غزال البر الذى أهملته ذاكرة مكتبة الإسكندرية
عبد المنعم عبد العظيم
بقلم: عبدالمنعم عبدالعظيم
بعد ست سنوات، أخرج فريق عمل مُكوَّن من أكثر من عشرين أستاذ جامعي وباحث وموثق، عن مكتبة الإسكندرية، موسوعة علمية وثائقية تؤرخ لواحدة من أكثر العائلات المصرية شهرة في العصر الحديث، عائلة "بطرس باشا غالي".
اسم الكتاب "العائلة البطرسية..سيرة عائلة قبطية"، أعده دكتور "خالد عزب"، و"أيمن منصور"، و"محمد السيد حمدي"، وتضمن أكثر من ألف وثيقة نادرة وعشرات الصور.
الحدث يستحق الوقوف عنده فالبرعم من ان العائلة البطرسية أهدت لمصر جزء من تاريخها إلا أن دورها الوطنى مازال موضع خلاف وتحوم حوله العديد من الشبهات لعلاقة هذه الأسرة المريبة بالاحتلال الانجليزي ثم الأمريكان والصهاينة رغم أن معظم الحكومات المصرية استعانت بأفراد منهم.
كان بطرس نيروز غالى رئيسًا لوزراء مصر وهو القبطى الوحيد الذى تولى هذا المنصب (1908-1910) ولازال التاريخ يذكر موقفه المزري عندما كان قاضيا فى محكمة دنشواى وهو الذى كاد أن يمرر مد قانون امتياز قناة السويس لـ 40 سنة أخرى (حتى 2008) لولا أن فضحه محمد فريد و هو الذى مول الاحتلال الإنجليزي للسودان بالتعاون مع كرومر و بسبب هذا التمويل أفلست الخزانة المصرية و كانت سياساته شديدة الولاء للإنجليز.
ومن هذه الأسرة نجيب باشا غالي وكيل وزارة الخارجية و إبن بطرس نيروز غالى باشا و أبو بطرس بطرس غالى أمين عام الأمم المتحدة.
ومن هذه الاسرة بطرس بطرس غالى المتزوج من ليا نادلر اليهودية- أمين عام الأمم المتحدة (1992-1996). و قبل ذلك وزير خارجية مصر الذى شارك فى اتفاقية كامب ديفيد، ورئيس المنظمة الفرانكفونية و رئيس المجلس الأعلى لحقوق الإنسان حالياً.
ومنهم أيضا يوسف بطرس غالى (وزير مالية مصر) ابن أخ بطرس بطرس غالى استولت زوجته (ميشيل خليل صايغ اللبنانية) و أبناؤه على كثير من أموال الدولة و أصدر عدة قوانين مريبة منها ضريبة العقارات وهو الذى أمر باستثمار أموال التأمينات فى البنوك الأمريكية.
وتشغل كيا فريد أم يوسف بطرس غالى وزير المالية الحالى مستشارة لسفارة فرسان مالطة, و فرسان مالطة ليست هى دولة مالطة بل هى فرسان المعبد أو الهوسبتاليين الذين كانوا يحاربوا الإسلام وكان لهم دور فى الحروب الصليبية و هى ليست دولة حقيقية و لكنها منظمة ماسونية تعمل كأنها دولة.
اما ليا نادلر زوجة بطرس بطرس غالى فهى يهودية من الإسكندرية من عائلة نادلر (التى تمتلك أكبر مصانع حلويات فى مصر) و فريد نادلر شقيق ليا نادلر و نسيب بطرس بطرس غالى أمريكى الجنسية و صاحب شركة AMEP المتورطة فى عدة فضائح فى برنامج النفط مقابل الغذاء فى العراق و صديقات ليا نادلر و أزواجهم من النادى اليهودى بمصر كلهن يهوديات مصريات و لهم علاقة صداقة بليا ماريا نادلر أوروا أمباشى زوجة حاييم هرزج رئيس إسرائيل (1983-1993)، و رئيسة جمعية إسرائيل الجميلة وعضو سابق فى الهجانة، وأم إسحاق هرزج وزير 4 مرات فى حكومات إسرائيل.
سوزى أمباشى زوجة أبا إيبان (نائب رئيس الوزراء ثم وزير خارجية إسرائيل)
ليلى شيكوريل زوجة بيير منديز رئيس وزراء فرنسا 1955 (يهودى)
ومن عائلة شيكوريل أصحاب المحلات الشهيرة فى مصر
تلك العائلة التى أفردت لها مكتبة الإسكندرية مجلدا شارك فى اعدادة مجموعة من خيرة باحثيها ولا ادري لماذا ؟ فهناك عشرات من الأسر القبطية المصرية حملت لواء الوطنية وشاركت فى العمل الوطنى كاسرة فخرى عبدالنور وويصا واصف وتوفيق اندراوس وتعد نموذج مشرف للعمل الوطنى ولها إسهاماتها الرائعة فى الحركة الوطنية ومقاومة الاحتلال.
كنت أتصور ان تركز مكتبة الإسكندرية فى ذاكرتها على رواد الحركة الوطنية وبدلا من تمجيد بطرس غالى كان الأولى إن تذكر الأمة بالمناضل البطل الذى اغتال بطرس غالى إبراهيم ناصف الوردانى هذا الشاب الذى تلقى علومه فى المدارس المصرية حتى نال البكالوريا ثم سافر الى سويسرا لدراسة الصيدلة فى كلية لوزان ثم سافر الى انجلترا حيث درس بها لمدة عام ونال شهادة فى الكيمياء والتاريخ الطبيعى ثم عاد الى مصر فى اول يناير 1909 ليعمل صيدليا.
وفى تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الاحد 21فبراير 1910 اطلق ابراهيم ناصف الوردانى على صاحب العطوفة بطرس غالى عدة رصاصات أودت بحياته أثناء خروجه من وزارة الحقانية يحيط به رجال الحكومة منهم حسين باشا رشدى واحمد باشا زغلول وعبدالخالق باشا ثروت
وقبض عليه واعترف بأنه ملا صدر بطرس غالى برصاصات طرحته أرضا ليتخبط فى دمه نتيجة تصرفاته الخائنة لوطنه ابتداء بتوقيع اتفاقية السودان 1899 التى بمقتضاها أصبح لانجلترا سيطرة فعلية على السودان وأصبح المصريون غرباء عنه أو خدام للانجليز فيه
ومرورا برئاسته لمحكمة دنشواى سنة 1906 والحكم بإعدام أربعة من اهالى دنشواى والتنكيل بهم اشد تنكيل وإعادة قانون المطبوعات سنة 1909 الذى سلط سيفه على رقاب الصحف وحرية الكتابة بعد ان كان قد مات وعفا عليه الزمن ووصولا الى الاتفاق على مد امتياز قناة السويس فى 10 فبراير 1910
وحوكم الوردانى أمام محكمة جنايات مصر المشكلة برئاسة المستر دلبروغلى وعضوية أمين على وعبدالحميد رضا مستشارين وكان النائب العام عبدالخالق ثروت وتولى الدفاع احمد لطفى السيد ومحمود ابو النصر وإبراهيم الهلباوى
وأصدرت المحكمة حكمها فى 18 مايو 1910 بإعدام إبراهيم الوردانى شنقا ورفع محاموه طعنا فى هذا الحكم أمام محكمة النقض والإبرام فقضت فى 11يونيو برفض الطعن وتأييد حكم الإعدام
وفى 28 يونيو نفذ حكم الإعدام فى إبراهيم الوردانى وهو يقول الله اكبر الذى يمنح الحرية والاستقلال.
وكان الشعب قد خرج فى صباح ليلة تنفيذ الحكم يردد مواله الذى مازال جزء من تراث الغناء العربى
قولوا لعين الشمس ما تحماشى أحسن غزال البر صابح ماشى
هاهو احمد لطفى السيد يجلجل بصوته فى المحكمة :
ياحضرات القضاة انظروا الى هذه القضية كما ينظر الى اى قضية اخرى ولا تقيموا اعتبار الى ان المتهم ابراهيم الوردانى والى ان المقتول هو رئيس النظار بطرس غالى.
أما أنت أيها الوردانى فلقد همت بحب بلادك حتى أنساك هذا الهيام كل شىء حولك أنساك واجبا مقدسا هو الرأفة بأختك الصغيرة وأمك الحزينة فتركتهما تبكيان هذا الشباب الغض تركتهما تتقلبان على جمر الغضا تركتهما تقلبان الطرف حولهما فلا تجدان غير منزل مقفر غاب عنه عائله تكتما على ألا تعود اليهما دفعك حب بلادك الى نسيان هذا الواجب وحجب عنك كل شىء إلا وطنك وأمتك.
إن هناك حقيقة عرفها قضاتك وشهد بها الناس وهى انك لست مجرما سفاك للدماء ولا فوضويا من مبادئه الفتك ببنى جنسه ولا متعصبا دينيا خلته كراهية من يدين بغير دينه إنما انت مغرم ببلدك هائم بوطنك كان الذى يثير الانتباه والدهشة هو مااعلنته انجلترا من ان بطرس غالى لم يقتل إلا لأنه قبطى وردد ذلك ورائها روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذى قال إن التعصب الاسلامى هو الذى دعا المصريين الى قتله وان وضع الأقباط فى مصر سىء للغاية.
والحق ان نصرانية بطرس غالى لم يكن لها أدنى تأثير فى تحريك الوردانى بل الخيانة التى ارتكبها غالى هى التى أدت الى قتله إيمان الوردانى بقضية بلاده ووطنيته وإخلاصه.
ان المسيحيين والمسلمين فى مصر يعيشون تجمعهم الألفة والود والمحبة فبماذا يفسرون ما قام به الشاب القبطى عريان يوسف سعد لما القى قنبلتين على دولة يوسف وهبة باشا عندما وضعه الانجليز على رأس الوزارة المصرية فى 21 فبراير 1919 وكانت الأمة المصرية مسلمين وأقباطا قد اتفقت على الامتناع عن تولى مناصب الوزارة ومقاطعة لجنة ملنرا.
كتب الاستاذ نجيب المنقبادى المحامى القبطى رسالة الى العالم نشرتها جريدة اللواء فى 9 مارس 1910.
اريد من صميم فؤادي أن ابدد التهم التى أشاعها الانجليز فى العالم ضد الوردانى ليقللوا من النتيجة السياسية لعمله فقد اتهموه انه فتى مختل الشعور قليل الذكاء وانه أطاع داعى التعصب الاسلامى بقتله بطرس غالى المسيحى الذى يقولون انه كان حرا ووطنيا انا اعرف الوردانى شخصيا وهو فتى شديد الذكاء كثير المعارف ملأت صدره الوطنية المتحمسة بعد أن ضاق صدرنا جميعا من السياسة الانجليزية التى كان بطرس غالى ينفذها باجتهاد.
وأنا بصفتى قبطيا أعنى مصريا مسيحيا أصرح إن حركتنا هى حركة وطنية مجردة ترمى الى الترقى والحرية وما تهمة التعصب الاسلامى الا من شائعات الانجليز التى يصنعونها ليبرروا المظالم التى يرتكبوها فى مصر.
وقد نفى المحامى القبطى الشهير مرقص فهمى تهمة التعصب مسفها أقوال الذين يتهمون المسلمين باغتيال بطرس غالى.
ويجيبه الشاعر على الغاياتى يقول :
خطبت فلم تجنح الى شرعة الهوى
ولم تتخذ الخـــلاف سبيلا
أنصفت قوما أنت منهم وان عدا
عليهم جهول أو أعان جهولا
فما أنت قبطى يبيــــع بلادة
ويرضى بدين الجاهلين بديلا
وما امة القران فى مصـر امة
ترى امة الإنجيل ابغض جيلا
فانا وانتم اخــــوة فى بلادنا
أقمنا على دين السلام طويلا
نزود عن الأوطان وان طم حادث
ونحمى حماها بكرة وأصيلا
سلام على الوردانى فى جنة الخلد وفى سفر الجهاد وفى انصع صفحات التاريخ سلام على غزال البر وأرجو من مكتبة الإسكندرية أن تفرد للإبطال جزء ولو يسير مما أفردته للأندال.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=21242&I=528