د. أحمد الخميسي
بقلم: د. أحمد الخميسي
يتأهب وزير الثقافة فاروق حسني لعقد مؤتمر للمثقفين المصريين قبل نهاية العام الحالي، واستعدادًا للمؤتمر عقد الوزير عدة اجتماعات للجان مصغرة وأخرى مكبرة ولجان تحضيرية وأخرى تمهيدية، قال معظم الحاضرين فيها للوزير ما يريد قوله، وتمنى فيها البعض ما يريد الوزير أن يتمناه، ولاحظ آخرون ما يتوق الوزير لملاحظته، وانتقدت قلة معدودة ما ود الوزير لو أنه انتقده لكنه نسيه!
وعلى أية حال فقد حدد الوزير -بعد أن اتفق مع الوزير في بعض النقاط واختلف معه في نقاط أخرى- كيفية عمل المؤتمر وقضاياه، والمحاور الرئيسية الخمسة التي ستبحث نحو أربعين قضية متعلقة بمستقبل العمل الثقافي في مصر.
ومن دون شك سيكون لقضايا المؤتمر عناوين براقة مثل "ثقافة التنوير" و "مخاطر العولمة" و "دور المجتمع المدني" و "تفاعل الثقافات" وغير ذلك من موضوعات تصلح مقالات نافعة لكل مجلة في كل زمان ومكان من دون مؤتمر.
وإذا كان لابد لأحد أن يقول كلمة صريحة وواضحة وبسيطة ولو مرة، ولو للحظة، فإنني أثق أن أحدًا لا يحتاج هذا المؤتمر، لا مصر ولا الثقافة ولا حتى الوزير نفسه، لكن الضوضاء التي تداري الإفلاس صارت هدفًا بحد ذاته.
وليس السبب الرئيسي في عجز مؤتمرات المثقفين الحكومية هو الآلية التي تنتقي بها الوزارة "المثقفين" حسب اللائحة، ولا أنه القضايا التي تحددها الوزارة حسب تصورها أو الطريقة التي سيدار بها المؤتمر، لكن السبب أعمق من كل تلك الجوانب، وأعنى الاختلاف الجذري القائم في فهم ماهية الثقافة ودور المثقف.
إذ تعتبر الحكومة والوزارة والنظام عامة أن الثقافة هي معرفة بلا موقف توطد أركان الحكم والسلطة والأوضاع السائدة وأن المثقفين هم باعة "معرفة" للحكومة بالجملة أو بالقطاعي كل حسب مهارته ومواهبه واختصاصه.
أما المثقفون فيعتبرون أن الثقافة لابد أن تكون تعبيرًا عن هموم الناس وتبني مظالمها وتطلعًا لمستقبلها ودفاعًا عن حقوقها وقضاياها، وأن دور المثقف هو أن ينقل ما لديه من وعي إلي الناس وأن يتبني أحلام المستقبل مهما بدا غائمًا أو بعيدًا.
لهذا السبب تعرض عباس العقاد للاعتقال وصودرت أغلب المجلات التي أنشأها سلامة موسى، ولهذا أيضًا تعرض المثقفون بدءًا من رفاعة رافع الطهطاوي للنفي والتنكيل على مدى تاريخهم الطويل الذي لم يكن بيع المعرفة للنظام القائم.
ومع أهمية القضايا النظرية التي سيطرحها المؤتمر الموعود لكنه لن يطرح شيئًا مما يؤرق الشارع المصري مثل تفشي البطالة، وظاهرة الاحتجاجات الشعبية المتزايدة في ظل الغلاء، وانهيار المنظومة التعليمية، والموقف من التطبيع، وقضايا التعذيب داخل أقسام الشرطة، بل ولن يطرح المؤتمر حتى القضايا المشتبكة مباشرة مع الثقافة كاعتقال بعض الكتاب ومصادرة الكتب، وحرية النشر والتعبير وغير ذلك. يستطيع المثقفون من خلال الصحف والمجلات أن يطرحوا كل ما يتعلق بالتنوير والثقافة الرقمية وتفاعل الحضارات ، ويستطيعون أن يصلوا لموقف مشترك أو غير ذلك، لكن الناس بحاجة لأن تستمع لصوت كتابها ومثقفيها في القضايا التي تؤرق مصر، والناس بحاجة لأن تشعر أن كتابها جزء من هذا الوطن، وليسوا "باعة معرفة" منفصلة عما يؤرق الناس من تدهور الصناعة القومية وسياسة الخصخصة والإفقار وفضائح الرشاوي التي يتلقاها كبار المسئولين.
ما يخصنا ككتاب ومثقفين سيكون بوسعنا دائما أن نناقشه عبر المجلات والصحف، أو حتى داخل المؤتمر لكن ضمن نظرة ترى أن المثقف مواطن أساسًا وقبل أن يكون صحفيًا أو روائيًا أو كاتبًا، وهو ملزم بأن يقول كلمته في قضايا وطنه.
يحتاج المثقفون لمؤتمر يعرضون فيه ما يجمعهم كمواطنين، أما ما يجمعهم أو يفرقهم في الثقافة فإن بوسعهم الوصول إليه من دون مؤتمر أو بمساعد مؤتمر على أن تختلف نظرة ذلك المؤتمر للثقافة ولدور المثقف. يحتاج الناس إلي الاستماع لصوت كتابهم، أحفاد رفاعة الطهطاوي، وعبد الله النديم، ومحمد مندور، وسلامة موسي، وغيرهم ممن وهبوا كل ما لديهم من معرفة لمستقبل مصر وآمالها في التطور.
Ahmad_alkhamisi@yahoo.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=20996&I=521