كأس العالم 2010...لمشاهدة عن بعد بانتماء دينى

عماد نصيف

* بعض المسلمين شجعوا  "الأندلس"، و"على مونتارى"، و"سمير خضيرة" العربى المسلم، و"أمريكا الشقيقة" ضد "الجزائر".
* بعض المسيحيين شجعوا "الأرجنتين"، و"البرازيل"، و"المكسيك" لأنهم يرشمون الصليب.

كتب : عماد نصيف- خاص الأقباط متحدون

 انتهت أمس الأول مباريات كأس العالم التاسعة عشر فى "جنوب أفريقيا"، والتى حصلت على لقبها "أسبانيا" أو "الأندلس" كما كان يشجعها البعض فى البطولة، وتحدث الجميع عن الأرقام القياسية التى تحققت فى البطولة، أو عن التنظيم، أو التحكيم وما شابه من أخطاء فادحة، أو تحدّث البعض عن بعض اللاعبين الذين ظهروا بمستوى ضعيف- برغم نجوميتهم العالمية- والذين لم يقدموا شيئًا يذكر لفرقهم، أو عن نجوم كانوا بعيدين عن الأضواء واستطاعوا أن يخطفوا البساط  من تحت أرجل الجميع فى العرس الكروى العالمى.

 ولكن الملفت للنظر فى هذه البطولة هو المشاهد المصري الذى لم يتأهل منتخبه القومى؛ ففقد الإنتماء لأى فريق فى البطولة، ولكنه اختار أن ينتمى إلى شخص بعينه، أو كيان، أو دين.

وعليه، فقد انقسم المصريون إلى مسلمين ومسيحيين فى تشجعيهم للفرق، حيث شجع بعض المسلمين "أسبانيا" على اعتبار إنها "الأندلس"، والبعض شجع "غانا" ليس لأنها الفريق الأفريقى الوحيد فقط، ولكن لإجل أنها تضم فى صفوفها "على مونتارى" المسلم المتدين، والبعض شجع "ألمانيا" لأجل "سمير خضيرة" العربى المسلم، وأما المسيحيون فكانوا يشجعون "الأرجنتين"، و"البرازيل"، و"المكسيك" لأنهم مسيحيون، أو أى لاعب يقوم برسم الصليب.

المصريون يبتكرون طريقة لمشاهدة المباريات
وبعد أن ورثت قنوات الجزيرة حق بث كأس العالم  2010 في  الوطن العربى،  ابتكر المصريون كعادتهم "الوصلة " بـ( 20 ) جنيهًا فى الشهر، والتى تكفيهم لتحقيق حلم مشاهدة المباريات رغمًا عن "الجزيرة"، وأولي الأمر في التليفزيون المصري. وباتت عشرون  جنيهًا شهريًا كافية لمشاهدة (46) فضائية، منهم (20)  قناة على الأقل مشفرة، ويكمل رقم (20) السلسلة؛ لأن وزارة الإعلام قرّرت فجأة دفع مبلغ (20) مليون دولار أمريكي، وحصلت على حق بث (22) مباراة متنوعة من البطولة حتى تساعد فى أن تكون سببًا لسعادة المصريين لمشاهدتهم البطولة.

ورأى "فتحي الجيزاوي"- صاحب مقهى-  أن كرة القدم بالنسبة للشعب المصري بمثابة اكسير الحياة، فقد لا يهتم المصري بأي شىء، وقد لا يحرص على متابعة أي حدث إلا  منافسات الساحرة المستديرة، سواء محليًا أو عالميًا، وكما تعجب من تشجيع المصريين لكل فريق على حسب الدين، فالمسلمون يشجعون فريقًا من أجل لاعب مسلم، ويفرح المسيحى إذا أحرز لاعب هدف ورسم الصليب، موضحًا أن الكرة لم تعد كرة، وإنما تحولت إلى مسجد وكنيسة.

بث بعض المباريات على القنوات الأرضية

 ولأن  الحكومة تدرك مدى شغف الشعب باللعبة الشعبية الأولى في العالم، وترى أيضًا أن السعادة التي  تسببها كرة القدم كافية لنسيان أو تناسي الشعب لمشاكله وهمومه، فقد غضت البصر عن الوصلات التي انتشرت في كل بقاع "مصر"؛  لأنها بكل بساطة مهنة في زمن البطالة، كما إنها تمنح عدد كبير من الشعب فرصة امتلاك عدد من القنوات المحروم منها، فضلاً عن أنها تُستخدم في المقاهي ببعض الأحياء الشعبية لجذب الزبائن لمشاهدة الحدث العالمي. كما أن  قيام الحكومة بالتعاقد على بث بعض المباريات على القنوات المصرية الأرضية، أعطى الشعب فرصة لمتابعة بعض اللقاءات.

 ورأى أحد الخبراء الإعلاميين أن تأخر التليفزيون المصري عن الدخول في المناقصات الدولية الخاصة بنقل البطولات العالمية المختلفة، يحمّل خزينة الدولة الكثير من الخسائر المادية؛ لأن الحكومة تشتري حق البث فيما بعد بأسعار مرتفعة جدًا، مؤكدًا أن إعلامنا مايزال يعيش في زمن الريادة وعنجهية مصر أم الدنيا، ويقف عند التعامل بأسلوب القطاع العام في زمن تفرض فيه السوق شروطها على الجميع، وعلى من يريد التواجد في الساحة الإعلامية أولاً إجادة قواعد اللعبة،  وتنمية مهاراته المهنية والتنافسية.

ماذا يفعل المصريون؟
 وبعد أن فقد منتخب" مصر" فرص المشاركة في كأس العالم الأخيرة بـ"جنوب أفريقيا"، حدد المصريون أهدافهم من البطولة ما بين متعة المشاهدة فقط، أو تشجيع فريق بديل لـ"مصر" في البطولة، وكالعادة هناك "تعاقد بالعشق" طويل الأمد بين معظم المصريين و"البرازيل"، وحسبما أكد "عمر منصور"- طالب جامعي- أن أداء فريق "السامبا" يجعله يستمتع باللعب والمشاهدة، موضحًا أن إنتمائه الكروي أبًا عن جد (برازيلي) حتى النخاع.

أما فريق التانجو – اسم الشهرة لفريق "الأرجنتين" فله جمهوره المتيم بأدائه منذ ظهور الساحر "مارادونا" في ثمانينيات القرن الماضي، وقيادته للفريق القادم من "أمريكا الجنوبية" للفوز بلقب المونديال في بطولة عام 1986 بـ"المكسيك"، والذي أطلق عليه النقاد وقتها فرقة "مارادونا" للألعاب الكروية، كما يرى عدد غير قليل من محبي اللعبة في "مصر" أن "ديجو أرماندو مارادونا" بطل شعبي،  وإنه قادم من دولة ومجتمع فقير مثلهم؛ فعشقوه وتوّجوه زعيمًا لكرة القدم العالمية على مدار التاريخ .

التعصب لـ"الجزائر"!!
هذا وقد شهدت المباريات مواقف تستحق الرصد، فعلى عكس التصريحات الرسمية للدولة المتعاطفة مع "الجزائر"- على اعتبار أنها شقيقة عربية -  والتي ظهرت  في التأكيدات حول الإخوة والعلاقات الوطيدة بين البلدين، إلا أن "طاهر أبو زيد"- نجم "مصر" والنادي الأهلي الأسبق- وضيوفه في برنامج "استاد النيل" الذي نقل الـ22 مباراة- شجّع والغالبية العظمى من المصريين كل منافسو محاربو الصحراء- لقب فريق الجزائر- وكان تعصب المشاهد المصري لفريقي "انجلترا"،  و"الولايات المتحدة الأمريكية" ضد "الجزائر" لافت للنظر جدًا، لدرجة أن الشخص الجالس بجواري على مقهى بوسط القاهرة قال: "أنا لازم أشجع "أمريكا الشقيقة" بتاعت المعونة"، وعند إحراز الفريق الأمريكي هدف الفوز في الوقت القاتل من اللقاء صرخ كل الحضور فرحًا وتهليلاً وشماتة لهزيمة "الجزائر"، بالرغم من أن التعادل كان كافيًا للإطاحة بالفريقين خارج البطولة.

وعلى الجانب الآخر، شجّع البعض "الجزائر"؛ لأنها دولة عربية وإسلامية، كما تشاجر البعض فى نقابة الصحفيين بسبب تشجيعهم لـ"أمريكا" ضد "الجزائر"، وقامت صحفية من صحفيات اليسار بالنقابة بإهانة من يشجع "أمريكا" ضد "الجزائر"، ووصل الأمر إلى التراشق بالألفاظ بينها وبين المشاهدين للمباراة،  برغم إنها لا تحب كرة القدم ولا تشاهدها!!!

الخلاف الكروى بين المصريين والجزائريين
يُذكر أن الخلاف الكروي بين المصريين والجزائرين قديم ومتوارث، ويسبق لقاء "أم درمان" المؤهل لبطولة 2010 الذي جمع الفريقين بأكثر من عقدين.

 وقال "رأفت فكرى"-  محاسب: إنه لن يستطيع أن ينسى ما فعله الجزائريون بالمصريين في كل لقاءاتهم معًا منذ دورة الألعاب الأفريقية بـ"ليبا" عام 1978،  حتى موقعة "أم درمان" الأخيرة في مطلع العام الجاري، مشددًا إنه لا يستطيع أن يقنع نفسه بتشجيعهم تحت بند الدولة الشقيقة أو القومية العربية.

تأييد الفرق الأفريقية
كما التف فصيل كبير أمام شاشات التليفزيون؛ تأييدًا للفرق الأفريقية الأخرى، وإن صدمتهم النتائج المخزية لمعظم فرق القارة السمراء، بإستثناء "غانا" التي جذبت الجماهير حولها، ووصّلت أحلام بعض المصريين إلى حد فوز فريق "النجوم السوداء" بكأس العالم، حيث أن "غانا" كما يراها البعض الممثل الحقيقي للفقراء في البطولة، وخلال مباراتها أمام "الولايات المتحدة الأمريكية" في دور الستة عشر للبطولة، شجّع المصريون "غانا" بجنون شديد، ونسى الناس إنهم منذ أيام قالوا عن الفريق الآخر "أمريكا" الشقيقة، وتذكروا جانبين:
 الأول- إننا و"غانا" ننتمي لنفس القارة، وبها "على مونتارى" اللاعب المسلم المتدين.
 والثانى- أن أمريكا دولة استعمارية تدعم "اسرائيل" وتضطهد الإسلام.

وكان رجل يجلس أمام شاشة التليفزيون مباشرة يصرخ مع كل هجمة لـ"أمريكا": "أنا مش عايز أي أمريكاني يعدي".
آراء مختلفة حول تشجيع الفرق

وبعد خروج "البرازيل"، و"الأرجنتين"- فرسي الرهان حسبما يرى المصريون-  من البطولة، تفرق التشجيع المصري للبطولة بين "ألمانيا"، و"هولندا"، و"أسبانيا".
قالت احدى السيدات: إنها تتمنى فوز "أسبانيا" بسبب حارس مرماها، وقائد الفريق "ايكر كاسياس"، مشيرةً إلى أن ابنها أخبرها أن الحارس الأسباني بعد فوز بلاده بكأس الأمم الأوربية 2008 ، طالب المسئولين الأسبان بإطلاق إسم أمه على أحد شوارع العاصمة الأسبانية "مدريد".

وقالت سيدة أخرى: إنها تشجع فريق "أورجواي" بعدما قرأت في أحد الصحف أن مهاجم الفريق "ديجو فورلان" بعد انتقاله من أحد الفرق في بلاده إلى فريق "مانشستر يونايتد" الإنجليزي، عبّر عن سعادته الشديدة؛ لأنه سيحصل على أموال طائلة بموجب الإنتقال ستمكنه من علاج شقيقته القعيدة. 
 
كما اختلط التشجيع كثيرًا بالوازع الديني؛ فهناك من شجع "أسبانيا" على أساس أنها "الأندلس" - الحلم الغابر-  وهناك من شجع "غانا" لأن بين لاعبيها أكثر من لاعب مسلم مثل "على مونتاري", و"اسامواه"، وكذا "فرنسا". كما تساءل بعض المشجعين: لماذا لا يسجد اللاعبون المسلمون بعد احراز الأهداف.

وعلى الجانب الآخر، شجّع بعض المسحيين فريق "الأرجنتين"؛ لقيام "مارادونا"- المدير الفني للفريق-  بعمل إشارة الصليب قبل المباراة، وكذا فريق "المكسيك" بعد أن علموا عن طريق وسائل الإعلام أن بعثتهم في "جنوب أقريقيا" طالبت بمنحهم حجرة لتحويلها إلى كنيسة، والطريف أن الفرق الأربعة الأخيرة خرجت من البطولة دون تحقيق مراكز شرفية، بل أن الفريق الفرنسي بطل عام 1998 ووصيف عام 2006 خرج من البطولة دون تحقيق فوز واحد، ولم يحرز إلا هدف يتيم.

ويبدو أن البحث عن بطل بديل ينجح في تحقيق انتصار فشل فيه فريقهم كان هو  الشعور الغالب لمعظم المصريين.