مادلين نادر
كتبت: مادلين نادر- خاص الأقباط متحدون
"دليل إرشادى لإعداد قانون أسرة متكامل أكثر عدالة".. كان هو عنوان الدليل الإرشادى الذى أصدرته مؤخرًا شبكة الجمعيات العاملة فى مجال حقوق المرأة فى "مصر"، والتى تضم عدة منظمات غير حكومية ناشطة في مجال المرأة والحقوق الأسرية، وهم: "مركز قضايا المرأة"، و"الجمعية المصرية للتنمية الشاملة"، و"الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية"، و"جمعية ملتقى تنمية المرأة"، و"الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإجتماعية"، و"جمعية المرأة والمجتمع"،و"المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة"، و"جمعية المرأة و التنمية"، و"جمعية حقوق المرأة السيناوية بالعريش"، و"جمعية بدر لتنمية المجتمع المحلى بسوهاج".
استقرار الأسرة يعود بالفائدة على المجتمع ككل
وعبّر هذا الدليل الإرشادي عن رؤية الشبكة فى مجال إصلاح قانون الأحوال الشخصية الحالى للمسلمين فى "مصر". وتتلخص رؤية هذه المنظمات التى قامت بإصدار الدليل فى أن استقرار الأسرة المصرية يعود بالفائدة على الأسرة والمجتمع ككل؛ حيث أن الأثر السىء لعدم استناد القانون الحالى بشكل كامل على مبدأ العدل والمساواة، ليس فقط بالنسبة للنساء ولكن للرجال والأطفال أيضًا، أى أنه على الأسرة ككل.
الحاجة لقانون أسرة جديد
يتناول القسم الأول من الدليل، القوانين التى تنظّم مسائل الأحوال الشخصية فى "مصر" فى الوقت الحالى، حيث أوضح الدليل أنه منذ حوالي قرن وإلي الآن تتوالي تشريعات الأحوال الشخصية في "مصر" لتضيف أو تحذف نصوصًا قانونية دون أن تصل إلي وضع قانوني يحمي الأسرة ويصون كرامة المرأة، لذلك فمن منطلق أن القاعدة القانونية تعتبر مقياس لحاجة المجتمع الفعلية وتنظيم لسلوك أفراده، فلابد أن تتطور هذه القاعدة القانونية مع تطور المجتمع لتلبي احتياجات أفراده، وإلا أصبحت عديمة الفائدة. ومن هنا أصبح هناك حاجة ملحة لوضع قانون أسرة جديد؛ للتغلب علي المشكلات الأسرية التي طرأت علي المجتمع المصري، ولا نجد لها حلا في ظل نصوص قانونية صدرت منذ أكثر من مائة عام، وهي ثابتة لا تتغير بينما المجتمع وظروفه الإقتصادية، والإجتماعية، والثقافية تتغير كل يوم. ولا يكفي أيضًا مجرد تغيير الشكل الإجرائي دون تغيير القاعدة القانونية التي تحكم الموضوع.
المرجعية فى إصلاح قانون الأحوال الشخصية
كما أكد الدليل على أن شبكة الجمعيات العاملة فى مجال حقوق المرأة، أجمعت على أنه يجب أن تكون المرجعية فى إصلاح قانون الأحوال الشخصية تستند إلى الواقع الحالى للأسرة المصرية، وما يكتنفه من مشاكل وأطور يجب مواجهتها سريعًا وبشكل خلاق، بالإضافة إلى التفسيرات المستنيرة للشريعة الإسلامية بما يساعد على التصدى للمستحدثات من الإشكاليات، كذلك يجب الإستناد إلى المواثيق الدولية التى صدقت عليها "مصر"، والتى تضمن الحياة الكريمة لجميع أفراد الأسرة.
مبادئ لقانون أسرة أكثر عدالة
كما تطرّق الدليل فى القسم الأول أيضًا إلى بعض المبادىء التى يجب أن يقوم عليها قانون الأسرة الأكثر عدالة، ومنها: إعمال مواد الدستور المصرى وتفعيلها، وبخاصة المادة (10)، والتى تنص على أن تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم. بالإضافة إلى المادة (40)، والتى تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
أما المبدأ الثانى، فهو أن تكون المرجعية فى مواد القانون لمبادىء الشريعة الإسلامية، وذلك بقراءة مستنيرة للنص، وفى هذا المجال يجب التفرقة بين الشريعة والفقة، فالأولى ملزمة، ولكن الفقة اجتهاد إنسانى فى تفسير النصوص، وهو جهد يمكن أن يُصيب أو يُخطىء. لذلك طالب الدليل بوجوب الإستناد إلى القواعد الشرعية المستقر عليها، وتفسيرها بالطريقة التى تحقق المصلحة الفضلى للأسرة.
وهناك مبادىء أخرى أشار إليها الدليل، مثل أهمية وضع أُطر ومعايير لإستخدام القاضى لسلطته التقديرية، وإعطاء المصلحة العامة الأولوية، وضرورة أن يهدف قانون الأسرة إلى تحقيق المساواة وعدم التمييز والعدالة والإنصاف والإحترام المتبادل، بالإضافة إلى المسئولية المشتركة، وإعلاء مصلحة الطفل فى حالات الخلاف بين الوالدين؛ حماية لحقوق جميع أطراف العلاقة الزوجية.
قضايا أساسية تحتاج لتعديلات قانونية
أما القسم الثانى للدليل فيتعرض لعشرة قضايا أساسية تحتاج إلى تعديلات قانونية، حيث أن بها إشكاليات عديدة فى وقتنا الحالى، وتتمثل هذة القضايا فى: الخطبة، والزواج، والطاعة، والنفقة، والحضانة، والرؤية، والطلاق والتطليق، والخلع، وتعدد الزوجات، والثروة المشتركة.
وفى هذا القسم ألقى الدليل الإرشادي الضوء علي المشكلات التي لم تتطرق لها القوانين المطبقة حاليًا فيما يتعلق بالعشرة قضايا السابق ذكرها، بالإضافة إلي وضع تجارب بعض الدول في معالجة بعض المشاكل في القانون تحت بصر العاملين في التعديل، والإستعانة والإستفادة بما يتناسب مع مجتمعنا.
إشكاليات الخطوبة الموجودة حاليًا
ويبدأ القسم الثانى من الدليل بطرح إشكاليات الخطوبة الموجودة حاليًا، حيث أنه لا يوجد فى قوانين الأحوال الشخصية حاليًا، مواد صريحة تنظم العلاقة بين المخطوبين فى حالة النزاع القانونى بينهما، ما عدا مادة واحدة هى المادة (9) من القانون رقم 1 لسنة 2000، وهى تترك لتقديرات القضاة والمصلحين والمحكم من الطرفين، ولا توجد نصوص صريحة تبين الآثار التى تترتب على فسخ الخطبة، مثلاً تعويض لما أصاب المتضرر من أضرار نفسية أو مادية.
ولذا طالب الدليل بأن يتضمن قانون الأحوال الشخصية نصوصًا تتعلق بالتعريف القانوني للخطبة، بأنها وعد غير مُلزِم بالزواج وليس عقدًا ملزمًا، والعدول عن هذا الوعد حق من الحقوق التي يملكها كل من الخاطب والمخطوبة. بالإضافة إلى ضرورة أن يتضمن قانون الأحوال الشخصية بنودًا تنظم رد الهدايا والشبكة عند فسخ الخطبة، وتنظّم مسألة تعويض من تضرر ماديًا ومعنويًا من جراء فسخ الخطبة بدون رضاه.
قضية الزواج
أما فيما يتعلق بقضية الزواج، فقد طالب الدليل الإسترشادي بضرورة تعريف الزواج ونصوصه، ومعالجة ظاهرة الزواج غير الرسمي (العرفي، والقبلي، والسني)، والتمسك بالحد الأدنى لعمر الراغبين في الزواج - وهو18 عامًا - مع وضع عقاب جزائي رادع على من يخالف ذلك؛ لضمان عدم تعرض أي من الرجل أو المرأة للضغط أو التدخل الخارجي بهدف تزويجهم، وأن يُعتبر أي عقد زواج تم تحت ضغط أو إكراه لاغيًا، ويعاقب القانون الأطراف التي مارست الضغط، وتشمل العقوبات دفع تعويضات للطرف المتضرر.
قضية الحضانة
وأشار التقرير فيما يتعلق بقضية الحضانة، إلى وجود إشكاليات فى القانون الحالى، ومنها أن ترتيب الأب فى الحضانة متأخر بصورة كبيرة مما ينتهك حق الأب فى إمكانية رعاية طفله، بالإضافة إلى أن القانون الحالى ينص أيضًا على أن تترك الأم حضانة الصغير للتزوج، وعند طلاقها تسترده دون مراعاة مصلحة الصغير ومدى تقبله لذلك.
مقترحات للتغلب على إشكاليات الحضانة
وقدّم الدليل مقترحات للتغلب على تلك الإشكاليات، منها ألا يتم منع الأم الحاضنة من حضانة صغارها إذا كان ذلك فى مصلحة الطفل فى ظروف خاصة "ذوى الإعاقة- صغر سنة أقل من 7 سنوات - مرض يحتاج لرعايتها ..الخ"، على ألا تستحق فى تلك الحالة أجر مسكن حضانه، وفى غير ذلك يترك هذا لتقدير القاضى ومصلحة الطفل. بالإضافة إلى إعادة النظر فى ترتيب الأب من حضانة الصغير ليكون التالى للأم، بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل، وتفعيل نص المادة (292).
مسألة الطاعة
وفى مسألة الطاعة، طالب القائمون على الدليل بضرورة الإستعاضة عن لفظ "الطاعة" بلفظ "الإلتزامات المتبادلة"، وبلفظ "الإخلال" بدلاً من لفظ "النشوز" مع إبقاء الآثار المترتبة على كلاهما. كما أكدوا على ضرورة النص بالقانون على أن يكون الإعتراض على الإنذار خلال ثلاثين يومُا تبدأ من تاريخ إنتهاء المدة المقررة لمكتب تسوية المنازعات، وعلى عدم قبول الإنذار الموجَّه من الزوج إذا كان هناك إنذار مازال متداولاً بالمحاكم، ولم يصدر فيه حكم نهائي، أو انقضت مواعيد تجديده إذا كان قد شطب، وربط الحكم برفض هذه الدعاوى بغرامات مالية؛ للحيلولة دون إساءة استخدام هذا الحق.
مسألة النفقة
أما بالنسبة للإشكاليات الموجودة حاليًا فى قانون الأحوال الشخصية فى مسألة النفقة، فلقد اقترح الدليل أن يكون بالقانون نص على حق الزوجة في طلب نفقة الزوجية لمدة أكثر من سنة سابقة على إقامة الدعوى، أسوة بما هو مقرر للصغير بشأن المطالبة بالنفقة لمدة سابقة أكثر من سنة عن إقامة الدعوى، طالما أثبتت حقها في ذلك. وإستثناء دعاوى النفقات من شرط عرض الصلح في قضايا النفقة، وإلزامية القضاء بالنفقة المؤقتة عند إقامة الدعوى- حتى لو لم تطلب- ويمكن أن يلتزم بها صندوق تأمين الأسرة لحين فرض النفقة بالحكم.
هذا مع وضع حد أدنى للنفقة يساوي حد الكفاف، دون النظر لقدرات الملتزم بها ماليًا، على أن يتحمل صندوق تأمين الأسرة الفارق بين قدرة الملتزم وحد الكفاف. مع النص على ذلك في الحكم، وأن يتضمن الحكم الصادر للنفقة الإلتزام بالأداء والحبس عند الإمتناع، مع تنظيم التوفيق ما بين الحبس والإستمرار في حالة عدم السداد، وعدم قبول زيادة النفقة أو التخفيض فيها قبل مضي عام من الإتفاق أو الحكم.
تعدد الزوجات
أما أكثر القضايا التى أثارت جدلاً عند إعلان هذا الدليل فكانت مسألة تعدد الزوجات؛ حيث اقترح هذا الدليل أن يكون تعدد الزواج مشروطًا ومقيدًا، بحيث يكون الإذن بالتعدد عن طريق المحكمة. كما يتم منع التعدد إذا لم يكن الرجل قادر على إعالة أسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقة، وإسكان، ومساواة في جميع أوجه الحياة. وإذا كان لابد من التعدد يُلزم الزوج بالحقوق المالية للزوجة الأولي قبل الإذن له بالتعدد. أما فى حالة عدم موافقة الزوجة الأولى على زواج زوجها للمرة الثانية، ففى هذه الحالة من حقها طلب الطلاق وتُطلّق بالفعل، ويقضي لها بذات الحكم بالمستحقات المالية لها ولأبنائها.
قضية الثروة المشتركة
وتأتى قضية الثروة المشتركة فى نهاية القضايا التى طرحها الدليل، وقام فى البداية بوضع تعريف واضح لها، وهى: المبالغ أو العقارات التى تتكون أثناء قيام العلاقة الزوجية نظير عمل الزوج أو الزوجة"، و إن كانت ربة منزل، واستثماراتهما، ويُستثنى من ذلك أيه أموال أو عقارات تم تكوينها خارج إطار الزواج مثل الميراث.
وأشار الدليل فى هذا المجال إلى أن القانون الحالى لا يوجد به تنظيم لهذا الأمر، وإن كانت المادة (33) من لائحة المأذونين المضافة فى عام 2005 تبيح للطرفين الإتفاق بشأنها فى شروط وثيقة الزواج.
مقترحات للتغلب على إشكاليات الثروة المشتركة
وقد قدّم الدليل بعض المقترحات للتغلب على تلك الإشكاليات، ومنها إنه لابد من تدخل المشرع بنصوص قانونية تنظم هذه المسألة، آخذين في الإعتبار تمتع كل من الزوج والزوجة بذمة مالية مستقلة، وعدم دخول الثروات التي تكونت خارج إطار وقت الزوجية في الثروة المشتركة، مثل: تلك التي كانت نتيجة ميراثه من الأهل، أو أعمال واستثمارات سابقة علي الزواج، علاوة على أن يتم الإتفاق علي كيفية امتلاك الثروة المشتركة، ونسبة كل من الزوجين فيها، سواء تم ذلك في عقد الزواج أو في أي عقد آخر.
كما أنه بالنسبة إلى الزوجة التي طلّقها زوجها بشكل تعسفي، ولم ينص عقد زواجها أو أي عقد مستقل علي الأخذ بنظام الثروة المشتركة، يكون لها الحق في الحصول علي حقها، والذي يحصل من الثروة التي جناها الزوج أثناء الزواج. علي أن يوفّق المشرِّع بين أحكام اقتسام الثروة المشتركة والإلتزامات المترتبة علي الطلاق، لاسيما بشأن المستحقات المالية للأبناء؛ لضمان عدم حدوث غبن علي أحد الأطراف.
http://www.copts-united.com/article.php?A=21253&I=528