سويسرا وأوروبا تتجهان نحو طور جديد في العلاقات الثنائية

swiss info

يوم 19 يوليو، كانت بروكسل مسرحا للقاء سويسري أوروبي رفيع المستوى جمع كلا من هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي (الجهاز التنفيذي للإتحاد الأوروبي) وخوزي مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية ودوريس ليوتهارد، رئيسة الكنفدرالية وشهد ما يمكن وصفه بعملية "دق المسمار الأخير" في نعش المسار الثنائي "العتيق" الذي سارت عليه العلاقات بين برن وبروكسل منذ بداية التسعينات.

هذا اللقاء شهد اعتراف الجميع بوجود ضرورة ملحة لإعطاء بُعد مؤسسي جديد للعلاقات القائمة بين الطرفين لتجاوز الصعوبات القائمة والخروج من الإنسداد الذي باتت تتجه إليه شيئا فشيئا.

هيرمان فان رامبوي شدد على أن "الإتحاد مقتنع بضرورة تطوير العلاقات مع سويسرا على أسس قانونية وسياسية متينة"، فيما أوضح خوزي باروزو أن "الوقت حان لإعطاء دفع جديد لشراكتنا وبحث إمكانية إيجاد إطار مؤسساتي أفقي"، معلنا بالمناسبة عن إنشاء "مجموعة عمل مشتركة" للنظر في المسألة.

دوريس ليوتهارد استدركت على الفور لتؤكد أن المسألة لا تتعلق بأمر مفروض من جانب المفوضية ولكن بقرار اتخذ بموافقة مشتركة، وأضافت أن "النتائج الأولى" لهذا الجهد التفكري ستعرف في ديسمبر القادم. وبالمناسبة، اقترحت الرئيسة السويسرية على محاوريها عقد قمة أوروبية – سويسرية على أعلى مستوى مرة في السنة يُفترض أن يتم إشراك البرلمانيين الأوروبي والسويسري فيها، من وجهة نظر برن.

قصة قديمة
يجدر التذكير بأن فكرة التفاوض على "اتفاق إطاري" بين سويسرا والإتحاد الأوروبي سبق أن لقيت الترحيب في ديسمبر 2008 من طرف وزراء خارجية دول الإتحاد السبع والعشرين الذين قرروا آنذاك إعادة ترتيب علاقاتهم مع سويسرا التي تنظمها اليوم مجموعة من الإتفاقيات الثنائية القطاعية تزيد عن 120 اتفاقا تتسم إدارتها بمزيد من التعقيد والعسر يوما بعد يوم.

وكان الوزراء الأوروبيون قرروا حينها فرض شرطين أساسيين مُسبقين قبل إبرام أي اتفاقيات ثنائية جديدة (في مجالات الكهرباء والزراعة وغيرها) مع برن يتلخصان في قبول سويسرا بالتشريعات وأحكام القضاء الأوروبية الموجودة وإيجاد آليات تسمح بملاءمة الإتفاقيات (الثنائية) مع التطورات التي تشهدها القوانين والأحكام في المجال الأوروبي المشترك من جهة وضمان تفسير وتطبيق منسجم للقانون الأوروبي من جهة أخرى.

هذه المرة، حرصت دوريس ليوتهارد على رسم حدود العملية التفاوضية وقالت: "سنقوم بالتفكير في جميع الإتجاهات حول الأسلوب الذي يتيح لنا إمكانية تبسيط الإجراءات ولكن انطلاقا من مبدئين: وجوب احترام السيادة وحسن سير المؤسسات القائمة".

ومن الواضح أنه لا مجال لسويسرا أن تلتزم آليا بالمقاييس التي يضعها الإتحاد الأوروبي ولا أن تترك للمفوضية الأوروبية لوحدها مسؤولية مراقبة حسن تطبيق الإتفاقيات المبرمة ولا أن تخضع لأوامر محكمة العدل التابعة للإتحاد الأوروبي أو أن تتخلى عن ممارساتها المرتبطة بالإستفتاءات الشعبية. وفي المقابل، تطالب برن بأن يتم إشراكها بشكل وثيق في عملية اتخاذ القرارات داخل الإتحاد.

في هذا السياق، يقترح البعض الإستفادة من الإمكانيات المؤسساتية المتوفرة في "المجال الإقتصادي الأوروبي" الذي يضم دول الإتحاد الأوروبي السبع والعشرين إضافة إلى النرويج وإمارة الليختنشتاين وإيسلندا بعد أن رفضت سويسرا الإنضمام إليه عام 1992. وتتوفر هذه الدول الثلاث على سلطة رقابة تابعة لهم ومحكمة عدل (يترأسها بالمناسبة السويسري كارل باودنباخر).

وبالإضافة إلى هذه المسألة التي أصبحت أشبه بمعضلة "وجودية" في سياق تطوير العلاقات القائمة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، تناولت دوريس ليوتهارد أيضا عددا من المشاكل المحددة مع محاوريها حيث التقت بالإضافة إلى هيرمان فان رومبوي وخوزي باروزو المفوضين الأوروبيين للسوق الداخلية (ميشال بارنييه) والمالية (ألغيرداس سيميتا).

مشاريع ألغيت
وفي هذا السياق تم وضع النقاط على بعض الحروف حيث أطاح باروزو وألغيرداس بمشروع "Rubik" الذي تم تطويره في سويسرا بهدف الحفاظ على
السر المصرفي. ويتعلق الأمر بمقترح يقضي بقيام المؤسسات المصرفية باستخلاص رسوم مُسبقة من المصدر (بشكل لا يكشف عن هوية المودعين) على كافة المداخيل المتأتية من الإدخار التي يحصل عليها مواطنون أوروبيون غير مقيمين في سويسرا ثم تحويل المبالغ المتحصل عليها إلى البلد الذي يقدم منه
المستثمر.

خوزيه باروزو قال بكل وضوح: "إن هدفنا يتمثل في تعميم التبادل التلقائي (أو الآلي) للمعلومات واحتجاز الرسوم من المصدر الوارد في مشروع Rubik لا يتلاءم مع هذا الهدف"، وهو ما ردت عليه دوريس ليوتهارد - التي تأمل في تحقيق الهدف المرسوم من خلال التوصل إلى إبرام اتفاق مع كل دولة على حدة وتجاوز الإتحاد الأوروبي كمجموعة - بالتأكيد على أنه "إلى أن يأتي ما يُخالف ذلك، فإن الإنتقال إلى التبادل التلقائي للمعلومات غير مقبول تماما" بالنسبة لبرن التي تخشى هروب رؤوس الأموال من مصارفها باتجاه هونغ كونغ وسنغافورة.

إضافة إلى ذلك، تثور "تساؤلات" لدى الحكومة السويسرية بشأن مشروع آخر للإتحاد يرمي إلى توسيع مجال تطبيق "مدونة سلوك" الدول السبع والعشرين في مجال جباية المؤسسات الإقتصادية ليشمل سويسرا حيث تساءلت وزيرة الإقتصاد في الحكومة الفدرالية: "لماذا يفترض أن تُصبح مدونة داخلية في الإتحاد خاضعة للتطبيق في سويسرا؟ ".