الكاتبات السعوديات يخرجن من العزلة ويقلبن الطاولة على التقاليد

إيلاف

يبحثن عن حقوق المرأة في المواطنة وحرية الرأي

* بدرية البشر: وثريا الشهري وسمر المقرن ونادين البدير، وحسناء القنيعير نجمات صحافة الرأي
* حليمة مظفر: الكتابة النسوية أثرت في الكتاب السعوديين ورفعت من مستوى الجرأة لديهم.
* ثريا العريض: المرأة اليوم تكتب بجرأة أكثر لأنها واثقة مما تقول.
* اعتدال عطيوي: المرأة مصممة على أن تحقق ذاتها كشريك متكامل مع الرجل.
* عالية فريد: من الخطأ أن نبقى في مرحلة تخلف عن المتغيرات العالمية.

تشهد الصحافة السعودية في السنوات القليلة الماضية ظاهرة على قدر كبير من الأهمية، تتمثل في هذه الكتابات النسوية الجريئة غير المسبوقة التي تتساءل عن وضعية المرأة السعودية، وقضاياها، وحقوق المواطنة والمساواة، والخروج من ربقة القيود الذكورية التي فرضت عليها في التعليم، والتوظيف، والمشاركة في الراتب من قبل الأب والإخوة، كما فرضت عليها في الميراث، وفي الخطبة، والزواج، والمهور والسفر والترحال، هذا فضلا عن قيود الملابس والأزياء، وغطاء الوجه والرأس، ومنع الاختلاط، ومنع ممارسة الرياضة، والفن، والغناء، والموسيقى، وقيادة السيارات.
  كانت الإشارات الناقدة قبل أكثر من عقد مخبوءة وراء سطور نص قصصي لبدرية البشر في قصة أو أكثر من مجموعتها:" مساء الأربعاء" أو في قصص لأميمة الخميس في " مجلس الرجال الكبير"، أول نورة الغامدي في " عفوا لا زلت أحلم"، أو في مشهد ما من مشاهد:" نساء على خط الاستواء" لزينب الكاتبات السعوديات يخرجن من العزلة ويقلبن الطاولة على التقاليد حفني" النصوص المخبوءة لا يقرأها سوى نخبة المثقفين والمثقفات، ولم تكن تصل للقارىء العام.
 
وباستثناء بعض كتابات خيرية السقاف، ومن بعدها جهير المساعد، ووجيهة الحويدر، كانت الزوايا الصحفية التي تكتبها المرأة السعودية أكثر استئناسا وأكثر ألفة وأكثر رومانسية، زوايا صحفية من أجل الحضور فحسب، كما لدى شريفة الشملان، وفوزية البكر، أو نجوى هاشم، أو هيام المفلح، أو ندى الطاسان، أو هدى المعجل، أو سحر الرملاوي، أو منال الشريف، أو انتصار العقيل، أو نبيلة محجوب، أو فاطمة العتيبي، أو نورة السعد على سبيل التمثيل.
كتابات وخواطر وجدانية عامة، لا تسهم في طرح قضية، أو استشراف مسألة من المسائل، أو طرح رأي أو فكرة في معظم الأحيان.
  واليوم اختلفت أغلب مضامين هذه الزوايا جذريا، كما اختلفت المضامين التي تطرحها كاتبات الرأي في صفحات الرأي. صارت المرأة السعودية أكثر جرأة في طرحها، وفي تصوراتها، وفي أسئلتها الجديدة التي تغاير عما اعتاده المجتمع السعودي من حالة إيلاف مع المرأة المستأنسة،. تمردت المرأة على مقولة:" الدرة المصونة والجوهرة المكنونة" وباتت كلماتها تضرب في صميم المسألة الاجتماعية والإدارية والثقافية والاقتصادية، وحفزت الغيرة النسوية من شهرة بعض الكاتبات وتداول أسمائهن إعلاميا وثقافيا واجتماعيا وحتى دينيا في المنابر والخطب، وفي ردود فعل بعض مقالات المتزمتين في الصحافة والمنتديات والمواقع الالكترونية، والصالونات الثقافية، حفزت هذه الغيرة الكاتبات الأخريات ممن قبعن في الحالة الوجدانية الرومانتيكية كثيرا إلى التقدم لقراءة قضايا الشأن العام: ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية.
 
ومن ينظر إلى كتابات كل من: فوزية أبو خالد، ثريا الشهري، لطيفة الشملان، حسناء القنيعير، هتون الفاسي، بدرية البشر، ميسون الدخيل، أميرة كشغري، مرام مكاوي، نادين البدير، سمر المقرن، حليمة مظفر، ليلى الأحدب، على سبيل المثال يجد نوعا من الجرأة الكتابية - غير المسبوقة في تقاليد الكتابة النسوية في المجتمع السعودي- التي تناقش كل ما يتعلق بقضايا المرأة ووضعها الاجتماعي، فاليوم تنتقم النساء لنفسها، بعد أن صمتت زمنا ليس بالقصير في خدور العزلة، زمنا أكملت فيه أبعادها الإعلامية والأكاديمية، والمعرفية، ولكنها لا ترد الطعنات بالطعنات – بحسب التعبير النزاري- بل بالفكرة، والسؤال، وجدة الطرح.
تقول حليمة مظفر: هنالك إلحاح ملحوظ من قبل الكتاب والكاتبات السعوديات على الإصلاح الفكري والاجتماعي، وتناول مختلف القضايا التي تخص المرأة والمجتمع.
  وتتسم أطروحات الكاتبات السعوديات بالجرأة أكثر من الكتاب، وقد بدأت هذه الظاهرة تحديدا منذ العام 2007 حيث بدأت الكاتبات في معالجة القضايا الاجتماعية خاصة وأن هذه الكتابات نتاج تحديات كبيرة واجهت المرأة.

  تحذيرات وتهديدات:
في شهر مارس الماضي حذر المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع الكاتبة بدرية البشر بألا تنتقد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما منعت من النشر في الصحف اليومية مقالات نسوية كثيرة لجهير المساعد، وبدرية البشر، ونادين البدير، ووجيهة الحويدر، وحليمة مظفر، كما وجهت تحذيرات وصلت إلى التهديد بالقتل للكاتبتين: سمر المقرن، ونادين البدير، خاصة حين نشرت الأخيرة مقالة بعنوان:" أنا وأزواجي الأربعة" في صحيفة: المصري اليوم القاهرية. وهذه نماذج بسيطة من حالات تحذير وتهديد تنشر بشكل شبه يومي على بعض مواقع الإنترنت، ومنها تحذيرات رسمية أحيانا، بيد أن الانفتاح وهامش الحرية الذي يعيشه الإعلام السعودي جعل الكاتبات لا يكترثن بمثل هذه التهديدات.
حالة جديدة تحياها المرأة الكاتبة في السعودية، كاتبة رأي، وأديبة، وروائية، فكيف تنظر الكاتبات للحالة التي يكتبن فيها؟ كيف يرين المشهد، هذا ما نأمل نقله في إيلاف عبر هذه الكلمات.
 تقول مظفر: الكاتبة السعودية كانت أقوى وأكثر جرأة ومنطقية من الرجل، وقد تخلت كثير من المقالات النسوية في الصحف عن إنشائيتها، وهي تعالج قضايا اجتماعية متعددة.

وترى حليمة مظفر الكاتبة في صحيفة الوطن أن هذه الجرأة النسوية أثرت في كتابات الكتاب السعوديين فرفع من مستوى الجرأة لديهم، وهذا الأمر ملاحظ من قبل كثير من المتابعين لمستوى الكتابة الصحفية بين الكتاب والكاتبات.
 وتتحدث الكاتبة عالية فريد فتؤكد على أن أمورا ومتغيرات دولية وإقليمية كان لها تأثير على الوضع المحلي، بالإضافة إلى المتغيرات التي يمر بها المجتمع، وكل هذه الأمور أثرت في المرأة، وهذه سنة من سنن الكون أن العالم يتغير، ومن الخطأ أن نبقى في مرحلة تخلف عن هذه المتغيرات.
وتتفق الكاتبة والتشكيلية اعتدال عطيوي مع ما تطرحه عالية فريد حيث ترى أن مساحة الحرية اتسعت، وحدثت تغيرات فكرية واجتماعية واضحة، كما أن تصميم المرأة على أن تحقق ذاتها كشريك متكامل مع الرجل، وأن تناقش مختلف القضايا بمنتهى البساطة أصبح ظاهرة جلية لدور كان في الماضي غير واضح.
 وهذا الأمر تؤكده أيضا الكاتبة والشاعرة الدكتورة ثريا العريض حيث تقول: الصحافة اليوم أجد فيها انفتاحا في التعبير، وأفقا واسعا جدا، وهو أمر يشكر عليه صانع القرار، ووزير الإعلام والثقافة، والمجتمع السعودي اليوم بات يتقبل لغة الحوار، وفكرة المجتمع الذي يسود فيه الحوار، ونحن اليوم نصدر الحوار للخارج، والملك عبدالله أعلن مبادرته العالمية لحوار أتباع الأديان والثقافات.

المواطنة والجدليات الدينية:
  كثيرة هي القضايا التي تخوض فيها كاتبات الرأي في السعودية، وأبرز هذه القضايا ما يتعلق بالمواطنة، وبالوقائع الاجتماعية خاصة ما يتعلق منها بالزواج والطلاق، والسخرية من قرارات المحاكم بفصل الزوجين لعدم تكافؤ النسب، او بزواج المسنين من البنات الصغيرات، وآخرها قضية القصيم و زواج سبعيني من طفلة في الثامنة من عمرها، وفتوى بعض الشيوخ بجواز ذلك إذا تحملت الطفلة شدة الوطء، وكتبت عدد من الكاتبات في هذه القضية، كما كتبن كثيرا حول فتوى:" إرضاع الكبير" وكتبن أكثر حول قيادة المرأة للسيارة، وحقوق المرأة الاجتماعية.
  و تشير حليمة مظفر إلى أن أبرز هذه الكتابات يتمثل في قضايا المرأة، وحقوق المرأة، واحتياجاتها في المجتمع، فالكاتبات سخرن أقلامهن لمعالجة هذه القضايا، وهناك مجموعة هربن من حيز الكتابة عن المرأة إلى الكتابة العامة السياسية والاجتماعية مثل: بدرية البشر، ومجموعة من الكاتبات اللائي يناقشن القضايا الكبرى، والجدليات الدينية، والفكر، والحوار الوطني.

 وترى عالية فريد: إن الاستنهاض الثقافي والفكري وفتح المجال للحرية الفكرية، سمح للكثير بتنوع التوجهات الفكرية والثقافية، على مستوى الحوارات، والكتابات والمحاضرات، وعلى مستوى الجو الاجتماعي، وعلى مستوى الإعلام بمختلف وسائطه: المرئية، والمسموعة، والمطبوعة.
  تمثلت كتابات المرأة في أهمية الوعي بحقوقها، خاصة حق المواطنة، كثير من الكاتبات يتساءلن: ما الذي ينقصنا عن المجتمعات الأخرى؟ من السفيرة إلى الوزيرة، إلى صاحبة المؤسسة الثقافية، ومؤسسات حماية الأسرة، فما الذي يختلف؟
  هذه الروح أصبحت موجودة – تضيف عالية فريد- في الرياض، في جدة، في المنطقة الشرقية، ومن الجميل أن مؤسسات المجتمع المدني أصبحت موجودة في بلادنا مثل: حقوق الإنسان، وجمعيات حقوق المرأة، فبدت المرأة أكثر تطلعا وتفتحا.
  وتضيف عالية فريد: مع أننا نمتلك أفضل القيم والثوابت التي تدفع المرأة نحو الحراك السياسي والاجتماعي، فنحن آخر الناس في هذا الجانب، نطالب بحقوقنا كمواطنات، بالمشاركة السياسية في الرأي العام، في القرار، وكصاحبة قرار في العمل تستهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعيةوتهتم بقضايا المجتمع ككل.
  وترى عالية فريد أن هذا سوف يخفف العبء عن الدولة كثيرا، ونحن بحاجة إلى أن يكون المسؤولون ذوي قرار شجاع.

جرأة كتابية:
  بعض الموضوعات كانت تنشر على استحياء، وكانت تعتمد على الثقافة السائدة، ثقافة التردد والخوف التي عاشها المجتمع. هكذا تذكر عالية فريد، وتوضح: اليوم بقدر ما يمنح المجتمع حريته بقدر ما يبدع الإنسان، واليوم عقلية المجتمع تتناسب مع اليوم الآتي لا السابق، نحن بحاجة إلى عقليات جديدة، غير جامدة ومتحجرة، لنصل بأجيالنا الجديدة إلى مراحل من التطور والفكر البناء.
د. ثريا إبراهيم العريض ترى أن هذه الجرأة لدى الكاتبات ناتجة عن أن الوضع سائر إلى المزيد من الانفتاح، والمزيد من الوعي، والمزيد من الشعور بالدور الذي تقوم به المثقفة. ليست قدرة الكتابة في الكتابات الوجدانية التي تعبر عن شعور فردي، ولكن هناك شعور بدور المرأة على مستوى قطاع كبير من المجتمع والقيادات، وصانع القرار، وهذا ينعكس بدوره على ما تراه الكاتبة من تهديد لاستقرارها أو هويتها.

وعلى امتداد السنوات منذ أواخر الثمانينيات وإلى الآن زاد العدد ممن أصبحن ذوات ثقافة واضحة، حيث أصبحن الآن بالمئات، وزاد الوعي بالمشاكل الجماعية وليس فقط الفردية، لم تعد المرأة تتكلم عن ذاتها فقط، بل عن وضع المجتمع والمشاكل المجتمعية، ومن التطورات السلبية إلى الإيجابية.
  والمرأة اليوم تكتب بجرأة أكثر لأنها واثقة مما تقول، فكثير من الكاتبات السعوديات لديهن شهادات عليا جامعية، ولديهن دراسات عليا متخصصة، ومن هنا فهن يتكلمن من منطلق الواثق مما يقول.
  طالما هي لا تتطاول على الثوابت التي لا يمسها أحد، وهذا تغير في الوضع الثقافي وانعكاس للوضع العلمي الذي أصبحت فيه المرأة.

 واختتمت العريض: أنا متفائلة جدا بما أراه، وأرى أننا في الاتجاه الصحيح، وما يحدث للمرأة يحدث للمجتمع بانتشار التعليم والانفتاح والحوار.
  وتؤكد الكاتبة والتشكيلية اعتدال عطيوي على أن المرأة السعودية أكثر إصرارا على تحقيق ذاتها – تضيف اعتدال عطيوي- أيضا المجتمع صار أكثر تقبلا للطروحات المنفتحة بصفة عامة.
  كانت هناك خطوط حمراء، بدأت تخفت إلى درجة كبيرة، وأصبحت الحياة متقاربة، ومساحة الانكماش أمام الأمور الحياتية والخوف والرعب منها تغيرت، وهذه سمة الفكر الاجتماعي الذي يتغير بشكل تدريجي.
  والمساحة المعطاة للكتاية بصفة عامة اختلفت عن الماضي، فعل سبيل المثال رفضت لي مقالات عن العنف الأسري، حيث كانت هناك تابوهات، بينما الآن المساحة مفتوحة وكبيرة.