د. مينا ملاك عازر
بقلم: مينا ملاك عازر
بادئ ذي بدء، فإن عنوان المقال يسأل عن كيف تحكم مصر -بفتح التاء وليس بضمها- والفرق شاسع، فلو فتحنا التاء يكون سؤالنا عن: كيف تستطيع حضرتك مثلاً أن تحكم أو تحكمي مصر، أما لو ضمّناها فيكون السؤال عن: كيف يتم حكم مصر، ويتجلى الفارق الأكثر أن السؤال الأول يمكن أن يكون له إجابة، لكن السؤال الثاني لا يمكنني أنا على الأقل أن أجيب عنه؛ ليس لخوفي فقط من الخوض في هذا الأمر، لكن لصعوبته ولاحتياجه لأن أدخل في أعماق أمور تحتاج تحليل طويل.
لكن السؤال الأول لا يحتاج إلا قراءة التاريخ واستقراء الحاضر وفهم واقع نعيشه كل يوم، حينها سنفهم كيف يمكنك أن تحكم مصر، ورغم أنه أمر يبدو مستحيلاً، لكنك لو دققت في الأمر أكثر تستطيع أن تعرف أن السؤال ببساطة يمكننا تطبيقه على إدارة كل شيئ في مصر، حتى مكتبك.. شركتك.. مؤسستك، والواعي مَن يفهم، وكلكم وعي أحبائي القراء.
الآن سنبدأ رحلتنا في كيفية حكم مصر، أؤكد ثانيةً أنه مستحيل أن تحكم مصر حضرتك في يوم من الأيام، لكن أحب أعرفك كيف وصل وماذا فعل كل مَن حكم مصر عندما بدأ في حكمها، لنفهم ماذا سيحدث ممَن سيحكم مصر.
أول مَن حكم مصر منذ أن تحولت للجمهورية كان اللواء "محمد نجيب"، ولم يستمر طويلاً؛ فسرعان ما أطاح به "ناصر" ورفاقه بعد عامين وأربعة أشهر، ولم يجد مَن يسانده حين تمت الإطاحة به، ويبدو أن كل من أتى من بعده تعلم الدرس ووعاه جيدًا، فنجد "ناصر" حينما قرر أن يطيح بـ"نجيب" -ويبدو أن ذلك كان موضوع في عقله من أول لحظة في الثورة- شرع في الإطاحة بكل فرد من الممكن أن يعارضه، فأخرج "يوسف صديق"، و"خالد محيي الدين"، وأبقى على كل مَن هم بلا رأي، أو ضعاف الشخصية في مراكزهم، وأخذ يقلص من سلطاتهم رويدًا رويدًا، وفي النهاية لم يُبق إلا على "عبد الحكيم عامر"، وبدأ في تصعيد "علي صبري"، و"سامي شرف"، و"صلاح نصر" وآخري، لكي يكونوا بطانته وصنيعته ولا يستطيع أحد منهم أن يرفع عينه فيه.
فـ"ناصر" هو مَن أتى بهم وله الفضل عليهم، وأخذ يعمل بهذا المبدأ حتى أنه حاول الإطاحة بـ"عامر" في عام 1962 حين استقال "عامر"، لكن لما وجد أن الجيش يعارضه تراجع، وظل يذكرها له حتى واتته الفرصة في نكسة يونيو وأقصاه نهائيـًا، وحتى بعدها لما جعل "السادات" نائبـًا له كان يظن فيه الرجل الذي بلا رأي ويسهل قيادته، أو قد يكون مرحلة انتقالية ليأتي برجل آخر، أو كان يضغط به على السوفييت لتلبية طلباته لظن السوفييت في "السادات" بأنه يمالئ أمريكا، إلى أن مات "ناصر" ووصل "السادات" للسلطة.
بوصول "السادات" لسدة الحكم نظر حوله فوجد أن كل المحيطين به ليسوا صنيعته، وأن ولائهم الأول لسلفه "ناصر"، ناهيك طبعـًا عن اختلاف أفكارهم وآرائهم وتوجهاتهم، وهذا أمر يقلق كل مَن في السلطة في مصر وأي بلد في العالم الثالث، فبدأ يفكر في كيفية التخلص منهم، حتى ورطوا هم أنفسهم بأنفسهم في أزمة مراكز القوة، بسوء تقدير منهم لقواتهم وحب الشعب لهم؛ فأطاح بهم "السادات" وأخذ يصنع رجاله.
فأتى بالمشير "أحمد إسماعيل" الذي طرده "ناصر" من الخدمة العسكرية، ودفع أمامه "عثمان أحمد عثمان"، و"سيد مرعي" في مراكز قيادية رويدًا رويدًا، مستفيدًا بالأشخاص المعارضين لـ"ناصر" في الأيدلوجية والاتجاهات، أو مَن أُضيروا منه حتى شكل بطانته الجديدة التي ترافقه في حكمه، يمالئونه ويساندونه، حتى أنه اختار نائبه رجلاً ليس من رجال الثورة، حتى لا يكون من زملائه السابقين فيشعر أنه رأس برأس معه، واختار أن يصنع جيلاً جديدًا يكون مواليـًا له، وكان جيل أكتوبر، واختار نائبه "محمد حسني مبارك".
وفور اغتيال "السادات"، وُجد الرئيس "مبارك" في سدة الحكم، ولم يكن مختلفـًا مع مَن حوله في الأفكار والتوجهات، لكنه كان عليه أن ينفذ درس سابقيه؛ فشرع في دفع رجال جدد ليكونوا من حوله صنيعته ورجاله، فظهر "محمد صفوت الشريف"، و"أحمد فتحي سرور"، و"كمال الشاذلي"، و"مفيد شهاب"، و"علي الدين هلال"، مع حفظ الألقاب لجميعهم، فضمن ولائهم له ونحى في هدوء بالغ رجال "السادات" ومَن تبقى منهم في سدة الحكم، حتى أن أحد لم يشعر بذلك.
ومع عدم اختيار الرئيس "مبارك" نائبـًا له في ظل إشاعات التوريث، نستطيع تحليل الموقف بشكل ما كالآتي:
استطاع السيد "جمال مبارك" أن يخلق طبقة جديدة من كبار رجال الأعمال والمنتفعين من سياسات الحزب الوطني أمثال: "هشام طلعت مصطفى"، و"أحمد عز" وآخرين، بل أخذ يدفعهم ناحية السياسة، حيث أنه لم يكتفي بوجودهم الاقتصادي الضخم؛ فوجدنا منهم البعض في لجنة السياسات جنبـًا إلى جنب مع الحرس القديم الذي سيتنحى يومًا ما، ووجدنا بعضًا من الرجال الجدد في الوزارة أيضًا جنبـًا إلى جنب مع الحرس القديم في محاولة هادئة لإزاحتهم جانبـًا في يوم ما دون ضجة.
ونشهد أن طبقة رجال الأعمال انتشرت في شتى أنحاء البلاد، بل نشعر بوثوب بعض الصحفيين لأماكن قيادية في الصحف؛ ليقوموا يومًا ما بدورخلفاء "هيكل"، و"موسى صبري" وآخرين لرؤساء مصر.
وفي ختام القول.. هل تعرفون مَن هو الرئيس القادم لمصر؟ أم نحتاج المزيد من التحليل؟؟ دعك من هذا السؤال.. هل عرفت كيف حكموا مصر وستُحكم مصر؟؟
على فكرة.. هذا الأسلوب متبع في كل جزء وكل شبر من مصر، كل مدير يأتي ومعه بطانته ورجاله؛ فلا يجد مَن يحاسبه ولا من يناطحه، يكونون صنيعته فلا يرفع أحد فيه عينه، أقول هذا وكلي أسف أن هذا هو أسلوب الوصول للحكم في مصر أو الإدارة بها.
http://www.copts-united.com/article.php?A=21137&I=525