منير بشاي
بقلم: منير بشاى
عاد ملف خطف الفتيات القبطيات للظهور من جديد. والذى أشعل الفتيل هذه المرة خبر إختفاء السيدة "كامليا شحاتة زاخر" زوجة القس "تداوس سمعان"- كاهن كنيسة مارجرجس بديرمواس فى محافظة المنيا.
حدث ذلك فى يوم الأحد 17 يوليو 2010، وأدى إلى ثورة قبطية على غرار ما حدث فى قصة إختفاء السيدة "وفاء قسطنطين".
تجمع أكثر من ألف قبطى بفناء الكاتدرائية، جاءوا فى أتوبيسات من "ديرمواس" تحمل الكهنة وشعب الإيبارشية، بالإضافة إلى من انضموا لهم من "القاهرة". وقد أعلن الجميع الإعتصام والإضراب عن الطعام لحين معرفة مصير زوجة الكاهن السيدة "كاميليا".
وفى يوم الجمعة، وبعد حوالى خمسة أيام من إختفائها أُعلن عن رجوع السيدة "كاميليا". ولكن الأخبار لم تُعلن بعد عن تفاصيل إخنفاءها، وكيف تم إرجاعها؟
وليس هناك شك أن عملية الخطف لأى فتاة أمر مريع؛ لأنه بحكم التقاليد المصرية الصعيدية هو إعتداء على الشرف والعرض الذى يزود عنه المرء بأغلى ما يملك وهو حياته. ولكن خطف زوجة كاهن أمر يتعدى كل الخطوط الحمراء؛ لأن الضحية رمز دينى له وزنه، وهى لأنها زوجة الأب الكاهن، فهى تعتبر الأم الروحية للشعب؛ حتى وإن كانت فى الخامسة والعشرين من العمر. وعلى ذلك فإن احساس كل قبطى بالنسبة للأمر أنه اعتداء طال أعز إنسان له وهو أمه.
جرائم خطف الفتيات شنيعة؛ لأنها تخلق مآسى لا تنعكس على حياة هؤلاء الأبرياء فقط، ولكن على أسرهن، وعلى الشعب القبطى كله، وتحوّل حياتهم إلى جحيم، وتسبب لهم شعورًا بالمهانة والعار والذل الذى لا يتوقف. هذه المشاعر تجعل الموت أكثر رحمة عليهم؛ لأنه يسدل الستار على المآساة، ويضع نهاية للألم.
والذى يزيد من شناعة المأساة، أنها تبدو مخططًا مستمرًا يُنفّذ بدقة لا تبدو له نهاية. وهذا ما يجعل كل أسرة لها بنات تعيش فى قلق ورعب من إحتمال ما قد يحدث لهن.
ومن أواخر هذا المسلسل قصة إختفاء طفلتين هما "مريم" و"سامرية" فى عمر (١٣) و (۱٥) عامًا، وقد ذهبتا لقضاء إحتياجات الأسرة ولم يعودا. وما يزيد من الإحساس بالظلم، وفى نفس الوقت الإحساس بالعجز عن عمل شىء، وخيبة الأمل والثقة فى رغبة السلطات فى بذل مجهودات حقيقية جادة لتحديد مكان هؤلاء الفتيات وإرجاعهن لأسرهن.
ولا يبرّر المأساة الإدعاء أن هؤلاء الفتيات أو بعضهن قد ذهبن بإختيارهن الحر؛ لأن العملية كلها محاطة بالريبة وسوء النية، وتفتقر إلى العدل والشفافية. ونحن نؤيد حق كل إنسان إختيار العقيدة التى يريدها، ولكن بعد توافر أركان هامة تضمن عدم إساءة إستخدامها:
أولاً: ضمان أن الحرية لا تتجزأ، بمعنى أنه يجب أن تُمنح للجميع بدون تحيز، فإذا قبلنا مبدأ أن الفتاة المسيحية تستطيع أن تهرب مع شاب مسلم وتتزوجه بناء على رغبتها الحرة، كذلك يجب أن ينظر بنفس القبول للفتاة المسلمة التى تهرب مع شاب مسيحى لتتزوجه. وإذا كان المبدأ غير مقبول فى الحالة الثانية لأنه يتصادم مع مبادىء الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُقبل فى الحالة الأولى لأنه يتصادم مع مبدأ المعاملة بالمثل، بالإضافة لأنه أيضًا يتعارض مع العقيدة المسيحية التى تُحرّم الزواج مع المخالفين فى العقيدة.
ثانيا: أن الكثير من هؤلاء الفتيات قُصّر، بمعنى أنهن فى سن لا يسمح لهن بإتخاذ قرار الزواج أو تغيير الدين. بعض هؤلاء الفتيات فى سن الثالثة عشر، والخامسة عشر كما فى حالة الفتاتين "مريم" و"سامرية". فكيف يتم كسر القانون تحت سمع وبصر أجهزة الأمن دون مساءلة أو ردع؟!!
ثالثا: هذه الزيجات الناتجة عن الخطف قد تكون نتيجة عواطف غير ناضجة من مراهقين، ويجب أن لا تتم قبل تقديم المشورة لتفادى النتائج المأسوية التى يمكن أن تنتج عنها. ويجب التأكد من عدم وجود محاولات للخداع والتغرير بهؤلاء الفتيات.
رابعا: يجب التأكد من أن الفتيات قد أقدمن على هذا العمل فى ظروف طبيعية، وليس كنتيجة هروب من ظروف صعبة فى أسرهن. فمثلاً هل كن يواجهن قسوة فى المعاملة من الأسرة؟ هل كانت هناك ظروف مالية صعبة أرادن الهروب منها؟
خامسا: إذا كان هدف هذا الحوادث هو تغيير الدين، فيجب أن يكون هناك جلسات نصح من متخصصين تُقدّم لهؤلاء الفتيات للمساعدة على الفهم الصحيح للعقيدة، وإدراك التداعيات الخطيرة التى تتعلق بالقرار، ويساعدهن على إتخاذ القرار السليم عن وعى وإدراك. ولا يجب التعجيل بتغيير الدين، وتغيير الأوراق الثبوتية فى ساعات بالنسبة للمسيحيين الذين يسلمون، بينما المسلمين الراغبين فى ترك الإسلام ينتظرون سنوات لتغيير أوراقهم، ولا ينجحون فى ذلك.
نحن أمام مشكلة حقيقية خطيرة ومعقدة. والنظرة التقليدية للمشكلة من جهة الدولة تميل إلى إنكار وجود المشكلة، والإدعاء أن جميع الحالات هى لفتيات ذهبن إلى الإسلام بمحض إراداتهن. ونحن نؤيد حرية الجميع فى اعتناق الدين الذي يروه.
والأدلة قوية التى تثبت وجود جماعات تستهدف الفتيات القبطيات بغرض تحويلهن للإسلام. وقد اعترف بتفاصيلها شاب متحول للمسيحية فى كتاب مذكرات شيطان، وكيف كان يجند من قبل هذه الجمعيات بإيقاع الفتيات القبطيات بتمويل من دول الخليج تدفع الآلاف من الجنيهات لكل من ينجح فى إيقاع فتاة مسيحية، والثمن يتفاوت طبقا لقيمة الضحية، ومركزها الإجتماعى.
وقد إعترف د. "مصطفى الفقى" فى مقال بجريدة الأهرام بتاريخ ٧ يناير ٢٠٠٨بالمشكلة، عندما روى قصة فتاة مسلمة أحبت زميلها المسيحى، وسافرت معه إلى "قبرص" لتعتنق الدين المسيحى وتتزوجه. وقال أنه التقى بأبيها الذى قال له، وهو يبكى: إنه يتمنى أن يرى ابنتها هو وأمها مرة واحدة قبل أن يفارق الحياة.
ويضيف الدكتور "الفقى": إن قصة تلك المأساة الإنسانية يقابلها على الجانب الآخر عشرات الحالات من خطف الفتيات القاصرات من بعض الأسر المسيحية، ويواجه ذووهم ذات المشاعر الحزينة التى أصابت ذلك المسلم.
ويضيف دكتور "الفقى": إن هذه أمور مزعجة للغاية وتدعو للقلق؛ لأن معناها أن المناخ غير صحي، والأجواء غير مواتية، وسحب التعصب، وإزدراء الأديان، واستخدام الإنتقال بينها لأغراض ذاتية تمثل كلها مخاطر تهدد مسيرة الوطن واستقرار مستقبله.
ونحن نشارك الدكتور "الفقى" قلقه، بل ونتعاطف مع مشاعر أسرة الفتاة المسلمة. ولكننا نعلم أن هذه الفتاة المسلمة لو كانت تعيش فى "مصر" لما سمحت لها الدولة أن تترك دينها، أو أن تتزوج الشاب المسيحى. ولو حدث ذلك بطريقة ما، لكنا نرى محاكمات وعقاب مشدد لمن اشتركوا فى هذا العمل. هذا مع أن الفتاة المسلمة بالغة السن، وقد اتخذت قرارها بمحض إرادتها. ولكن فى الحالات القبطية التى أشار إليها د. "الفقى" كان يتكلم عن فتيات قاصرات، ليس لهن صلاحية قانونية لإتخاذ هذا القرار. وهناك إعتقاد إنهن أُجبرن على ذلك، أو تم إغرائهن والتغرير بهن.
إنها مسئولية الدولة أن تحمى الفتيات القبطيات. ولكن موقف الدولة التقليدى يثير الشك أنها إما ضالعة فى المأساة، أو أنها عاجزة عن القيام بدورها فى حماية الفتيات الضعيفات من الذئاب الخاطفة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=20703&I=514