ماذا لو صدر قانون الأحوال الشخصية الجديد (5)

صموئيل عازر دانيال

بقلم :صموئيل عازر دانيال

ربط المقال التالى
الاجتهاد البشري في تدبير رعاية المُطلَّقين والمُطلَّقات. شرعيته وشروطه. ودور علماء الشعب في إقرار هذا التدبير بحسب تقليد الكنيسة.
- المسيحي "وُسم" أو "رُسم" لكي يصبح ‏«لائيكوس‏» (الكلمة اليونانية) أي ‏«عضواً في شعب الله» (ويسمَّى خطأ "علماني")، نائلاً "رتبة" البنوة لله بالنعمة، كما يرد ذلك اللقب في صلوات طقس المعمودية.
- ونحن نقصد من وراء ذكر هذه الكلمات الطقسية سواء باللغة اليونانية أو العربية ومعناها، أن نبين اللغة التي تكلم بها آباء الكنيسة في تقليدهم الكنسي عن شعب الكنيسة كقسم وجزء مميز لا يتجزأ من بنيان كنيسة الله، وليس مجرد ”علمانيين“ لهم أشغالهم المدنية العالمية وكما يدَّعي البعض عليهم خطأ أنه ”لا حقَّ لهم في الاهتمام بشئون الكنيسة والاطمئنان على إيمانها ونظامها وسلامتها بل عليهم أن يتركوا ذلك للإكليروس“. ولكن على عكس هذا الادِّعاء، فالاهتمام بسلامة الإيمان والحياة المسيحية وحل مشاكل الأسر المسيحية ومن بينها تحديد رؤية لحل هذه المشاكل وأهمها حالات الطلاق وما يُتَّبع بعد الطلاق، كذلك تدبير الشئون المالية للإبراشيات والكنائس، كل هذا منوط بالشعب بالتعاون مع الإكليروس في تنظيمه وترشيده بما يتناسب مع الهدف الروحي الاجتماعي للكنيسة، وذلك منعاً من وقوع بعض الإكليروس تحت شُبهات إساءة التصرف في أموال الكنيسة هم والكنيسة في غنى عنها.
- ولكي نُبين مركز أراخنة الشعب أو مَنْ يُسمُّونهم بالعلمانيين، نعرض بعض صلوات وكتابات الكنيسة في هذا الصدد:
- ففي إجراء طقس سر المعمودية المقدسة يصلي الكاهن لله أن يجعل المعمَّد: ‏«خروفاً في القطيع المقدس للمسيح، عضواً مكرَّماً في الكنيسة الجامعة، إناءً طاهراً، ابناً للنور، وارثاً للملكوت. حتى إذا جاهد كوصايا المسيح، وحرس خاتم الروح القدس من أي سارق، وحفظ اللباس غير المضمحل، يفوز بطوباوية أصفيائك بالمسيح يسوع ربنا».
- وفي الفصل الرابع من تعاليم الرسل (المُسمَّاة "الدسقولية" والتي تُعتبر دستور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ القديم) تنفي أن يظن "العلماني" عن نفسه، أو ما يروِّجه البعض من الإكليروس، بأن ليس له (أي للعلماني) عمل في الكنيسة، بل بالعكس، فإن "الدسقولية" تحُمِّله المسئولية حتى عن ‏وجود «الراعي الشرير‏»، هكذا:
[لأن خرافي وكباشي خليقة عاقلة وليست غير عاقلة (أي ليست بَكْماء). فلا يقول عضو شعب الله إني خروف ولست براعٍ وليس لي عمل... فمن يتبع الراعي الشرير، فإن موته ظاهر قدامه، وهو يهلك من قِبَلِه (أي بسببه). لأجل هذا يجب علينا أن نهرب من الرعاة المهلكين.] - الدسقولية: 4: 3، 31، 32
- وعلى أساس هذا الانتماء الذي يتمتع به المسيحي داخل الكنيسة كعضو في شعب الله والمُفرَز من وسط العالم، يظهر دور الشعب منذ عصر الرسل في الحفاظ على الإيمان (كما في مجمع أورشليم الأول – سفر أعمال الرسل إصحاح 5 - وعلى الأخص الآيات التي تبين اشتراك نخبة المؤمنين في هذا المجمع: عدد22، 28)؛ وفي اختيار الخدام (سفر أعمال الرسل إصحاح 6 عدد 3)، وفي الصلاة من أجل الرسل (أعمال الرسل12: 5-17؛رسالة كولوسي4: 3، 4)، والموافقة على حرمان مؤقت لعضو زانٍ في الكنيسة (كورنثوس الأولى 5: 4، 5)، ثم مسامحته بناءً على طلب شعب الكنيسة (كورنثوس الثانية 2: 10). ونحث القارئ أن يفتح كتابه المقدَّس ويقرأ هذه النصوص ليدرك كيف كانت الكنيسة منذ عصر الرسل تتصرف بالشركة مع المتقدمين في الشعب.

الأراخنة وممثلو الشعب
ودورهم في المشاركة في صياغة القرارات الكنسية:

وهنا ُيثثار سؤال هام : ما المقصود ‏"بالشعب"؟ هل هم جمهور المؤمنين على وجه العموم، سواء المهتمون بالشئون الكنسية العامة وغير المهتمين؟ العارفون والمُدقِّقون في الشرائع والقوانين وغير العارفين؟ (ملحوظة: استعنت في كتابة هذا المقال بأحد الكتب الهامة في هذا الموضوع والتي قرأتها منذ 8 سنوات تقريباً، واسم الكتاب: "التدبير الإلهي لتأسيس الكنيسة" لأحد الرهبان لم يذكر اسمه، والمراجع لما سأنقل عنه من مبادئ وآراء موجودة في الكتاب، فلن أذكرها لصعوبة إنزالها).
- تشير كل النصوص القديمة ذات الأصل الروماني اللاتيني، إلى أن المقصود بالشعب هم الممثلون للشعب الذين لهم دور ما في خدمة الكنيسة والمعرفة والاهتمام بشرائع وقوانين الكنيسة، هؤلاء هم الذين يُسأل رأيهم وتؤخذ وجهات نظرهم مأخذ الاهتمام والجد. وتذكر نصوص كتابات القديس كبريانوس بابا كنائس شمال أفريقيا في القرن الرابع هذا المفهوم حين حديثه عن الشعب، وكلمة ‏«الشعب‏» وهي تعني عنده - بحسب رأي العلماء المدققين، نخبة الشعب والأعضاء البارزين في الكنيسة، وذوي المشورة الحسنة والحكمة المشهود لهم بالعلم والدراسة والدقة في المعرفة.
+  ثم يثار سؤال آخر هو: حينما كان يؤخذ رأي الشعب أو ممثليه هل كان ذلك بعد إصدار القرارات الكنسية أو قبل ذلك؟ أي هل كانت موافقة الشعب على القرارات إجراءً شكلياً أم كانت لازمة لإصدار القرار.
+ باستقراء العلماء لنصوص كتابات الآباء الذين ظهر من بين ثناياها هذا الموضوع، يتضح أن موافقة الشعب لم تكن شكلية البتة، بل كثيراً ما كان الشعب يأخذ دوره الإيجابي والفعال في عملية صياغة القرار الكنسي.
+ فإن أعضاء الشعب البارزين كثيراً ما كان حضورهم فعالاً نشطاً في المناقشات التمهيدية التي كانت تجرى للتمهيد لإصدار القرار الكنسي في مجامع الأساقفة، سواء المجامع المكانية منها على الأخص، أو أثناء صياغة ومراجعة النصوص التي ستتبناها هذه المجامع.
+ والمعروف طقسياً وتاريخياً أن الأساقفة بعد عودتهم من المجامع كانوا يجتمعون إلى شعوبهم، حيث كانوا يعرضون القرارات على شعب إيبارشياتهم الذي كان يُدعَى إما للموافقة لتصير هذه القرارات ذات صفة شرعية، أو كثيراً ما حدث أن اعترض الشعب على قرارات مجامع حضرها أساقفتهم، وتوقف سريانها بسبب هذا الاعتراض.

وعندنا أمثلة لذلك:
- مجمع خلقيدونية (سنة 451 م المُعتبر مسكونياً لدى الكنائس البيزنطية الشرقية)، لكن كنائس مصر وإثيوبيا والمشرق رفضت قرارات هذا المجمع والنتائج التي ترتبت عليه، مما أثار حرباً شعواء على شعوب هذه الكنائس، وحدث ما حدث من مآسٍ واضطهادات ذاق فيها الشعب القبطي وشعوب كنائس المشرق الأَمرَّين.
- ومثله أيضاً ما حدث في مجمع فلورنسا سنة 1439م. الذي عقدته الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في فلورنسا وحضره بعض بطاركة الكنائس الشرقية، وكان هذا المجمع يهدف إلى تحويل هذه الكنائس إلى كنائس تابعة لكرسي روما والاعتراف بعصمة البابا الروماني وباقي الهرطقات الرومانية التي برزت إلى الوجود بعد انشقاق الكنائس الكبير منذ القرن الخامس. ولكن عند رجوع بطاركة هذه الكنائس حاملين قرارات هذا المجمع، لم توافق شعوبهم على قرارات هذا المجمع.
- بل كثيراً ما حدث أن أجمع الشعب على اختيار أساقفة وبطاركة لم يكن أحد يظن أنهم يكونون أساقفة وبطاركة صالحين، أو العكس أن يعترضوا على اختيار أساقفة أو بطاركة رغماً عن إرادة الشعب، ثم يُرسمون بالرغم من ذلك. وكما يتضح من استقراء تاريخ الكنائس فقد كان للشعب رأي حاسم في فرض الحرمانات ورفعها، بالرغم من أن الأسقف هو وحده الذي يملك سلطان الحل والربط، لكن كان الأساقفة الصالحون يستشيرون أعضاء الشعب في ذلك.
- وقد ظل هذا التقليد سارياً في الكنيسة على مدى الأجيال، ففي كنيستنا القبطية الأرثوذكسية يتجسد هذا التقليد بأروع صوره، إذ يشارك الشعب الإكليروس في كل ما يختص بسياسة وتدبير الكنيسة وخدمتها والاهتمام بمقدساتها وصَوْنها والحفاظ عليها. وإذا راجعنا تاريخ الكنيسة القبطية في كتابات مؤرخيها الأوائل وعلى الأخص ساويرس ابن المقفع في كتابه المشهور: "تاريخ البطاركة" لوجدنا ذلك واضحاً في سيرة كل بطريرك من بطاركة الكرازة المرقسية.
- فقد ذكرت الوثائق الكنسية اسم الأرخن سانوتيوس (أو سينوتي أو شنودة) الذي كان عميد الأقباط في القرن السابع (أثناء حبرية البابا بنيامين الأول الذي عاصر دخول العرب لمصر)، في أخطر الفترات الحرجة التي مرت بها الكنيسة القبطية. وكان البابا بنيامين مختفياً بسبب اضطهاد وملاحقة السلطات البيزنطية له لمعارضته قرارات مجمع خلقيدونية. فتولى سانوتيوس (وهو عضو شعب الله غير الحاصل على أية رتبة كهنوتية) إدارة شئون الكنيسة مدة اختفاء البابا بنيامين وأحسن إدارتها، وجمع كلمة الأمة، وبما كان له في نفس عمرو بن العاص الذي غزا مصر، من منـزلة، استصدر أمراً منه بتأمين حياة البابا على نفسه.
وهكذا عاد البطريرك إلى كرسيه واستأنف ممارسة مهامه الرعوية وتجديد ما خربته أيدي المضطهدين البيزنطيين، وما هدمه الفُرس أثناء غزوهم لمصر قبل الغزو العربي، وذلك بفضل وأمانة أحد كبار أراخنة الشعب.
- كما يذكر تاريخ الكنيسة دور أراخنة الشعب في مواجهة تجاوزات البابا كيرلس الثالث (في القرن الثالث عشر)، واشتراكهم مع الأساقفة في المجمع الذي عُقد في القلعة في شهر توت سنة 947 للشهداء لإيقاف هذه التجاوزات. وتسجل اشتراك الشعب مع الأساقفة في هذا المجمع المقدس في مقدمة قرارات المجمع هكذا:
[…حضر الأب البطريرك أنبا كيرلص بطريرك المدينة العظمى الإسكندرية وما معها ومن ثبت خطه في هذا المسطور من الأساقفة والقسوس ومشايخ الرهبان والرؤساء الشيوخ الأراخنة. وتقرر في أمر البيعة المقدسة الرسولية القبطية بكرسي الإسكندرية أن يجري الأمر فيه على ما يأتي بيانه].
- والشيخ "الصفيّ ابن العسال" الذي كان حاضراً مجمع بابلون التاريخي سنة 1238م. الذي عقده المجمع المقدس والأراخنة لمعالجة مخالفات البطريرك كيرلس بن لقلق، كان أحد علماء الكنيسة الذين تركوا لنا تراثاً ثميناً من الكتابات اللاهوتية والقانونية الكنسية في القرن الثالث عشر. وقد عُيـِّن كاتماً لسر المجمع، أي سكرتيراً للمجمع المقدس، وهو من أعضاء شعب الله غير المتقلدين الوظائف الكهنوتية. وقد وضع هذا المجمع ضمن ما وضعه من قوانين: [عَقْد مجمع إكليريكي عام سنوياً، في الأسبوع الثالث بعد العنصرة، يضم الأساقفة، وفضلاء الشعب]. فالشعب - كما قلنا سابقاً كانت له شركة ودور في إدارة شئون الكنيسة.
- وفي تاريخ البطاركة مواقف في تاريخ كل بطريرك تبين دورهم المُعترف به في ضبط أمور كثيرة في الكنيسة، وعلى الأخص أثناء خلو الكرسي البطريركي، أو حينما كان يمد الأب البطريرك يده لحرمان أسقف أو كاهن أو حتى علماني بدون وجه حق وعكس القوانين الكنسية.
ونفس التقليد كان مُتَّبعاً في سائر كنائس المسكونة:
- ففي كنيسة شمال أفريقيا نجد نموذجاً فريداً لاهتمام الأسقف المتقدم بين أساقفة هذا الإقليم والمسمى ‏«البابا‏» بمشاركة الشعب له في كل شئون إدارته وتدبيره الكنيسة، مُقِّدماً المبادرة منه شخصياً ومُشجِّعاً للشعب على أداء دوره الكامل في ذلك.
- فمن رسائل القديس كبريانوس الأسقف في قرطاجنة المتقدم بين أساقفة أفريقيا في القرن الثالث، نأخذ انطباعاً بتقديره العظيم لدور الشعب كما نرى من الأمثلة التالية:
- ففي الرسالة الرابعة عشرة يضع لنفسه قاعدة منذ بدء أسقفيته أن لا يتخذ قراراً دون أن يأخذ مشورة الإكليروس، ويسأل موافقة الشعب (رسالة14: 4).
- وقد كان للمؤمنين دور يؤدونه، يصفه العالم الآبائيV. Saxer  بأنه ‏«دور لا يمكن سلبه من الشعب جرياً وراء منفعة شخصية لأيٍّ من الرعاة‏». وكان كثيرون من الكهنة في كنيسته قد ارتدُّوا تحت وطأة الاضطهاد، وبعد زوال فترة الاضطهاد هذه رأي القديس كبريانوس أن يستشير الشعب في الصفح عنهم وعودتهم لممارسة كهنوتهم (الرسالة31: 6: 2).
- وفي مراسلات أسقف روما "كرنيليوس" مع "بابا" كنيسة شمال أفريقيا "كبريانوس" يتضح أن نفس التقليد كان متبعاً في كنيسة روما حيث كانت قرارات الأسقف الروماني مرهونة ‏«بالموافقة الحاسمة لعموم الشعب المؤمن‏». وكان يقصد أعضاء الشعب من غير المتقلدين الرتبة الكهنوتية وكان منهم المتزوجون، وكان يقصد أيضاً المعتبرين ناضجين سواء في العمر أو في المواهب، أي أراخنة الشعب. ففي حضور هؤلاء الأراخنة كانت قرارات الحرمان من الكنيسة أو العفو عن المحرومين تتم برأي الشعب. ولم يكن الأمر مجرد موافقة شكلية على سبيل المجاملة للرئيس أو الخوف من حرمانه إياهم، بل كان الشعب يبدى أحيانا رأياً مخالفاً لرأي القديس كبريانوس.
- وقد حدث فعلاً أن اتخذ القديس كبريانوس - الذي كان يحمل لقب ‏«بابا‏» بين أساقفة كنائس شمال أفريقيا - اتخذ قراراً مخالفاً لرأي الشعب، لكنه ندم واعترف بأنه كان على خطأ حينما تجاهل معارضة شعب كنيسته لأحد قراراته (الرسالة 49). نموذج لشركة الشعب مع الرئيس ولشجاعة الرئيس في الاعتراف بخطئه والتراجع عنه.
- وفي كنيسة روما قام أساقفتها برسامة نوفاتيان أسقفاً بالرغم من معارضة الشعب لهذه الرسامة، كما يقرر ذلك المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري (تاريخ الكنيسة 6: 43: 17). لكن أصبح نوفاتيان فيما بعد أحد رؤساء الهرطقات الذي أزعج الكنيسة في القرن الرابع. وهذه مجرد أمثلة للنتائج التي تترتب على تجاهل أو تحدي رأي الشعب سواء في الرسامات الكهنوتية أو في قرارات الحرومات.
- وقوانين الكنيسة منذ البدء تصف الكنيسة بأنها إكليروس وشعب. ولا قيام للواحد بدون الآخر. لأن قيام الكنيسة هو ببعضها البعض حسب نص القانون الرسولي القائل:
[… لأن قيام الكنيسة هو بعضها بالبعض. فلو لم يكن ‏«علمانيون‏» فعلى من يكون الأسقف والقسيس؟]. الباب 49 من قوانين قيام الكنيسة
هذا النص يحمل معاني كثيرة ومعالم أكثر عن طبيعة الكنيسة. فقيام الكنيسة هو بالإكليروس والشعب معاً. والكاهن (أسقفاً كان أو قساً) هو بشعبه، والشعب بأسقفه على حد التعبير المشهور للقديس كبريانوس والذي صار مبدءاً هاماً في حياة الكنيسة: [هذا هو ما يكوِّن الكنيسة: الشعب المتحد برئيس كهنتهم والرعية التي تتبع راعيها. لذلك يجب أن تَعْلَم أن الأسقف بكنيسته والكنيسة بأسقفها.] الرسالة 8: 66

ضرورة تفعيل هذه القوانين الرسولية في مناقشة بنود القوانين المختصة بالزواج والطلاق:
لذلك، وبناءً على تكليف كتاب "الدسقولية" الشعب ممثَّلاً في نخبة العلماء والمُثقَّفين الذين فيه، لذلك نقترح أن تقوم لجنة من نخبة الأقباط وما أكثرهم، بالاجتماع لمناقشة بنود القوانين المختصة بحياة الأسرة القبطية، والمشاكل التي تعترضها سواء في الزواج أو بعد الزواج حينما تتأزم العلاقة وتصل إلى حد المطالبة بالطلاق. على أن تُعطَى لهؤلاء المجتمعين الحرية التامة، على أن يقوم هؤلاء المجتمعون بوضع مشروع جديد مؤسس على منهج المسيح في العهد الجديد القائم على علاج الخطية بالمغفرة (وهذا في سلطان الكنيسة الممنوح لها من المسيح حين أرسلها للعالم: "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا:«سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ:«اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»" - إنجيل يوحنا إصحاح 20 عدد 21، 22)، لا بالعقوبة المؤبدة (التي هي من سلطان الدولة الحاكمة فقط)، وذلك في التعامل مع الإنسان كإنسان له حرية إرادته، مع التسليم بحالات الضعف البشري الذي جاء المسيح من أجل شفائه منه. علماً بأن العلم اللاهوتي ليس قاصراً على رجال الإكليروس، بل هناك من العلمانيين من هم على درجة علمية عالية في العلم اللاهوتي الأرثوذكسي مشهوداً لهم من جامعات عالمية مُعترف بها عالمياً، وكان ينبغي أن يُستعان بهم قبل إعداد القانون الجديد الذي لاقى اعتراضات كثيرة، سواء لاهوتياً أو قانونياً أو اجتماعياً، حسب المنهج الذي رسمته القوانين الرسولية، والذي سارت عليه الكنيسة القبطية طيلة الأجيال الماضية.
(يتبع)

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع