المصري اليوم - حوار:نبيل أبوشال
حذر الدكتور إميل إسكندر، خبير تكنولوجيا اللحوم والغذاء، من شحنة لحوم فاسدة تقدر بحوالى ٢٦٠٠ طن، على وشك الدخول إلى البلاد، ولفت إلى أن ٣٠٠ طن منها دخلت البلاد، وقال خلال حواره لـ«المصرى اليوم»، إن مستوردى اللحوم يمثلون أقوى مافيا فى مصر، مؤكداً أن المليارات المرصودة لميزانية المشروع القومى للبتلو ستضيع هباء، ولن تحقق أى نتيجة، وأن أسعار اللحوم ستستمر فى الارتفاع.
وأشار إلى رفضه إحدى شحنات اللحوم الفاسدة خلال عقد السبعينيات عندما كان مستشاراً لوزير الزراعة فى عهد يوسف والى، والمسؤل الأول عن استيراد اللحوم فى هذه الفترة. وقال إنه عندما أيقظ وزير التموين فى الساعات الأولى من الفجر ليخبره بقراره رفض الشحنة، قال له الوزير «الله يخرب بيتك.. خربت بيتنا» بدلاً من مكافأته.. وإلى نص الحوار.
■ ما أسباب انهيار الثروة الحيوانية فى مصر من وجهة نظرك؟
- أعتقد أن أهم الأسباب إهمال التربية والاتجاه إلى الاستيراد، إضافة إلى انهيار مشروع البتلو القومى، وأتذكر أنه تم نقل تبعية ١٨ شركة زراعية من وزارة الزراعة إلى قطاع الأعمال، لإدارتها، لكن للأسف تم بيعها دون سبب، رغم أنها كانت تغطى غذاء مصر بالكامل، مثل شركة جنوب التحرير والمشروع الألمانى.
■ هل تعتقد أن مشروع البتلو الذى أعلنت عنه الدولة لتوفير اللحوم سينجح؟
- الدولة رصدت ٢ مليار جنيه للمشروع، وحددت ٢٠٠٠ جنيه للفلاح، فى المرحلة الأولى على الحيوان وزن ٢٥٠ كيلو جراماً، وأذكر أن أمين الفلاحين فى الحزب الوطنى قال: إن أقل مبلغ يجب أن يحصل عليه المربى ٥٠٠٠ جنيه، وإذا أعطيناه ٢٠٠٠ جنيه لن ينفذ المشروع، لأن العجول الموجودة أعدادها محدودة، وأغلبها مصاب بأمراض، كما أن الفلاح سيأخذ المبلغ ويقضى به مصلحة أو يجهز «بنته» للزواج، لكن إذا أعطينا المبلغ للمحافظة وتم شراء عجول والتأمين عليها من المنشأ، ومنحه العلف ومتابعته فنياً، وقتها لن يزيد سعر كيلو اللحم على ٣٠ جنيهاً.
■ معنى ذلك أنك حكمت على المشروع بالفشل قبل بدايته؟
- إذا تم تنفيذ مشروع البتلو بطريقة صحيحة، فلن يكلف الدولة مليماً واحداً، وليس ٢ أو ٣ مليارات جنيه.. وسؤالى: أين الدراسة التى وضعت للمشروع وأين العجول السليمة فى مصر؟ أعطنى سبباً واحداً لأعمل مشروع البتلو، فلو كان الحال جيداً لما استوردنا كل هذه الكميات، فنحن لا نستطيع تطوير المجازر أو تطوير إنتاج اللحوم، وأنا لا أعقد الأمور.
■ إذا كان المشروع محكوما عليه بالفشل، من وجهة نظرك، فما تصورك لحل الأزمة؟
- وضعت خطتى لتنفيذ المشروع بأسلوب آخر، لأننى لست مستورداً، وليس لى مصلحة، فقط أنا رجل فنى، وأرى أن المشروع من الممكن أن يقسم على المحافظات، وكل محافظة تشتغل أعطيها جزءاً من الـ ٢ مليار، على أن تتم معاملة المحافظ كمستثمر بمعنى أن أمنحه الأموال والعجول والعوامل الفنية فى الصحراء، بعيداً عن الأماكن الداخلية، لأن تربتها موبوءة وأربى وأشغل الناس، نربى سلالة تحقق أرباحاً عالية ونعطيها للفلاح دون مقابل، وقتها سنجده يصبح منتجاً.
■ معنى ذلك أننا سنستورد العجول اللازمة لبداية المشروع؟
- نستورد فى أول مرة، ثم من الإنتاج، ثم نربى، وإذا كنا سنستورد ١٧٠٪، تنزل إلى ٩٠٪ فى السنة الأولى، وثانى سنة نصل إلى ٤٠٪، وخلال ثالث سنة ونصف بالضبط، لن نستورد شيئاً، وأعطى السلطة إلى المحافظ لتنفيذ المشروع على أن نساعده بالأمور الفنية.
■ ألم تجد أى محافظة تنفذ فيها برنامجك؟
- نجحت مع اللواء عادل لبيب، محافظ الإسكندرية، وبدأ يتجاوب، وحقق نتائج إيجابية فى أزمة اللحوم خلال الفترة الماضية، وتم بيع الكيلو بـ٣٠ جنيهاً، وأيضاً محافظ أسيوط اتصل بى وسنبدأ المشروع قريباً.
■ وما مصير مليارات المشروع الحكومى لتربية البتلو؟
- أعتقد أن هذه المليارات تلقى فى الأرض وأنا أحذر وأقولها، المليارات المرصودة لمشروع البتلو هتضيع بدون أى نتيجة، النهارده البلد غير سنة ٢٠٠٠، لأنه خلال هذه السنة كانت هناك حيوانات سليمة، ومشروع بتلو ماشى، وإذا سمعوا الكلام وأعطوا لكل محافظ ١٠ ملايين جنيه مثلاً، والمحافظ يتعامل كمستثمر، يبقى أنا كدولة ماخسرتش حاجة، وفى نفس الوقت كل محافظة قامت بذاتها، وأراهن إن كيلو اللحم لن يزيد سعره على ٣٠-٣٢ جنيهاً، ومستعد أقدم المشاريع لأى شخص فى الدنيا بدون مقابل.
■ هل ترى أن مجازرنا مؤهلة بيئياً ومتطورة تكنولوجياً؟
- للأسف مجازرنا كارثة، وتعتبر أسوأ مجازر فى العالم، وللأسف كلها ملوثة ومعداتها بدائية.
■ لكن هذه المجازر موروثة من الوزارة التى كنت مستشاراً لها، فلماذا لم تطورها؟
- تم تكليفى سنة ١٩٩٥ من قبل الدكتور يوسف والى، وزير الزراعة فى ذلك الوقت، بتطوير المجازر، ودخلت مجزراً مغلقاً بسلسلة، ووجدت كلباً ميتاً على بابه، استدعيت الدكتور، وسألته إيه ده؟ قال لى: «أنا أحضر كل يوم لمتابعة ذبح رأس أو رأسين، وطوال الأسبوع نحضر دون عمل، وإذا أراد الجزار أن يذبح فى محله أذهب إليه وأختم الذبيحة، وأرجع والختم معايا فى البيت، فقدمت تقريراً بما يحدث، حاولت تقديم حلول، وأحضرت إحدى الشركات الأجنبية لتطوير مجازر الجمهورية بنظام B.O.T تحت إشراف شركة عالمية متخصصة بتمويل أمريكى ١٠٠٪ لتخفيف أعباء الدولة فى تطوير وإنشاء المجازر على أحدث تكنولوجيا، على أن تشرف الهيئة البيطرية على هذه المجازر، ثم تعود ملكيتها إلى الجهات المختصة بعد نهاية العقد، لكن الطرق الملتوية دفعت الناس للسفر إلى أمريكا، وكلمونى، وقالوا لى لن نتعامل معكم بعد ما جهزوا التطويرات، وبعد جولات فى الجمهورية كلها، وإعداد تصورات لتطوير ٤٨ مجزراً.
■ هل الاستيراد هو الحل لوقف ارتفاع أسعار اللحوم؟
- الاستيراد ليس هو الحل، لأنه أصبح الآن فوضى وخلال سنة ٢٠٠٠ كانت هناك لجنة استشارية عليا يتقدم لها المستورد، ويذكر البلد الذى سيستورد منه، وكان لى الشرف أن كنت عضواً بهذه اللجنة، التى كانت مفتاح الأمان لمصر، وكان فيها عدد من خيرة العلماء، وكنا نقول للمستورد انتظر لنبحث وضع البلد الذى ستستورد منه، لنبين له مدى إمكانية الاستيراد منه من عدمه، وكنا نتصل بالسفارات والملحق التجارى، لكن الآن تم فتح الاستيراد سداح مداح، دلوقتى اللى عايز يستورد يستورد، أو اللى عايز يربى يربى، ما حدش عارف حاجة.
■ هل توجد مافيا لاستيراد اللحوم فى مصر، ومن المسؤول عن دخول اللحوم الفاسدة من الخارج؟
- أقوى مافيا للاستيراد هى «مافيا اللحوم»، ويكفى أن نعرف أن صلاحية هذه اللحوم تعتمد على اللجنة التى تسافر للكشف عليها، وأن المستورد يتكفل بمصاريف الطبيب الذى يسافر للكشف على اللحوم وإقامته فى الفنادق ويعطيه مصروف جيب، فكيف أطلب منه بعد ذلك أن يقول العجول المستوردة دى كويسة ولا لأ، ومن يوم ما اللجان دى طلعت لا توجد لجنة واحدة رجعت وقالت الشحنة دى مرفوضة، والكلام ده مستمر منذ ١٠ سنوات، وأعلنوا أن اللجان ألغيت ومع الأسف هناك لجنة لسه راجعة من ٣ أيام، وكانت مكونة من ٢ دكاترة من معهد التناسليات، ولا تمت للمهنة بصلة، للأسف اللحوم الهندية كان فيها «الساركوسيست» والصحة أفرجت عنها، وأحياناً تقوم المعامل البيطرية بالإفراج عن اللحوم، وهناك شحنة جديدة ستدخل البلد حوالى ٢٦٠٠ طن من الهند وفيه ٣٠٠ طن دخلت بالفعل، وأذكر أنه حدث معى أن سافرت بتكليف من الدكتور يوسف والى، سنة ٢٠٠٠ إلى الهند والصين وعدت بتقرير، قلت فيه كذا وكذا، وخلال ٢٤ ساعة توقف الاستيراد من الهند، وتولى الوزير الأمر بنفسه، وقال لن تكون هناك أى موافقة لمستورد إلا عن طريقى، لذلك لم نسمع قبل سنة ٢٠٠٠ مثل هذا الكلام اللى بيحصل النهارده.
■ كيف تدخل اللحوم الفاسدة البلاد؟
- فى عام ١٩٧٧ دخل مركب محمل بلحوم فاسدة، وكنت مسؤولاً أيامها فى الميناء ورفضته، كنا ٣ فى الميناء، أنا ومدير الخدمات البيطرية ولواء طبيب، ووقتها لم يكن أحد يستورد اللحوم غير السلع التموينية، وكان لابد من إبلاغ وزير التموين وقتها، وأبلغته الساعة الخامسة فجراً، وقلت له: «أنا رفضت دخول اللحمة علشان فيها فيروس ومتعالجة»، وقال لى: الله يخرب بيتك، خربت بيتنا ليه؟ واتضح أنها خاصة بأحد المسؤولين الكبار، لذلك أحضروا من إنجلترا حكماً للفصل بينى وبينهم، علشان يشوف إذا كان كلامى صح أو غلط، لو غلط اللحمة ترجع، ولو صح اللحمة تدخل البلد، وأنا أتحاكم، وقبل صباح اليوم التالى فوجئت بحضور لجنة مكونة من ٣٠ أستاذاً من كلية الطب البيطرى، وأساتذة من المعامل، وسمعتهم وهم يصعدون السلم يقولون: «فين اللحمة دى، ريحتها تتاكل نية».. ولقيت رئيس مجلس الإدارة بيمسك إيدى وبيقولى: «إوعى تنطق» وأخدنى على جنب وقال لى: «إنت بتعمل إيه، الناس اللى حتاكلها هيجيلهم شوية إسهال، ما احنا طول النهار بيجيلنا إسهال، يا أخى عديها بقى»، وحضر فى نفس اليوم المُحكم البريطانى وأكد كلامى ولكن سمحوا بدخول اللحوم وفى هذا اليوم تركت مصر، ولم أعد إلا سنة ١٩٨٤.
■ وما الحل من وجهة نظرك؟
- لابد من إنشاء جهاز يتبع رئاسة الجمهورية، مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، على أن يضم خبراء فى الأمن الغذائى دون استثناء، ووقتها لن يرتفع السعر أو ينخفض، ولن تدخل لحوم أو أقماح فاسدة، على أن يكون من سلطات هذا الجهاز مساءلة المستورد عن الفواتير وتحديد هامش الربح.
■ هل ساهم ارتفاع أسعار الدواجن فى ارتفاع أسعار اللحوم؟
- المسألة مع بعضها مثلث عبارة عن «لحوم - دواجن - أسماك» خلال ١٠ سنوات استهلاك اللحوم الحمراء زاد بنسبة ١٧٤٪ و«البيضاء» بنسبة ٢٧٥٪، والعام الماضى خسرت أسماك بما يعادل ١٤.٥٪ أى حوالى ٣.٨ مليار جنيه، ما انت لو اللحمة زادت الدواجن هتغلى، والسمك بيقل.. ولو الجهاز ده موجود هيمشى المنظومة مع بعضها.
■ نعلم أنك ضد مصنعات اللحوم، وتتشكك فيها.. لماذا؟
- لأنها من أهم أسباب انهيار الثروة الحيوانية، و٨٠٪ من المصانع التى تنتج هذه المصنعات تعمل تحت بير السلم، ومنتجاتها مليئة بالأمراض، والـ٢٠٪ الأخرى من المصانع التى تنتجها ليست تحت السيطرة الكاملة، لأن مصانع بير السلم تستخدم أى لحوم، حتى لو كانت منتهية الصلاحية، أو الأمعاء ويمكن حمير ويفرمها ويبيعها على إنها مصنعات لحوم.
http://www.copts-united.com/article.php?A=21047&I=523