في العهد الجديد روحيا، فالمؤمنين بالمسيح هم أبناء له.
دراسة : عماد توماس-خاص الأقباط متحدون
الجدل المثار مؤخرا حول مواد "التبني" في مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين، ما بين تأييد انجيلى كاثوليكي وتحفظ ارثوذكسى ورفض اسلامى، والصريحات الصحفية حول إصرار الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية على إقرار التنبى في مشروع القانون باعتباره مبدأ مسيحيا وعمل من أعمال الرحمة، وتصريح البابا شنودة بالتحفظ على التبني مراعاة لمشاعر المسلمين.
ونحاول في هذه الدراسة المبسطة، استعراض تاريخ التبني عند اليونان والرومان، وعرض لمواد التبني في بعض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وأخيرا مفهوم التبني في المسيحية ونظرة على نصوص مواد التبني في مشروع القانون.
التبني تاريخيا
- عند اليونان : كان ممكناً للإِنسان في أثناء حياته أو في وصية تنفذ بعد وفاته، أن يتبني أي مواطن ذكر، فيصبح في مكانة الابن له كل حقوقه، ولكن بشرط أن يقبل الابن المتبنى، القيام بكل الالتزامات القانونية والواجبات الدينية التي يلتزم بها الابن الحقيقي.
-عند الرومان : كان للابن بالتبني، في القانون الروماني، كافة الحقوق الشرعية في ممتلكات أبيه، فهو لم يكن يعتبر ابنا من الدرجة الثانية ، بل كان مساويا لسائر الأبناء، وكانت سلطة الأب عند الرومان سلطة عاتية، فكان الأب يمارس على ابنه سلطة شبيهة بالسلطة التي يمارسها السيد على عبده، وكانت إجراءات التبني شبيهة بما كان يجرى عند اليونانيين. وعلى وجه التحديد، كان التبني إجراء به ينتقل الابن من سلطة أبيه الحقيقي، إلى سلطة أبيه بالتبني، وكأنها عملية بيع افتراضية للابن، يصبح بها خاضعاً تماماً لسلطة الأب الذي تبناه.
التبني وجهة نظر حقوقية
اتفاقية حقوق الطفل
بحسب اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25 في 20 نوفمبر 1989، وفقا للمادتين 20 و 21 يجوز التبني وفقا لشروط والتزامات محددة على الدول والعائلات، فطبقا للمادة 20 فان الطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية أو الذي لا يسمح له، حفاظا على مصالحة الفصلي، بالبقاء في تلك البيئة، الحق في حماية ومساعدة خاصتين توفرهما الدولة. وتضمن الدول الموقعة على الاتفاقية، وفقا لقوانينها الوطنية، رعاية بديلة لمثل هذا الطفل.، و يمكن أن تشمل هذه الرعاية، : الحضانة، أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبني، أو عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال. مع مراعاة خلفية الطفل الإثنية والدينية والثقافية واللغوية.
وتضع المادة 21 اعتبارات على الدول أن تضمنها في حالة إيجاز نظام التبني منها :
أ- تضمن ألا تصرح بتبني الطفل إلا السلطات المختصة التي تحدد، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها وعلى أساس كل المعلومات ذات الصلة الموثوق بها، أن التبني جائز نظرا لحالة الطفل فيما يتعلق بالوالدين والأقارب والأوصياء القانونيين وأن الأشخاص المعنيين، عند الاقتضاء، قد أعطوا عن علم موافقتهم على التبني على أساس حصولهم على ما قد يلزم من المشورة،
ب- تعترف بأن التبني في بلد آخر يمكن اعتباره وسيلة بديلة لرعاية الطفل، إذا تعذرت إقامة الطفل لدي أسرة حاضنة أو متبنية، أو إذا تعذرت العناية به بأي طريقة ملائمة في وطنه،
ج- تضمن، بالنسبة للتبني في بلد آخر، أن يستفيد الطفل من ضمانات ومعايير تعادل تلك القائمة فيما يتعلق بالتبني الوطني،
د- تتخذ جميع التدابير المناسبة كي تضمن، بالنسبة للتبني في بلد آخر، أن عملية التبني لا تعود على أولئك المشاركين فيها بكسب مالي غير مشروع،
هـ- تعزز، عند الاقتضاء، أهداف هذه المادة بعقد ترتيبات أو اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف، وتسعى، في هذا الإطار، إلى ضمان أن يكون تبنى الطفل في بلد آخر من خلال السلطات أو الهيئات المختصة.
اتفاقية لاهاي
تضع اتفاقية لاهاي، التزامات قانونية بشأن حماية الأطفال والتعاون في مجال التبني على الصعيد الدولي، ففي المادة رقم 3 يحظر تسليم أو قبول طفل بأي طريقة كانت لغرض من الأغراض التالية:
أ- الاستغلال الجنسي للطفل.
ب- نقل أعضاء الطفل توخياً للربح.
ج- تسخير الطفل لعمل قسري.
د- القيام، كوسيط، بالحفز غير اللائق على إقرار تبني طفل وذلك على النحو الذي يشكل خرقاً للصكوك القانونية الواجبة التطبيق بشأن التبني.
مفهوم التبني في المسيحية
التبني كلمة مترجمة عن الكلمة اليونانية " هيوسيزيا " (Huiothesia) أي "وضعه في موضع الابن ". ولا تذكر هذه الكلمة إلا في العهد الجديد، في خمسة مواضع، وفي رسائل الرسول بولس فقط ( غل 4 : 5، رو 8 : 15و 23و9 : 4، أف 1 : 5 ). وهي تشير إلى الإِجَراء القانوني الذي يستطيع به أي إنسان أن يلحق ابناً بعائلته، ويخلع عليه قانوناً كل حقوق وامتيازات الابن، رغم أنه ليس ابناً بالطبيعة، بل وليس من عشيرته الأقربين.
والتبني يصدر دائماً عن الأب المتبني، فهو الذي يأخذ زمام المبادرة على الدوام. وقد يكون الدافع لذلك هو ملء الفراغ لعدم وجود ذرية تشبع العواطف الأبوية والمفاهيم الدينية، وتحفظ اسم العائلة، أو للرغبة في ممارسة المحبة الأبوية.
التبني في العهد القديم
كانت عادة التبني شائعة بين اليونانيين والرومانيين وغيرهم من الشعوب قديماً، ولكنها لا تذكر مطلقاً في الشريعة اليهودية.
يذكر العهد القديم : ثلاث حالات من التبني هي :
الأولى : موسى، الذي تبنته ابنة فرعون ودعته باسم موسى اى المنتشل قائلة "لأني انتشلته من الماء" ( خروج 2 : 10 ). وعُرف موسى باسم " ابن ابنة فرعون"
الثانية: جنوبث، الذي تبنته خالته تحفنيس زوجة فرعون مصر، ونشأ في بيت فرعون بين أبنائه ( أمل 11 : 20 )
الثالثة: استير، وهى فتاة كانت يتيمة الأبوين و تبناها ابن عمها مردخاي ( استير 2 : 7و 15 ).
ويلاحظ أن هذه الحالات الثلاث لم تحدث في فلسطين بل في خارجها، في مصر وفي فارس، حيث كان التبني أمراً شائعًا. كما لا يجوز للمتبنى أن يتزوج من المتبنى به، فلم يتزوج موسى من ابنة فرعون، ولم تتزوج استير من مردخاى.
وفى شريعة العبد فى العهد القديم عند اليهود، كان من حق العبد أن يتحرر من سلطة السيد بعد خدمته في السنة السابعة من عبوديته أي بعد 6 سنوات ، إلا أن العبد إذا أحب سيده فانه يطلب أن يستعبد نفسه لسيده بمحض إرادته إلى النهاية، فيقدمه سيده إلى الباب ويثقب أذنه، علامة الطاعة الكاملة. لكنه يظل عبدا وليس ابنا. ويمكن للعبد أن يتزوج ابنة سيده (1أي35:2). وألغيت عادة العبيد العبرانيين وحرمت تماماً بعد عودة اليهود من السبي.
إجراءات وشروط التبني قديما
كانت إجراءات وشروط التبني تختلف من شعب إلى آخر. فقد كان التبني عند الأمم الشرقية يمكن أن يمتد إلى العبيد أو الأسرى ( كما في حالة موسى )، وبالتبني ينالون حريتهم. أما عند اليونان والرومان، فكان التبني قاصراً على المواطنين الأحرار إلا في بعض الحالات الاستثنائية.
التبني مسيحيا
في العهد الجديد
يؤمن الفكر المسيحي بان المسيح هو ابن الله الآخذ صورة إنسان. وأنه ولد بقوة الروح القدس من العذراء مريم، وعندما يؤمن الإنسان بالمسيح كمخلص، فانه يصبح ابنا لله-بالمعنى الروحي- فالمؤمنين بالمسيح هم أبناء له.
ومن الإشارات الدالة في العهد الجديد على ذلك، ما أورده البشير يوحنا في الإنجيل عندما قال على فم المسيح " وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" يو 1:12، بالإضافة إلى قول المسيح لتلاميذه " متى صلّيتم فقولوا أبانا الذي في السموات.ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك.لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" لو 11:2. فالمسيحية تؤمن إن كل المؤمنين بالمسيح هم "أولاد" لله بالتبني، ويحق لهم أن يدعوا الله بـ"أبانا".
وفي عظة للسيد المسيح قال: "كنت جوعانا فأطعمتموني عطشانا فسقيتموني كنت غريبا فأويتموني ...الخ فيجيبه الأبرار قائلين يا رب متي رأيناك جائعا فأطعمناك.. الخ فيجيب قائلا الحق أقول لكم بما أنكم فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم " فالتبني هو نوع من أعمال الرحمة وعمل انسانى نبيل.
وفى مثل الابن الضال، يظهر التبني بان يصبح الإنسان مبررا رغم كل ما أخطاءه، وفي التبني تتأكد علاقة الأب بالابن، بوضوح فالتبني لا يعني فقط أن الابن الضال قد عاد إلى بيته مستعداً أن يعترف بأنه ليس مستحقا أن يدعى ابناً، ويرضيه أن يحسب كأحد الأجراء، ولكنه يقابل بالعناق والقبلات، ويرد إلى مركز الابن كما كان قبلاً. فالتبني هنا عمل الأب الكريم وهو يأخذ الابن في حضنه ويمنحه الحرية والامتيازات والميراث.
التبني فى رسائل بولس الرسول
وفى رسائل بولس الرسول، يظهر التبني بصورة أوضح، وهو تبنى بالمعنى الروحي وليس الحرفي، فيستخدم بولس فكرة التبني ليبين أن الله بإعلان نعمته في المسيح، أتى بالناس إلى علاقة الأبناء له، ومنحهم حق اختبار البنوية.
كان الرسول بولس عارفاً بالعادات الرومانية، كما أنه سواء في موطنه في طرسوس المدينة الكبيرة، أو في رحلاته العديدة، عرف عادات الشعوب الأخرى. وهو يستخدم الفكرة مجازياً - أشبه بأمثال السيد المسيح. وفى رسالته إلى المؤمنين فى مدينة غلاطية، يركز بولس على الحرية التي يتمتع بها الذين يحيون بالإِيمان، في مقابل العبودية التي يرزح تحتها الذين يخضعون للطقوس والفرائض الناموسية، وهو ما كان يتعرض له المسيحيون ( 5 : 1 ). فهو يوضح أولاً الفرق بين الناموس والنعمة، فتحت الناموس كانت البشرية مثل العبيد، أما تحت "النعمة" أصبح المؤمنين بالمسيح أبناء. فينتقل الإِنسان من حالة العبودية إلى حالة البنوية التي هي أيضاً حالة الحرية. "إذا لست بعد عبدا بل ابنا..." غلاطية 4 : 7 ، كما يقول بولس أيضا " لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" غل 26:3.
وفى نفس الرسالة إلى غلاطية، يوضح بولس الرسول، الفرق بين من يريدون أن يعيشوا تحت سيادة الناموس، ومن يريدون أن يعيشوا بالإِيمان. وهناك ثلاث صور يتضمنها وصفه للإِنسان تحت عبودية الناموس : صورة عبد، وصورة قاصر تحت وصى معين من الأب، وصورة الابن تحت سلطة الأب الروماني المطلقة ( غل 4 : 1 - 3 ) وعملية التحرير هي قبل كل شيء عملية فداء أو شراء ( 4 : 5 )، وهي عبارة تنطبق تماماً على العبد الذي افتدي من العبودية، والابن الروماني الذي يشتريه أو يفتديه أبوه الذي تبناه من تحت سلطة أبيه الطبيعي. فلم تتغير حالة الابن عملياً بهذا الإِجراء، إنما الذي حدث هو أنه استبدل سلطة أبيه الطبيعي بسلطة أب آخر. والفداء شرط أساسي للتبني، يتم بالإِيمان ويصاحبه إرسال " روح ابنه إلى قلوبنا صارخاً يا أبا الآب " وبذلك يزول كل أثر للعبودية ( غل 4 : 5 - 7 ).
-في الرسالة إلى المؤمنين في مدينة رومية يؤكد بولس على فكرة الخلاص من الدين فيقول " لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله " ( 8 : 14 ). فروح التبني أو البنوية، على النقيض تماماً من روح العبودية ( 8 : 15 ).
التبني في مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين
من المهم أن نؤكد أن التبني هنا لمعروفي النسب وليس لمجهولى النسب، حتى لا يرفض البعض فكرة التبني خوفا من تبنى المسيحي لطفل غير مسيحيا، ووضع مشروع القانون عدة تحفظات إجرائية لتحقيق مصلحة الطفل المتبنى.
فطبقا للمادة 130 : يشترط في المتبنىِ :أن يكون قد تجاوز سن الأربعين، أن لا يكون له أولاد ولا فروع شرعيين وقت التبني.، أن يكون حسن السمعة.
وتجيز المادة 131 أن يكون المتبنىَ ذكراً أو أنثى بالغاً أو قاصراً ، ولكن يشترط أن يكون أصغر سناً من المتبنىِ بخمس عشرة سنة ميلادية على الأقل.
ولا يجوز التبني إلا إذا وجدت أسباب تبرره وكانت تعود منه فائدة على المتبنى. مادة 133، وبرضا الزوجين مادة 135، وإذا كان الولد المراد تبنيه قاصراً وكان والده على قيد الحياة فلا يجوز التبني إلا برضاء الوالدين. مادة 134 ،
إجراءات التبني
- يحصل التبني بعقد رسمي يحرره رجل الدين المختص بالجهة التي يقيم فيها راغب التبني، ويثبت به حضور الطرفين وقبول التبني أمامه، فإذا كان الولد المراد تبنيه قاصراً قام والداه أو وليه مقامه. (مادة 136) ويرفع رجل الدين الذي حرر عقد التبني إلى المحكمة للتصديق عليه بعد التحقق من توافر الشروط التي يتطلبها القانون (مادة 137)
- يخول التبني الحق للمتبنىَ أن يلقب بلقب المتبنىِ ، وذلك بإضافة اللقب إلى أسمه الأصلي.( مادة 138)
- التبني لا يخرج المتبنىَ من عائلته الأصلية ولا يحرمه من حقوقه فيها (مادة 139) ولا يرث المتبنىَ في تركة المتبنىِ إلا بوصية. (مادة : 141) .
خاتمة
كما تابعنا فى هذه الدراسة، كان التبني شائعا عند اليونان والرومان، وإباحة التبني طبقا لاتفاقية حقوق الطفل واتفاقية لاهاي، وأوردنا ثلاثة أمثلة للتبني من الكتاب المقدس فى العهد القديم هم : موسى و جنوبث واستير ، ورأينا عدة إشارات دالة على التبني في العهد الجديد، وهو مفهوما روحيا أكثر منه حرفيا، فكل المؤمنين بالمسيح هم "أولاد" لله بالتبني، ويحق لهم أن يدعوا الله بـ"أبانا". والتبني وهو إِجَراء قانوني يستطيع به أي إنسان أن يلحق ابناً بعائلته، ويخلع عليه قانوناً كل حقوق وامتيازات الابن. لذلك نرى أن التبني عملا اجتماعيا نبيلا من أعمال الرحمة يجب الإصرار عليه فى مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين.
هوامش
• نص مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين
• اتفاقية حقوق الطفل أنقر هنا
• دائرة المعارف الكتابية
http://www.copts-united.com/article.php?A=20220&I=501