حكاية مع أول إنسان

ماهر طلبه

بقلم: ماهر طلبة
زمان... زمان قوى، كان فيه إنسان... أول إنسان، مش آدم لكن إنسان.. ولأنه لقى نفسه فجأة على الأرض بعد الطرد.. فتح باب دماغه وبدأ يحاول يحل مشكلتين... الجوع والبرد.
للأولى فكر في الشغل، وللثانية فكر في الونيس.... للأولى مد فتلة حيرته وعمل من فكره نول وبدأ يغزل، وللثانية نشر في جريدة يومية إعلان "مطلوب ونيس" ... للأولى كان كل يوم مع كل صبح يطول توبه مسافة يوم، وللثانية كان كل يوم مع كل صبح توصل له رسالة يفتحها تطلع قدامه صفحة بيضا...
لما وصل توبه لطول البيع رفعه على أكتافه ونزل به ناحية السوق، ولما فتح يوم صندوق جواباته ومالقاش رسالته –الفاضية– قلق وحس باليأس...

في السوق جات وقفته جنب تاجر خيش.. نزل توبه وعرضه... "يمكن يكون نصيب بضاعتي زى نصيب بضاعته"... لكن كل واحد كان يلمس التوب أو يحطه على جسمه تنتابه الحيرة .. "من إيه اتعمل التوب دة؟!!" .. ويحط التوب ويمشى ... لحد ما جاره –اللي لاحظ– قرب منه... سأله:
- أنت عامله من إيه التوب دة؟
ومد إيده مسكه، قلّب فيه... رماه وقال له: مش هيتباع إلا للقاضي.. ماتتعبش نفسك.. هو بس اللي يعرف يتعامل مع الحيرة.
شال توبه على أكتافه من جديد ومشى ناحية بيت القاضي...
في الطريق كانت مشاكله بتتجسد قدام عينيه حيرة ويأس... وقف على باب بيت القاضي ونده... خرجت... قلبه رفرف... حَلْمُه...

سألته:
- عايز إيه؟
- عايز القاضي
- روح له بيت العدل
- أنا مش طالب عدل، أنا طالب رحمة.
لمحت على أيده التوب... مدت أيدها لمسته.. قلبه رفرف... حَلْمُه ... فردته على جسمها ... "الله جميلة"... ارتاح باله .. حست بالحيرة.. سابته وتوبه على الباب ودخلت تنده للقاضي...
وقفته على الباب طالت.. ذهنه شرد منه... قابلها في مكان تاني.. وزمان تاني... زى ما يكون جنة .. "الله جميلة"... لمسها.. يا ترى هتوافق، يا ترى هيوافق... وحس بصوت جاى من بعيد كأنه صوت جوا حلم، كأنه إشارة للي جاى... حَلْمُه ... لكن أيد خبطته، فتح عينيه.. الدنيا فيها الصبح وفيها الليل... فيها النور وفيها العتمة.. فيها الملاك وفيها الشيطان.. فيها هي وفيها القاضي مالكها.

- عايز إيه ؟ ليه ماجتش بيت العدل؟
- أنا مش طالب عدل..
وعرض عليه التوب.. القاضي مسكه .. "آه عارفه.. كل يوم أشرب من نفس الكأس لحد ما أَتْملِى فاقفل بيت العدل وأهرب.." ... قَلَّبُه  ... "مين هيقدر يلبسه؟!! .. مين هيرضى يلبسه؟!!"
- عايز فيه كام؟
رجعت له تانى الحيرة، حس إنه استرد توبه
- أنا عايز فلوس علشان آكل، وعايزها عشان البرد
- أنا قاضى وظيفتي إني أحكم بين الناس، أوزن وأقيس بميزان العدل... أنت جبت توب واحد.. يبقى من حقك حاجة واحدة .... فكر وأختار.
سابه القاضى واقف على بابه ودخل بعد ما حط قدامه.. كيس فلوس وصورة ليها.. لما فتح القاضي الباب الصبح علشان يروح بيت العدل، لقاه لسه واقف صاحي بيفكر... مرماش عليه السلام وسابه ومشى..
يوم ، اثنين ، ثلاثة ........ باب القاضي بيتفتح ويتقفل من غير سلام ولا كلام، وهو واقف محتار..
"أنهى فيهم أهم..؟!!.... الجوع ولا الدفا؟!!

محتار .... لكن مع مرور الأيام كان بيحس بجوعه بيزيد .. ببطنه بتنادي عليه ... لحد ما جات اللحظة اللي كان خايف منها... اللحظة اللي مايبقاش فيها حر في الاختيار ... لحظة فرض الاختيار .. لحظة غياب العقل قدام الجوع .. لحظة فيها حس إنه لازم يأكل دلوقتى حالاً وألا ... مد أيده ومسك كيس الفلوس... مافكرش، ماترددش .. رغم الألم اللي شعر به في صدره.. ومشى في طريقه..
القاضي اللي كان مراقبه من ورا بابه، ضحك .. ضحك قوى لأنه كان عارف الحل من أول ما رمى قدامه السؤال – أخد أكله وراح على بيته كل، فقدر ينام...
الغريب والعجيب اللي حصل بقى.. إنه لما نام، أتجسدت قدامه .. حَلْمُه .. جسم وروح .. لمسها .. قرا تفاصيلها .. فك شفرتها وحس بالدفا.
http://Mahertolba.maktoobblog.com