سامى إبراهيم
بقلم: سامي ابراهيم
عندما تقتل فارسًا بطلاً وتنتصر عليه، قف وحييه، احترم شجاعته، قدّس إيمانه بمبادئه، لا تنكّل بجثته وترميها لتأكلها وحوش البرية، لأنك بذلك تفقد احترامك لذاتك، ولإنسانيتك، ولقضيتك التي تؤمن بها.
أباد الأوربيون الهنود الحمر في "أمريكا"، واستوطنوا أرضهم قبل خمسمائة عام، لكنهم بالمقابل اعترفوا أولاً بالمجازر التي ارتكبوها بحق الشعب الأصيل، وثانيًا اعترفوا بالهنود الحمر كشعب أصيل وأصحاب الأرض الأصليين، ودائمًا ما يُذكّرون العالم بأنهم ارتكبوا المجازر كنوع من التكفير عن الذنوب، وقد وضعوا بعض أسماء أسلحتهم الحديثة بأسماء القبائل الهندية، كسلاح "التوماهوك"، و"الأباتشي"، وغيرها. كما أنهم وضعوا تماثيل لزعمائهم الروحيين في الساحات العامة في مختلف المدن والولايات الأمريكية، إلى جانب عظماء أمريكا، كإعتراف حقيقي منهم للهنود الحمر على أنهم سكان البلاد الأصليين، واحترامًا لثقافة هذا الشعب الذي أبادوه ومحو ثقافته عن الوجود.
ولأن الأوربيين في النهاية شعب حضاري، ولأنهم شعب عريق، فقد اعترفوا بما اقترفوه، رغم أنهم جعلوا البلد الذى احتلوه (أمريكا) قائد للعالم، بعد أن كان مخفيًا وراء المحيطات لمئات السنين، فهم لم ينكروا في يوم من الأيام حقيقة ما جرى.
الأوربي لم يخجل من أنه ليس لديه حضارة في "أمريكا"؛ لأنه صادق مع ذاته، الأوربي لم يخجل من أنه ليس لديه حضارة في "أمريكا"؛ لأنه يملك هذه الحضارة في "روما" و"أثينا" و"ميونخ" و"لندن" و"دبلن" و"باريس".
بينما من يشكك ويخمن بتاريخ الشعب الكلداني السرياني الآشوري هو إنسان مفتقر للحضارة، وهو إنسان يخاف من انهيار القناعات التي يحيا بها ويربي أولاده بها. من لا يعترف بالشعب الكلداني السرياني الآشوري كشعب أصيل لأرض الرافدين، هو رجل يهزأ بصوت الوجدان، ويسخر من فلسفة الضمير. من يطمس حضارة الشعب الأصيل لأرض الرافدين، هو أقبح الضعفاء، جبان، يخاف من نفسه، ويجزع من شناعة أعماله، ويخشى أن تظهر قباحة عريه أمام الحضارة وأمام التاريخ.
من يشوه تاريخ الشعب الكلداني السرياني الآشوري، هو إنسان يشوّه الحقائق كي يبدو على حق، خاصةً عندما يكون مخطئًا. إنه يكذب ليحجب نقائصه عن أعين الآخرين ويؤثر فيهم، ويحرف الأحداث كي يحفظ ماء وجهه، ويقلل من حجم الآلام إلى أدنى حد؛ كي يحمي نفسه.
من يشوّه تاريخ الشعب الكلداني السرياني الآشوري، هو مثال لإنسان صعب عليه أن يصحح كذبة تفوه بها، خاصةً وأنه كان قد أنكرها. وكلما استمر في إنكار كذبه ما، كلما زاد تصديقه لها. من يشوّه تاريخ الشعب الكلداني السرياني الآشوري هو إنسان لا يحترم ثقافة الآخر، هو إنسان تعوّد أن يفرض ثقافته بالقوة، تعوّد ألا يحس بآلام الآخرين، تعود أن يقهر ويطمس ويشوّه ويكذب.
طريقة تفكير العقل الألماني، والعقل الأمريكي، والعقل الفرنسي، والعقل الانكليزي، هي طريقة تؤدي إلى بناء إنسان يحاسب نفسه قبل العمل وبعده، وهذا ما يجعل الغربي يحكم العالم، وهذا ما يجعله أكثر الناس وعيًا وأنضجهم وأفضلهم عملا، ويجعله رائدًا في صناعة الحياة التي نحيا في نعيم إنجازاتها. بينما طريقة تفكير العقل الشرقي، هي طريقة تؤدي إلى بناء إنسان لا يحاسب نفسه لا قبل العمل ولا بعده؛ لذلك فهو لا يستطيع أن يقدم للحضارة شيئًا، لأنه لا يتخيل نفسه مخطئًا، تحوّل إلى آلة عمياء، عقله حجر، قلبه حجر، روحه حجر، لا يبدع ولا يقدم ولا ينجز، ولذلك فهو يعيش حياته في الفقر والجهل والتخلف والبؤس والمرض.
هنا تستطيع أن تميز الإنسان الحضاري من الإنسان اللاحضاري، هنا تستطيع أن تثق بما يقدمه من حقائق، هنا تستطيع أن تقول عن الغربي أنه صادق عندما يتحدث عن أصل الشعوب. الشرقي لا يعرف كيف يتحاور، لا يعرف كيف يخرج من نقاش وفي جعبته ذرة اقتناع من أن الذي كان يناقشه من الممكن أن يكون في وجهة نظره شيء من الصحة.
الشرقي لا يمتلك ثقافة السلام الذاتي، حتى لو أنه أدان الإرهاب والتطهير العرقي، والتعصب الثقافي والديني، والإبادة والإستعباد، حتى لو تحدّث بها فهو لا يعيها ولا يدركها، ولا يستوعب حدودها، ولا إمكانية تطبيقها.
الشرقي يظن أن الأخلاق دفتر تُدوّن به النصائح والإرشادات، لا يمكن له أن يدرك أن الأخلاق هي تعبير عن مثل أعلى يستولي على عقل الإنسان وقلبه، وترفعه بالتجرد عن الذات للأعالي، ليجعل لحياته قيمة ويضفي على روحه جمالا أخاذًا براقًا يشع عندما تظلم الدنيا. كل أخلاق سليمة تخضع لقانون من قوانين "يجب عليك" و"لا يجب عليك"، وهذه القوانين تخضع دائمُا لواحدة من وصايا الحياة، وبهذا الخضوع يتم استبعاد عائق معين في طريق تقدم الحياة، بينما الأخلاق غير السليمة تسير ضد غرائز الحياة، بل حيث تبدأ هذه الأخلاق بالظهور، ينتهي أمر الحياة. قانون اسمه "يجب عليك" وقانون اسمه "لا يجب عليك"، هذا ما يعجز الشرقي عن فهمه واستيعابه.
المُثَقّف الشرقي يتناول موضوع الهوية بطريقة عدائية تخلو من احترام الذات. فبدل أن ينمي هؤلاء المثقفون الإيمان بقدرات شعوبهم على العمل، واستغلال طاقاته بما ينفع البشرية جميعها، مع تغليب قيم الإنسانية والعدل، نراهم يسترسلون في شرح نظرية التآمر لدى شعوبهم، مرسخين فكرة أن العالم كله يقف ضدهم ويريد نهب ثرواتهم وسرقة مواردهم.
لا يمكن له أن يتخيل أن الدفاع عن هويته الخاصة معناه احترام الحضارات الأخرى وتنوعها، ولا يعني العداء لها، أو الوقوف ضدها، بل هو اغناء لحضارته هو قبل الحضارات الأخرى.
الشرقي إنسان مُستعبَد، فعقله وروحه وكيانه كلها مستعبدة، عليه أن يناضل في كل مرة ليكسر قيود عبوديته، عليه أن يتعلم كيف يسير حرًا في حياته. عليه أن يملك الإرادة لأن الإرادة هي الحرية ذاتها، ومن الحرية تصدر تصرفات الإنسان المميزة له بوصفه إنسانًا.
ولكي يملك الشرقي الإرادة ويتحرر من عبوديته، عليه أن يفكر من جديد، فالتفكير هو تحويل موضوع خارجي إلى صورة عقلية، وبالتفكير يصير كل شيء متجانسًا، عقليًا. والمشكلة هي أن الشرقي يعتبر الفكر ملكة خاصة مستقلة ومنفصلة عن الإرادة، ويعتقد أن الفكر مضر بالإرادة وبذلك يكشف عن ضعفه التام بطبيعة الإرادة.
إذا كان لدينا مشكلة وبدا حلها مستحيلاً، فذلك لأنه في الغالب لم يتم فهم هذه المشكلة فهما صحيحًا، وبالتالي لم يوضع لها حلا صحيحًا. وهذا يصح على مشكلة الشرقي، لذلك فالواجب على من يتحكم في زمام الأمور أن يضع منهجًا يُلزم الشرقي بتنفيذ قواعده، عليهم أن يضعوا وضعًا علميًا دقيقًا يحل مشكلته.
من شأن هذه المناهج أن تعلم الشرقي كيف يرى، كيف يفكر، كيف يتكلم، وكيف يكتب، وكيف يقرأ. عليه أن يتعلم الإحاطة بالجزء ليفهمه أكثر وليستوعبه أكثر. عليه أن يبدأ دراسته في المدرسة الإبتدائية التمهيدية الأولى لمدرسة العقل، ليترقى في صفوفها ويصل كلياتها، ويتخرج منها بتفوق، في ذلك الوقت سيتعود ألا يستجيب دائمًا للغرائز، بل سيوجهها بما يخدم عقله، ويخدم إنسانيته وتقديمه لهذه الإنسانية، وعندها بالذات سيجد جميع الناس مرغمين على الإستجابة لنشاطه العقلي والفكري، وسيبدأ غزوه الثقافي لبيوتهم ولمدارسهم وجامعاتهم، لتبدأ عولمته هو ويصبح فاعلاً في التاريخ الحديث، وفي بناء الحضارة الجديدة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=20716&I=514