نبيل المقدس
بقلم : نبيل المقدس
مرة واحدة ... فوجئت بأنني لي إشتياق أن اقوم بتنظيف حجرة المكتب مكانى الوحيد الذي اجلس فيه بعد رجوعي كل مساء من عملي . فكان اول شيء يهمني قبل التنظيف هو ارجاع كل الكتب إلي مكانها في المكتبة , حيث انني كثيرا اتناول كتاب من علي رف المكتبة وابقيه خارجا حتي ولو انتهيت منه . وبينما انا متحمس هذه المرة في تنظيم المكتبة , وبعد ما أحضرت ادوات التنظيف من مكنسة ومنفضة والذي منه , إذ تقع عيناي علي كشكول قديم كنت ادون فيه بعض القصص او المقالات من الكتب التي كنا نتبادلها أنا وأصدقائي . وفتحت صفحاتها الأولي ولمحت قصة تحت عنوان " علامة الصليب", وكالعادة تركت كل شيئ وجلست علي المكتب اقرأ القصة مع أنني قرأتها مرات من قبل .. و بالرغم أنها مشهورة و تم علاجها في كثير من الأفلام .. لكنني احببت ان اشارككم معي هذه القصة وخصوصا نحن الآن نواجه عواصف شديدة والتي تتمثل في إغراءات العالم وملذاتها , وبدأنا فعلا نتوجه وراء سلطان العالم , حتي اننا تركنا التركيز علي من فدانا والذي يعطي الراحة الروحية والجسدية , وأعتمدنا علي وضع قوانين من أنفسنا واهمين انها هي الحل الوحيد . اتمني في وسط هذه العواصف ان نقرأ هذه القصة لكي نتعلم عظمة محبة الرب التي تجعلنا نترك العالم لكي نذهب إليه طواعية , ونترك نزاعاتنا العائلية , وندحر هذه الحلول الشيطانية والتي هي اصلا من عمل سلطان العالم , ونبتعد عن طرق التحايل علي فكر الله قانعين انفسنا ان هذه الأمور تُرضي الله , وهو بعيد كل البعد عنها ..... !
أحداث هذه القصة في القرن الثالث الميلادي , بعد ما تولي الإمبراطور جاليوس الإمبراطورية الرومانية خلفاً لداسيوس الذي كان يضطهد المسيحيين في كل أنحاء الإمبراطورية , لكن عندما جاء جاليوس أقام هدنة سنتين بشرط أن كل من اساقفة الكنائس وقساوستها وشمامسها , ومجالس الشيوخ , ينقضوا عقيدتهم المسيحية وإلا يتم اعدامهم ... فقد رأي جاليوس أن أعمال قتل المسيحيين التي نفذها من قبله داسيوس لم تؤدي إلي نتيجة , ففكر أن يقتل زعماء الكنيسة نفسها . لكن استغل المسيحييون هذه الهدنة , وبدأوا يتحركون أكثر في جذب الكثير من الشعب الروماني ... وكان من ضمن الذين عرفوا المسيح فتاة تُدعي ( كــامي ) , إبنة تاجر جلود ويُعتبر من اثرياء القوم . لكنها دخلت في المسيحية واندمجت في الأعمال الخيرية ومساعدات الاسر الفقيرة , وأخذت تتعمق في كلمة الرب بطريقة جيدة جدا , مما جعلها تكرز بالبشارة بين هؤلاء الفقراء , حتي أنها بدأت تتواصل في الكرازة مع اغنياء الإمبراطورية . واشتهرت ( كــامي ) بجمالها الروحي ووجهها الجميل , ورقتها . وبالرغم من وجود الهدنة إلا ان جاليوس الإمبراطور أمر بإلقاء القبض عليها لمحاكمتها لأنها كسرت اوامر الإمبراطور ورفضت إطاعة السجود أمام الاصنام .
باتريوس ... ظابط شاب من بين مجموعة المكلفين للقبض علي ( كـامي) ... عندما رآها ليمسك بها , بهرهُ جمالها , وروحها الطيبة , فأحبها جدا , نظرت إليه بعيونها المملوءة نعمة , وابتسمت له , فقد حزنت ان تري هذا الشاب الوسيم الطموح والذي احست بأنه أول شاب دق قلبها له أن يكون وقودا لنار الأبدية ... ولم تنكر انها أحبته من كل قلبها . تعلق بها هذا الشاب , وإندهش ان يراها بهذه الصلابة والفرحة , فتعلق بها أكثر لأن هذا التصرفات التي ظهرت عليها هي دليل الشجاعة , وسأل نفسه ... كيف تكون مثل هذه الحمامة الوديعة بهذه الجرأة , ولم يظهر عليها علامات الخوف أو الإستجداء بأن يتركها ... اصبح الشاب يزورها يوميا في محبسها لحين محاكماتها , فنما قصة حب قوية بينهما . وبدات هي تحاول ان تشرح له من هو المسيح , لكن الوقت لم يسعفها ... وصل خبر هذا الحب إلي السلطات العليا , فاحضروه وعرضوا عليه ان يحاول استدراج محبوبته لترك مسيحيتها في مقابل زواجه منها ويعيشا في إحدي البيوت الموجودة في أرقي احياء روما .
فرح جدا باتريوس وصمم ان يذهب إليها لكي يبشرها بهذا الخبر .. لكن توقف فجأة .. فأخذ يفكر في كلام رؤسائه , وقال لنفسه : انا متأكد انها سوف ترفض ... شخصية بهذه القوة والإصرار وتحدياتها لأكبر قوة عسكرية في العالم , سوف لا ترضي أن تخضع لهم بهذه السهولة ... سوف لا ابلغها بالشرط بل اخبرها انهم سوف يحررونها لكي تصبح زوجة لي . وصل لمحبسها , فقابلها وبشرها بالخبر ... إندهشت جدا ... لكنها قابلته بالرفض , لأنه غير مسيحي , وفي نفس الوقت لا تستطيع ان تجبره أو تضغط عليه أن يصير مسيحيا خوفا عليه , كما انها ترفض ان ياتي إلي المسيحية بدون معرفة كاملة عن شخص المسيح . واصرت علي مبدأها ... وخرج حبيبها منكس الرأس وحزينا جدا ... لأنه فكر في مركزه وفي الرتبة التي سوف ينالها عن قريب. وصمم أن ينقطع عنها ويطلب من السلطات ابتعاده عن مهمة الإشراف علي محبسها .
ابلغ السلطات برفضها الزواج منه وأن الخطة قد فشلت ... فصدر قرار فوري بدون محاكمة بإعدام ( كامي ) ... وبعد شهرين جاء وقت الإعدام ... تلفتت يمينا وشمالا لكي تري حبيبها النظرة الأخيرة , لأنه غاب عنها وقت طويل .. فلم تجده ... كان ترتيبها الثاني في عملية الشنق ... فإنتظرت دورها بشجاعة ... وعندما إنطلق صوت المحقق بإعلان اسم الشخص الأول الذي سوف يتم فيه الإعدام , صرخت فجاة صرخة مدوية , واندفعت نحو هذا الشخص " باتريوس .... باتريوس , فقد عرفت أن هذا الشخص هو حبيبها الظابط ... إلتفت إليها وقال لها بصوت عال : إني لم أعرف المسيح الذي عرفتيه ... لكني عرفتك , ولم أحب المسيح الذي أحببتيه ... لكني أحببتك , لذلك سأذهب معك حبا في حبيبك ...!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=20937&I=520