هل اشترك "حبيب جرجس" فى وضع لائحة 38؟؟
ياسر يوسف غبريال
بقلم: ياسر يوسف غبريال
نشر موقع الأقباط متحدون خبرًا -نقلاً عن جريدة الطريق والحق البروتستانتية- وكان مفاد الخبر هو وريقة من مجلة قديمة تقول إن أعضاء المجلس الملى فى الدورة التى شهدت إصدار لائحة 1938 منهم الأرشيدياكون "حبيب جرجس".
واستنتجت الطريق والحق إنه بالتالى يكون "حبيب جرجس" قد اشترك فى وضع هذه اللائحة المخالفة لتعاليم الكنيسة. وأكملت الخبر أن اللائحة صدرت فى عهد البابا "يؤانس التاسع عشر"، والذى كان رجلاً عظيمًا..
طريقة كتابة الخبر توحى بأن الأمر مجرد البحث عن موضوع مثير أو خبر لقطة، وكاتبة الخبر هى الصحفية "مريم مسعد صادق"- ابنة الصحفى الراحل "مسعد صادق"، والذى كان يكتب فى موضوعات تاريخية فى جريدة وطنى، وتقوم ابنته بالاعتماد على تراثه ولكن بطريقة انتقائية..ما علينا.
أولاً- كتابة الخبر بهذ الطريقة خطأ؛ لأنه مبنى على الإستنتاج وليس على التحقق. وهناك مصادر كثيرة تكلمت عن لائحة 38، ومصادر أكثر تكلمت عن أستاذنا "حبيب جرجس"، والذى كانت مواقفه معروفة للكل..فقد كان الرجل أشد ما يكون تمسكًا بكل تعاليم الإنجيل، وكان الأفندى الوحيد وسط البكوات والباشاوات فى المجلس الملى، ولكنه كان أكثرهم حبًا للكنيسة، وتمسكًا بتعاليمها..
كان مسئولاً عن لجنة الأحوال الشخصية بالمجلس، وكان متشددًا جدًا فى موضوع الطلاق، مطبقًا تعاليم الإنجيل التى تقضى بإنه لا طلاق إلا لعلة الزنا..وهذا ليس كلامًا مرسلاً- مثلما نشرت جريدة الطريق والحق- ولكنه موثق بكلام "حبيب جرجس" الذى نتنيح عام 1951 ، وما زال العديد من تلاميذه ومعاصريه بيننا..ولعل أشهر تلميذ له على الإطلاق هو قداسة البابا "شنودة الثالث".
وقبل أن نخوض فى موقف "حبيب جرجس" من الطلاق..لابد أن أذكر أن الموقع نقل الخبر عن الجريدة دون تعليق منه، أو استشارة متخصص فى التاريخ لعرض وجهة نظر أخرى؛ لمعرفة هل هذا الخبر الذى قالوا إنه مفاجأة صحيح أم خطأ؟ مقصود أو غير مقصود؟.. وتم ترك الخبر للتعليق، وكان بمثابة القشة التى تعلّق بها التيار الذى يعادى الكنيسة فى كل مواقفها، ويدخل تحت اسماء مستعارة، أو اسماء حقيقة، ولكنه يجد ضالته فى خبر هنا أو هناك، دون تحقيق أو تدقيق. وكانت التعليقات أغلبها هجوم على الكنيسة، وعلى قداسة البابا. وقالوا: ما دام "حبيب جرجس" موافق يبقى لازمن كلنا نوافق..يا سبحان الله. هؤلاء هم أنفسهم من يقولون أن رأى البابا المستند على الإنجيل غير ملزم لهم..الآن يرون أن "حبيب جرجس" فوق النقد..هذا لو كان المعلم الأول فى جيلنا قد شارك فعلاً فى لائحة 38، وهو ما لم يحدث طبعًا..
ودون أن يدقّق أحد فى الخبر، بدأت الإتهامات الجاهزة، ومظاهر النصر العارمة. وهذا يثبت ضعف موقف إخوتنا العلمانيين الذين وضعوا أنفسهم فى مواجهة الكنيسة، حتى ولو حاولوا شخصنة الصراع، وقالوا: نحن ضد البابا وتفسيره للإنجيل..
وانبرى معلق شهير، وقال: طول عمر الكنيسة فيها طلاق..وتقريبًا الأخ ده طول عمره ما قرأ تاريخ الكنيسة..ورغم كل ما نُشر من قوانين للآباء، وحكايات تُثبت إنه لا طلاق إلا لعلة الزنا، لكن تقول لمين..ناس مستحكة آذانهم..واللى يقولك يعنى كل الناس دى مش بتفهم، وكلام سخيف لا يحمل أى قدر من الفكر، أو الهدف سوى الهجوم على الكنيسة..
لا أعلم لماذا جاء فى بالى صورة الرجل الذى بنى بيته على رمل؟! هكذا إخوتنا العلمانيين، يبنون منطقهم على أساسات هاوية تحتاج فقط لقليل من الريح لتنهار..وكأن هؤلاء العلمانيون غرقى يبحثون عن شىء يمسكون به، فوجدوا قشة "حبيب جرجس"، ولكنى أحب أقولهم دى لا قشة ولا غيره..لأن "حبيب جرجس" كان من أشد المعارضين للطلاق إلا لعلة الزنا، وتعالوا بنا فى رحلة فى فكر الأستاذ والمعلم الأول "حبيب جرجس".
فى كتابه القيم "الوسائل العملية للإصلاحات القبطية"، والذى كانت طبعته الأولى عام 1943، يقول أستاذنا "حبيب جرجس" فى صفحات 68 إلى 70، وتحت عنوان "احترام قدسية ناموس الزواج الذى سنه الله منذ البدء ورفعه يسوع المسيح إلى مقام السر، ولم يبح الطلاق إلا لعلة واحدة"، ويقول: إن عقد الزواج عقد أبدى، فلا يقبل الإنفكاك، ولا ينحل إلا فى حالتين: الأولى وهى الموت حكمًا وتقديرًا، والثانية- للعلة التى تدنس السر (علة الزنا).
أظن الكلام واضح جدًا، وصريح جدًا، ولا يحمل أى لف أو دوران، أو أى سبب من العشر حالات التى أباحت فيها لائحة 38 الطلاق، وخلتها سبهللة.
وقبل هذا الكتاب، ولما تعب "حبيب جرجس" مما يجرى بين أعضاء المجلس من الباشاوات، عقد لجنة وأصدر بيانًا باسم (هل من طلاق فى المسيحية؟) رفعه لقداسة البابا الأنبا "يؤانس" فى مارس 1941، أكّد فيه على قدسية السر، وعدم انحلاله إلا لعلة الزنا. ووّقع معه على البيان (25) كاهنًا، وأساتذة الكلية الإكليريكية، ورفعه أيضًا للمجلس الملى الذى دومًا كان يوجّه له الشكر ولا يفعل شيئًا..!! والكلام ده حصل بعد لائحة 38 بحوالى 3 سنوات.. يبقى ازاى "حبيب جرجس" كان موافق؟؟
وقبل هذا وذاك، فى كتاب "حبيب جرجس" الأشهر "أسرار الكنيسة السبعة"، وفى باب "سر الزواج".. صفحات (200-207)، نجده يردد نفس الكلام ويؤكد عليه..
وفى كتابه الجميل الذى طُبع أكثر من عشرين مرة، وكانت طبعته الأولى عام 1948، وهو "الصخرة الأرثوذكسية"، وهو ردود على أسئلة كانت توجّه له فى رحلاته الكرازية فى بر "مصر" عام 1900، يقول "حبيب جرجس" بالحرف الواحد فى صفخة 62 جملة واحدة لا تحتاج لتعليق: "توجد علة واحدة بموجبها تقضى الكنيسة بحل رباط الزيجة وهى علة الزنا ... ". طيب عاوزين إيه كمان عشان تعرفوا موقف "حبيب جرجس"؟!
يبقى كدة "حبيب جرجس" بيقول لا طلاق إلا لعلة الزنا سنة 1900 , 1941, 1943 , 1948. وطبعًا فى عظاته، ومقالاته، ومواقفه كان يؤكد على هذا المبدأ إنه لا طلاق إلا لعلة الزنا..
وفى نفس السياق، كان التعليق على الخبر سببًا أن يُفتى البعض، ويقول: إن البابا "شنودة" وبس هو اللى قال إنه لا طلاق إلا لعلة الزنا.. أقول ارجعوا أيضًا لتاريخ الكنيسة من القرن الأول..ارجعوا لمواقف باباوات الإسكندرية من الطلاق..ارجعوا لقوانين البابا "كيرلس الثانى" (67)، والثالث (75)، والبابا "غبريال بن تريك" (70)، والبابا "مرقس الثامن" (108)، والذى أصدر منشورًا كنسيًا بشأن الذين يطلقون نساءهم لغير علة، ويتخذون زوجة أخرى..
أما فى أيامنا هذه، فقد أثارت لائحة 1938 جدلاً واسعًا، ورفضًا كاملاً من الشعب والإكليروس، وعُقدت عدة مجامع ولجان لرفضها:
- مجمع فى مايو 1945، والذى عقده قداسة البابا الأنبا "مكاريوس الثالث"، وجاء فيه قصر الطلاق على علة الزنا فقط حسب منطوق الإنجيل، وإن القانون الدينى لابد أن تتفق أحكامه مع الكتاب المقدس.
- وعُقدت لجنة مجمعية فى عام 1955 برئاسة الأنبا "أغابيوس"- عضو اللجنة البطريركية وقتها- والتى رفعت تقريرًا إلى "جمال عبد الناصر" لتطبيق منطوق الإنجيل فى موضوع الطلاق، وكان ذلك بعد إلغاء المحاكم الملية..
- اللجنة التى شكلها البابا "كيرلس السادس" 1962، ورفعت مذكرة لوزير العدل وقتها، وكرر طلبه، ورفع مذكرة مفصلة أخرى فى أكتوبر 1967.. وتُعد المذكرة الأخيرة أدبا روحيًا وقانونيًا رائعًا..
ثم أخيرًا موقف قداسة البابا "شنودة الثالث"، الذى تمسك بالإنجيل وتعاليم السيد المسيح، وكان ذلك فى قرار رقم 7 لعام 1971.
أما حكاية قوانين ولاد العسال وغيره، فربما نناقشها فى مقال أخر.
الحقيقة، بعض الناس عندنا بيتعاملوا مع التاريخ بطريقة الفنانة اللى عملت فيلم "امرأة هزت عرش مصر"، والتى زورت فيه التاريخ لدرجة إنها كانت بتنادى على الملك "فاروق"، وتقوله: يا روقة..بعض الإخوة العلمانيين لا يعرفون التاريخ..أو يعرفونه وينكرونه، أو ينتقون منه ما يريدون دون بحث أو فحص، ولكن الحق لا يحتاج لأحد لكى يتكلم ويثبت نفسه..دورنا هو عدم السكوت عن امتهان تاريخنا، أو الإفتراء عليه..
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=20264&I=501