طارق ججى: لن يحدث أن أفقد الأمل في التغيير والإصلاح مهما حدث

عماد توماس

يحمل الدكتور طارق حجي على كاهله مشروعًا فكريا تنويريا لا يمل ولا يكل فى الترويج له عبر مقالاته التي تعدت ألف مقال بالعربية والانجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى كتبه ومحاضراته وحواراته التلفزيونية. لا يفقد الأمل في التغيير والإصلاح مهما كانت الصورة قاتمة، ينطلق من الماضي نحو الحاضر برؤية استشرافي للمستقبل، يرتكز مشروعه التنويري على ركائز أساسية منها الليبرالية السياسية والاقتصادية والفصل التام بين الأديان والدولة و تطوير النظم التعليمية ، انه مثل الطبيب الماهر الذي يتعامل مع أصل المرض لا العَرض، فيقدم  روشته علاج لكي يتحرر العقل العربي من سجونه المعاصرة. يدعو الأقباط المسيحيين لطلب حقوقهم من خلال منطلق حقوق الإنسان المصري، وليس منطلقا دينياً ، يؤكد على أن ثقافة التعصب انتشرت في كل المجتمع المصري.

حاضر الدكتور حجي، في معظم الجامعات العلمية في مختلف دول العالم ، بما في ذلك جامعة أكسفورد وطوكيو وملبورن وسيدني وبرنستون وكولومبيا، وجامعة ولاية كولورادو والجامعة الأميركية في القاهرة وغيرها. وهو خبير بترولي ذائع الصيت ومستشار لأشهر شركات البترول العالمية. متزوج ولديه ابنتين (مروة ومـى).

ورغم انه كثير السفر والترحال والمشغوليات، استقطع الدكتور حجي جزءا من وقته، واختص "الأقباط متحدون" بحوار تناولنا فيه العديد من القضايا.

د. طارق ججى:
•لا أؤمن بالأبراج وأعتبر أن القراءة في مجـالها ضرب من العبث وإضاعة الوقت وإهدار قيمة العقل.
•لا أرى تناسب بين ما قمت به من عمل والأثر الذي أحدثه هذا العمل.
•أؤمن بدور الفعاليات الجديدة  ومنها الفيس بوك ، ولكنني لا أبالغ في حجم وأثر هذا الدور.
•اشمئزازي هائل بسبب رفض مجلس الدولة تعيين المرأة قاضية.
•يتزايد العنف الطائفي ضد المسيحيين بسبب التعصب والتعليم وضعف دور الدولة واعتمادها على الأدوات الأمنية فقط في العلاج.
•على الأقباط المسيحيين أن يطالبوا بحقوقهم من منطلق حقوق الإنسان المصري
•المطلوب ليس ترميم النظام الحالي للتعليم وإنما استبداله بنظام تعليمي عصـري
•لن يحدث أن أفقد الأمل في التغيير والإصلاح مهما حدث
•لكي يتحرر العقل العربي من سجونه المعاصرة لابد من إرادة سياسية للتغيير وقيادة مؤهلة لإحداث وتقديم التغيير.
•الفارق الرئيسي بين الحضارة الغربية وسائر الحضارات الأخرى يتعلق بدور العقل بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص.
•أتابع "الأقباط متحدون" وأقدر رسالته الإعلامية.

حاوره: عماد توماس-خاص الأقباط متحدون

- د.حجى... تدعو دائما من خلال مقالاتك وأحاديثك إلى قيم التسامح وقبول الأخر والتعددية...هل تعتقد أن هذه القيم مطلب أخلاقى فقط أم أنها ضرورة قانونية على الأفـراد والدول أن يعملوا بها؟
- بجانب أن هذه القيم مطلب أخلاقي، فإنها أيضاً مطلب ثقافي وتعليمي وقانوني. أي أنها ضرورة من كافة هذه الجوانب. وعلى كل حكومة رشيدة أن تضع القوانين والأطر والنظم التعليمية التي تضمن ذيوع هذه القيم وتُشَرب المجتمع بها.

- انتم من مواليد محافظة بورسـعيد يوم 12 أكتوبر عـام 1950، اى أنكم  من مواليد برج "الميزان"... الذي يقول الفلكيون عنه أنه برج "العظماء"... هل تؤمن بالأبراج ؟

- لا أؤمن بالأبراج وأعتبر أن القراءة في مجـالها ضرب من العبث وإضاعة الوقت وإهدار قيمة العقل.

- ستلقى محاضرة بجامعـة الزيتونة بتونـس  يـوم 12 أكتوبر القادم، وهو اليوم الذي يوافق مـرور 60 عام على مولدك...هل أنت راضى عن الدور الذي قمت به في تنوير المجتمع والإسهام في نهضته خلال الفترة المنصرمة من حياتك ؟

- أي إنسان يقوم بكتابة ونشر أكثر من عشرين كتاباً وأكثر من ألف مقال وأن يكون قد ألقي مئات المحاضرات والأحاديث الإذاعية والحــوارات التلفزيونية ، يكون راضياً
( بشكل نسبي ) عن عمله. ولكن ذلك لا يعني أن يكون راضياً عن أثر هذا العمل . وأنا  شخـصياً أرى عدم التناسب (في حالتي)  بين العمل والأثر الذي أحدثه هذا العمل.

- تُشـدد فى كتاباتك على قيمة المرأة في المجتمع، فكتبتم "لا أمل ولا رجاء في مجتمعٍ لا يعطي المرأة كل الحقوقِ في كلِ المجالاتِ"... ما تعليقك على رفض تعيين المرأة قاضية؟
- أنا أؤمـن بمنطقية تعيين المرأة في أي منصب بما في ذلك رئاسة الدولة. وعليه فإن اشمئزازي هائل بسبب حدث في مجلس الدولة منذ شهــور عندما رفض المجلس تعيين قاضيات به في خطوة رجعية كانت تقتضي تدخلاً حاسمـاً من القيادة السياسية ، تدخلا يخلق عبرة أمام المجتمع . ولكن ذلك لم يحدث إذ إن هذه المسألة ليست من أولويات القيادة السياسية في مصر اليوم.

- في رأيك كيف يمكن حدوث تحول ديمقراطي في مصر؟

- حدوث تحول ديمقراطي في مصـر يكون بإيجاد وتقوية المؤسسات والمنظومات التي بمجموعها تكتمل الديمقـراطية  فالديمقراطية هي قواعد دستورية عصرية  وملائمة وغير مغرضة لصالح البعض ثم أحزاب حقيقية قوية ثم مجتمع مدني قوي ثم قضاء عصري مستقل
ومحايد ثم تدريب على الممارسـات السياسية والحزبية منذ سنوات الدراسة (على الأقل الجامعية) وأخيراً عملية انتخابية شفافة ونزيهة. وكل هذه المكونات (في واقعنا)  إما غير موجودة أو إما ناقصة أو شكلية بدون جوهر.

- يتحدثون عن الإعلام الجديد والشــبكات الاجتماعية أنها احد طرق التغيير في مصر..هل تعتقد أن شباب الفيس بوك الذي خرج متضامنا مع الشهيد خالد سعيد يمكن أن يصنع التغيير في مصر أم أنها مجرد حركات حماسية ونضال افتراضي على الإنترنت؟
- نعم ،  أؤمن بدور الفعـاليات الجديدة  ومنها الفيس بوك ، ولكنني لا أبالغ في حجم وأثر هذا الدور.

- لديكم كتابات عميقة في المسـألة القبطية ... وتؤكـد دائمًا في مقالاتك إن أقباط مصـرَ ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية وإنما هم (مع المسلمين) مُلاك أصليون للمواطنة المصرية وأن لهم مشاكل قابلة بالكلية للعلاج....في رأيك لماذا تزايد العنف الطائفي في مصر في الفترة الأخيرة؟

- الأسباب الحقيقية لهذا الوضع المؤسف هي كالتالي:
(أ‌)انتشار ثقافة التعصب في كل المجتمع المصري.
(ب‌) عدم وجود نظام تعليمي عصري يفرز قيم التعددية وقبول الآخر والعيش المشترك الإيجابي بين كافة أبناء المجتمع.
(ج) ضعف دور الدولة واعتمادها على الأدوات الأمنية فقط في العلاج.

- كيف يمكن للأقباط المسيحيين أن يطالبوا بحقوقهم بشكل لا يستفز إخوانهم من الأقباط المسلمين؟

- يمكن أن يحدث ذلك إذا كان المنطلق هو حقوق الإنسان المصري. أما إذا كان المنطلق دينياً ، فإن الحالة ستزداد سوءاً.

- في رأيك ما الذي يجعل الجماهير العريضة تخرج عن بكرة أبيها لتعتدي على مواطنين سالمين...أو تخرج في مظاهرة للدفاع عن اختفاء فتاة أو سيدة؟

- أسباب ذلك السلوك البغيض هي:  
(أ‌)الجهل
(ب‌) المناخ العام المشحون بروح التعصب.
(ج‌)سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للأزمات.

- تقيمك لعملية التعليم في مصر ... هل تعتقد إننا نحتاج إلى ثورة في التعليم لتحدث النهضة؟ وفى رأيك أهم سلبيات التعليم في مصـر ما هى ؟ وكيف يمـكن علاجها؟

– الحكومات المتعاقبة تتحدث عن إصلاح التعليم وكلى ثقة إنها لا تعرف ما هو المطلوب .فالمطـلوب ليس ترميم النظام الحــالي وإنما استبداله بنظام تعليمي عصـري يقوم على قيم الحداثة والتقدم وفلسفة تعليمية تهدف لتشــجيع ذهنية الابتكار لا عقلية الحفظ والاستذكار.
- في كتابكم "سجـون العقل العربي" وصفتم  العقل العربي المعاصر بأنه كيان مأسور في ثلاثة سجون أو مسلسل بثلاثة قيود : الأول: قيد التفســير السلفي المُتحجر المُناقض لحقائق العلم والثاني:  قيد الثقافة ومؤسســات وبرامج تعليمية لا تُرسخ قيم

المدنية والتقدم والإنسانية والثالث:  إشكالية فلسفية واقعة بين هذا العقل ومفهوم المعاصرة والتقـدم تجعله رافضًا لها..في رأيك كيف يمكن أن يتحـــرر العقل العربي من كل هذه القيود؟

- لكي يتحرر العقل العربي من سجونه المعاصرة لابد من توافر مايلي:
أولاً  إرادة سياسية للتغيير.
ثانياً  قيادة مؤهلة لإحداث وتقديم التغير.
ثالثاً  تقديم نظام تعليمي يساعد على تسريع محاولات عملية الإصلاح.

- قمتم بدراسة الأديان الإبراهـيمية وما يسميه البعض بالديانات "غير السماوية" حتى أن جامعة تورنتو الكندية أسست منحة دراسية للدراسات العليا باسمكم في أبحاث الأديان المقارنة..ما نتيجة  كل هذه الدراسات والقراءات بماذا خرجت من كل هذه  الدراسات؟

-  هناك نتائج كثيرة خرجت بها من أهمها أن معظم المجتمعات الشرقية لم تعلم أبنائها وبناتها الاحترام اللازم لحرية المعتقد أياً كان اختلاف هذا المعتقد عن معتقداتنا الخاصة.

- برعتم في كتابة المقالات المطولة وتميزتم بالكتابة مقالات قصيرة في تلخيص لا يخل بالمعنى وبالمضمون وكتبتم "الدانات" ...ما هى أحدث "داناتك" التي تحب أن تشارك بها القراء ؟

- كتبت مجموعة دانات لم تنشر بعد بعنوان (أحلام كل رمسيس) تدور حول أحلام كل حاكم مستبد وغير شرعي وطاغية في مجتمعاتنا ، وتتضمن نقداً قوياً لمشروعات التوريث في عدة  مجتمعات عربية.

-  ماهى الركائز الأساسية للمشروع الفكري عند د.طارق حجي؟

-  الركائز الأساسية لمشروعي هى :
أولاً  الليبرالية السياسية
ثانياً  الليبرالية الاقتصادية
ثالثاً  الفصل التام بين الأديان والدولة
رابعاً ضرورة تطوير النظم التعليمية لأكبر طاقة 
خامساً تأسيس الحياة السياسية والتعليمية على مجموعة القيم التي سميتها "قيم التقدم"

- عشتم فترة طويلة في الغرب...في رأيك ما هى أهم القيم التي تختلف في الغرب عن الشرق؟

- الفارق الرئيسي بين الحضارة الغربية وسائر الحضارات الأخرى يتعلق بدور العقل بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص.

- لماذا نراك مقلا في كتاباتك في الصحف المصرية وقليل الظهور في الفضائيات العربية؟
- خلال العامين الأخيرين صدرت لي عدة كتب: ثلاث كتب بالإنجليزية خارج مصر وكتاب بالإيطالية (أيضاً خارج مصر) كما قمت بإصدار كتابين جديدين بالعربية وظهرت خلال السنتين الأخيرتين بأكثر من 12 حوار تلفزيوني أعد كل منها إعداداً جيداً.
وقد أدى التركيز على الكتب الجديدة إلى قلة المقالات لشعوري أنني كنت في مرحلة سابقة جائراً على الكتب لمصلحة المقالات .

- هل تشعر بالإحباط وفقدان الأمل عندما يكون هناك فنانون معرفون عل مستوى المجتمع (نخبة وعامة) وانتم لا يعرفكم غير المثقفين فقط؟

- على النقيض ، فأنا أعتقــد أن كتبي ومقالاتي وحواراتي التلفزيونية وصلت لما لا يقل عن عشرين مليون مصري. ولا يوجد منطــق في المقارنة بين المفكرين والمثقفين من جهة والفنانين من جهة أخرى. فقد كان مطربو فرقة البيتلز في بريطانيا أكثر شهرة من برتراند راسل أكبر فيلسوف بريطاني  معاصر (رغم حصوله على جائزة نوبل).

- متى تفقد الأمل في إمكانية التغيير والإصلاح في المجتمع المصري؟

– لن يحدث أن أفقد الأمل في التغيير والإصلاح مهما حدث .

-  هل تتابع موقع صحيفة "الأقباط متحدون" وما تقيمك للرسالة الإعلامية التي يقدمها؟

- نعم أتابع هذا الموقع الممتاز وأقدر رسالته الإعلامية وأعتقد إنها تساهم في توعية أبناء وبنات مصر بل والعالم الخارجي لقضية من أهم قضايا مجتمعاتنا .