أرض النفاق (3)
سامح سليمان
بقلم: سامح سليمان
إن تزايد صلاحيات مروجي ودعاة وتجار الوهم والخرافات والأكاذيب، يؤدى حتمًا وبالتبعية إلى تفاقم الفكر الغيبى الهزلى الخزعبلى، وانتشار ثقافة التواكل، والتخاذل، والإتكال، والتكاسل، والإستسهال، ورفض وكراهية واحتقار الحياة، وضعف وتضاؤل القدرة على التلامس مع النفس والواقع والحياة، وفقدان الأمل والرغبة فى السعى للحصول على ما يبتغيه المرء ويتمناه فى هذه الحياة، واستفحال قيم وثقافة الموت، وترجى تحقيق الأهداف والأمانى والتطلعات، وحصاد جزاء الصبر والتحمل فى عالم وحياة أخرى، واعتماد وانتظار الحلول الفجائية السحرية الإعجازية الرافضة والمُحتقرة والمعادية لقوانين المنطق والعقل ومبادئ التفكير العلمى المنهجى العقلانى، والمؤدية لإنتشار الأمراض الإجتماعية والنفسية، وتخريب وتشويه قاعدة الإنسان الفكرية وكيانه الوجدانى، والتراجع والتقهقر المتتالى لأى تقدم أو أزدهار علمى أو إقتصادى، واجهاض أى مشروع فكرى وطنى حضارى تنموى، وديمومة الإرتهان والعبودية لسلطة وسطوة القيم الماضوية، والإنتماءات القبلية، والمشروعات والتيارات والتوجهات والجماعات الفئوية الإقتصائية الإستئصالية العنصرية، وازدياد التراجع عن فكر وقيم المدنية والمواطنة، والمساواة فى القيمة الإنسانية والحقوق والواجبات، وتعزيز سيادة ثقافة العار وقيم القبيلة القائمة على رفض ومنع وتجريم وتحريم الصداقة أو المحبة أو التعاون أو الشراكة أو الزواج؛ إلا من نفس اللون أو العرق أو المجتمع أو الدين أو المذهب أو الطائفة؛ حيث تؤدى سيادة تلك القيم الغبية الحمقاء السخيفة إلى تفتيت الوطن وتشرذمه، وتحويله إلى مجرد أرض تضم مجموعة من القبائل المتفرقة التى لم تجمعها إلا صدفة الميلاد على نفس الأرض المتصارعة المتناحرة المتنازعة على السيادة والتسلط، والتى تسعى كل قبيلة منها إلى فرض قيمها وأفكارها ومعتقداتها على الأضعف، وإقصاء وإزاحة وإبادة من لم يقدِّم فروض الطاعة والولاء من القبيلة الأضعف للقبيلة الأقوى، أو من رفض الخضوع والإذعان والإمتثال لقيم قبيلته العدوانية الغبية المشوهة، ورفض الإنصياع والإنصهار فى بوتقة التيار السائد، والتماهى والتوحد بالقطيع والمجموع الرجعى الجاهل، والإلتجاء للقوى والكائنات الإفتراضية الوهمية التى لا ترى بالعين المجردة ولا حتى بالميكرسكوب، ولكن يمكن رؤيتها فقط فى المنام، ولا يراها إلا من يؤمن بوجودها قبل أن يراها، ويرغب ويسعى إلى رؤيتها؛ حتى إن كان ذلك عن طريق الخداع والإختلاق والكذب على نفسه وعلى الآخرين؛ طمعًا فى الشعور بالقوة- وبأن هناك من يهتم به ويساعده ويدافع عنه عند الضرورة- والقيمة، والأفضلية، والتميز على من حوله ممن يفوقونه علمًا أو قوة أوسلطة، ويهددون كيانه الضعيف الهش. وينسى حاضره المؤلم المأساوى الكئيب البشع الردئ، مما يتسبب فى ألتزايد المستمر للمغيبين والمنقادين والموتورين.
ويضمن للسادة استمرارية البقاء فى مناصبهم، وربما أيضًا الترقى واتساع نفوذهم وصلاحياتهم، بخلاف أن مؤسسات المجتمع المختلفة، بدايةً بمؤسسة الأسرة وصولاً إلى المؤسسات التعليمية والتثقيفية والإعلامية والدينية بمختلف أنشطتها، تلعب دورًا كبيرًا ومؤثرًا وفعالاً وبعيد المدى فى تلويث وتزييف وتشتيت وتفكيك الرأى العام، وانتهاك العقل واغتياله بتقويضه وتخريبه وتشكيله بصورة مُشوَّهه.
إن الخداع والغدر والإنتهازية والإستغلال وانعدام الرحمة والمشاعر، هى أهم فضائل المجتمعات المنافقة الكاذبة، وأكثر القيم رواجًا وفاعلية فى المجتمعات القبلية القمعية المتخلفة التى لم تنجح فى اقامة علاقه قائمة على الإحترام والتعاون المتبادل مع الفرد ـ حتى
وإن رفضت ولعنت واحتقرت فى العلن ـ بينما قيم أخرى مثل العدالة، والمساواة فى القيمة الإنسانية، والتكافل، ومساعدة الآخر بدون أى مطامع، واعطاء كل صاحب حق حقه ـ حتى وإن كان بلا ظهر يحميه، ودون أى احتياج لأى تدخل أو وساطة ـ هى قيم سخيفة وبالية ومنتهية الفاعلية والصلاحية، وغير قابلة للتطبيق أو الاستخدام. ويتم تصنيفها ضمن قائمة الخطايا والرزائل والنقائص ونقاط الضعف، ولعنها وازدرائها ورفضها، حتى وإن تم تجنيد كافة المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية للإشادة بأصحابها والدعوة إلى التحلى بها.
"كثيرًا ما يدعو اللصوص إلى الصبر والأمانة والرضى والقناعة حتى لا يزداد عدد من يتقاسم معهم الغنيمة"
http://www.copts-united.com/article.php?A=21561&I=536