نسيم عبيد عوض
من تاريخ وحضارة الأمة القبطية
بقلم: نسيم عبيد عوض
وحدة أى أمة تقوم أساسا على عدة عناصر ومقومات أساسية, لابد من توافرها حتى يكون لها التميز والترابط عن غيرها من الشعوب والأمم الأخرى. والأقباط تتوافر لديهم عناصر ومقومات وحدتهم منذ فجر التاريخ وحتى اليوم , حتى جعلت منهم شعبا متصلا بعضه ببعض, متميزا فى بعض صفاته عن غيره من الشعوب.
فالشعب القبطى يعيش على ارض واحدة هى أرض مصر منذ فجر التاريخ وحتى اليوم , له أصوله الجنسية الواحدة والمتميزة, يتكلمون بلغة واحدة سواء كانت اللغة المصرية القديمة (القبطية) أو اللغة العربية العامية
( وهى لغة الأقباط ) والتى يتميزون بها عموما عن باقى الشعوب العربية, ويدين بعقيدة دينية واحدة, وهى عقيدة الإيمان الأرثوذكسية, ( دخلت مصر الكاثوليكية والبروتستانتينية حديثا) والتى تميز بها القبطى عن غيره من شعوب العالم المسيحى , منذ وضع بطريرك الكنيسة القبطية قانون الإيمان المسيحى, (بالحقيقة نؤمن بإله واحد) حتى ان الكنيسة المصرية تميزت عن غيرها من الكنائس الأرثوذكسية بأنها الكنيسة القبطية, وسنجد أنها كانت قائدة كنائس العالم حتى القرن الخامس الميلادى وحتى 451 م ( تاريخ مجمع الإنشقاق فى خلقيدونية)
وعناصر وحدة الشعب القبطى هى:
1- أرض مصر
2- الأصول الجنسية للأقباط
3- اللغة المصرية(القبطية) أو العامية المصرية
4- عقيدة الإيمان الأرثوذكسى
وسنفرد لكل عنصر من هذه العناصر مقال مستقل:
أرض مصر
منذ بدأ الانسان المصرى يدق بخطاه فى الحياة على أرض وادى النيل , ليصنع الحضارة المصرية الخالدة حتى اليوم والشعب القبطى يعيش على ارض واحدة هى أرض مصر, وهى نفس تلك البقعة من الأرض التى تضم تراب مصر جغرافيا والتى فى تكوينها تشمل ذلك الوادى الممتد الذى يخترقه نهر النيل العريض , يجرى بمياهه الفياضة فى الأراضى المصرية, قادما من قلب أفريقيا جنوبا حتى نقطة الى الشمال من عاصمة البلاد (منف) ثم يتشعب منها الى عدة فروع بلغت فى العصور القديمة سبعة فروع لنهر النيل , والتى تقلصت الآن الى فرعين يخترقان دلتا وادى النيل , تلك الارض ذات الخصوبة العالية فى صورتها الحالية, ويصبان ( دمياط –رشيد ) فى البحر الابيض المتوسط.
وأرض مصر هذه هى التى أخرجت للبشرية أعظم حضارات العالم فى كافة جوانبها المادية والفنية والادبية والعلمية حتى أصبحت خير بلاد العالم حضارة مادية وروحانية أصالة وعلما.
وهذه الأرض لها حماية طبيعية , محمية من الرب الإله منذ تكوينها الأول وحتى الآن , فمنذ إستقرار التكوين الجيلوجى لأرض مصر بعد الطوفان , فقد أعطاها الله الحماية الطبيعية لارضها وبالتالى لشعبها, هذه الحماية التى أعطت لشعبها الأمن والإستقرار , فأخرج المصرى ماعنده من عبقرية ومواهب فصنع تلك الحضارة العظيمة التى أثرت على حضارات العالم القديم والحديث .
والحماية الطبيعية لارض مصر تأتى من جميع الجهات الأصلية , فمن الشمال يقع البحر المتوسط, ومن الشرق البحر الأحمر ثم صحراء مصر الشرقية, ومن الغرب الصحراء الغربية , ثم جنادل أسوان عند جنوبها.
هذه الظروف الطبيعية هى التى أعطت لمصر والمصريين التفرد والامتياز عن غيرهم من الشعوب حتى جعلتهم يتفرغون لبناء حضارتهم , ويرى علماء الجغرافية والتاريخ ان اهم عوامل قيام الحضارة المصرية العريقة على ارض وادى النيل وتفوقها على غيرها من الحضارات الأخرى , هو ذلك النتاج الطبيعى والتفاعل بين البيئة والانسان فى مصر , ذلك التفاعل المبدع من الظروف الطبيعية وحاجات ومهارة الإنسان.
ثم هى أرض محمية من الرب الإله فهى الارض ( كجنة الرب فى الارض) كما جاء ذلك النص فى سفر التكوين (13: 10) –كجنة الرب كأرض مصر- ويأتى نص الآية " فرفع لوط عينية ورأى كل دائرة الأردن ان جميعها قد سقى كجنة الرب كأرض مصر."
ثم يأتى دور نهر النيل الخالد الذى منح ووهب المصرى الكثير ليصنع تلك الحضارة , فقد عبد المصرى القيم نهر النيل لأنه خارج من عند الله , وهو فى الحقيقة نابع من عند الله , لانه أحد الانهار الاربعة التى تخرج من تحت جنة عدن كم ورد النص فى( تك 2: 10-14) وكان نهر يخرج من جنة عدن يسقى الجنة ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس , اسم الواحد فيشون وهو المحيط بجميع أرض الحويله حيث الذهب , واسم النهر الثانى جيحون وهو المحيط بجميع أرض كوش , وحيث ان ارض كوش هى ارض الحبشة فأن نهر جيحون هو نهر النيل الخارج من جنة عدن الذى جاء ليسقى أرض مصر فلا عجب اذن من كرمه وهباته الفياضة لأرض مصر.
وإذا بحثنا فى اسم النيل نجده لا يفيد اسم النهر , بل ان معناه حرفيا المياه أو النهر , فإن لفظة النيل هى كلمة قبطية ترجع الى كلمة ( نى ياروو ) ثم صارت فى اللهجة القبطية الفيومية ( نى يال ) ثم حورت الى _ النيل – ومعناها النهر او المياه, فيكون اسم النهر جيحون, وبفضل نهر النيل تميزت الحضارة المصرية دون غيرها من الحضارات بالإستمرارية , وأصبحت ارض مصر هى من أقدم مواطن الحضارات الانسانية الاولى, بل مازالت هذه الحضارة باقية كالمعلم الاول لكافة الحضارات.
كما ان الحماية والمباركة لشعب مصر ولأرض مصر من الله وبالنص فى الفقرة الأخيرة من الإصحاح 19 من سفر إشعياء النبى على قول الرب" بها يبارك رب الجنود قائلا: مبارك شعبى مصر "
وكانت أرض مصر فى العصور القديمة وحتى عام 641م تاريخ الغزو العربى لمصر هى خير البلاد جميعها فكانت اول البلاد المنتجة للقمح فى العالم حتى سميت بمخزن العالم (( وجاءت كل الأرض الى مصر الى يوسف لتشترى قمحا . لان الجوع كان شديدا فى كل ألأرض. )) تك 41: 57" , وتميزت بوفرة الموارد الزراعية والمعدنية عن غيرها من بلاد العالم , وكان ذلك من الأسباب الرئيسية التى جذبت المستعمر اليونانى ثم الرومان ومن بعدهم العرب المسلمين لغزو مصر وإحتلالها.
وليس أدل من ذلك على وصف عمرو بن العاص فاتح مصر فى القرن السادس الميلادى فى كتابه إلى الخليفة عمر بن الخطاب يصف له فيه مصر:
(( إعلم ياأمير المؤمنين ان مصر تربة غراء , وشجرة خضراء , يخط وسطها النيل , مبارك الغدوات , ميمون الروحات , تجرى فيه الزيادة والنقص , كجرى الشمس والقمر , وبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء فهى عنبرة سوداء , وهى زمردة خضراء , وإذا هى ديباجة رقشاء , فتبارك الله الفعال لما يشاء. ))
ورد عليه أمير المؤمنين قائلا (( لله درك يا أبن العاص فلقد وصفت لى خبرا كأنى أشاهدة .))
وهكذا أحتلت مصر من الغزاة العرب.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=21544&I=536