رامى حافظ
بقلم: رامى حافظ
توفى زوجها العمدة علم الدين والتى كانت القرية تسمى على أسمه ، كانت تحلم ان تعلم كل أبناء القرية القراءة والكتابة والحساب ، فقد خصص لها عمدة القرية ارضاً لبناء مدرسة صغيرة لتعليم الأطفال ووحدة علاجية لعلاج أهالى القرية ، فجأة مات عمدة القرية وتبخرت الاحلام فالذى كان يساندها ويدعمها مات ، كانت العصبية هى اساس حياة أهالى القرية التى بنوا عليها تقاليدهم ، فكانوا يندهشون منها أثناء تجولها فى القرية فهم يروا أن المرأة أقل شأناً من الرجل لدرجة أن البعض غلف التقاليد بخلفية دينية لتحصينها حتى لا يعارضها أحد لكن العمدة كان لديه المقدرة والأرادة على المواجهة .
كان العمدة علم الدين رحمه الله هو العقبة الاساسية أمام كبار رجال القرية الذين يريدون إيقاف زوجته التى تعمل على ضياع نفوذهم ، فيحكى أن شاباً يافعاً وقف أمام ابيه وشقيق العمدة المتوفى وشيخ المسجد وطالبهم بعدم ختان أخته القاصر ولكن لم يستطع الا حينما تدخل العمدة بطلب من زوجته بالاستشهاد بدكتور آحدى القرى المجاورة .
فقد قال الدكتور " أن الختان سيتسبب فى أزمات نفسية وبدنية للفتاة " .
وهو ما أغضب شقيق العمدة وكبار رجال القرية وخاصة شيخ المسجد من تلك الزوجة بحجة " أن كلامها مشى على كلامهم " .
بعد وفاة العمدة أصبح شقيقه هو العمدة الجديد ، وكان يعلم أن زوجة شقيقه هى العقبة الاساسية فدبر لها أمراً أتهمها فيه بالزنى مع الشاب اليافع الذى وقفت بجانبه فى مشكلة ختان أخته القاصر ، وبرغم تأكد أهالى القرية بأنها شريفة وعفيفة ألا أنهم سكتوا ولم يدافعوا عنها خوفاً من بطش عمدة القرية الجديد ، وردد كبار رجال القرية الرواية التى قالها العمدة الجديد وخاصة شيخ المسجد الذى لم ينسى وقوفها ضده والتى أتهمته بالجهل وعدم ألمامه بصحيح الدين وظهر ذلك فى مشكلة ختان فتيات القرية ، وخرجت هى وأبنها الصغير من القرية حاملة عاراً وذنباً لم تفعله .
وقف الشاب اليافع وحيداً بصوته العالى ليدافع عنها فوقف بعد خطبة الجمعة فى مسجد القرية مخاطباً المصلين " تعلمون ان زوجة العمدة علم الدين بريئة من تهمة الزنى ، وستظل صاحبة فضل عليكم " .
حينها صاح شيخ القرية قائلاً " أسكت ، وادعو الله أن يغفر لك ولها " وهاج بعض المصلين وضربوه لكن معظم الأهالى تركوا المسجد ليتابعوا حياتهم العادية
وتولى العمدة الجديد أمور القرية وأول شئ فعله هو تغيير أسم القرية من علم الدين إلى قرية الحاكم بأمر الله ثم أستولى العمدة الجديد على قطعة الارض التى كانت مخصصة لبناء المدرسة والوحدة العلاجية وبنى عليها مركز رياضى ومقهى لشباب القرية يقضون فيه أوقات فراغهم يقدم لهم المشروبات والالعاب الرياضية المختلفة هكذا قال العمدة الجديد بعد صلاة العشاء .
خرجت الزوجة البريئة إلى قرية آخرى مجاورة تسمى المستقبل وسكنت لدى عمدتها وعاشت هى وأبنها ، وأستطاعت ان تقنع عمدة تلك القرية ببناء مدرسة صغيرة لتعليم أبناء القرية وبناء وحدة علاجية صغيرة ، وطالبت الاهالى بالتبرع لبناء مكتبة بجوار مبنى المدرسة ونجحت فى ذلك وتبرع كبار رجال القرية بمبلغ لشراء الكتب للمكتبة الجديدة ، وكانت هى المسئولة عن كل هذه الأنشطة لم يسألها أحد عن ماضيها وعملت على تربية أبنها الذى دخل الجامعة وأصبح طبيباً ، وعاد للقرية وأصبح هو طبيب الوحدة العلاجية وحولها إلى مستوصف ليقوم ببعض العمليات الصغيرة ليعالج ويخدم أهالى القرية الذين ساعدوا أمه .
وأثناء رجوعه إلى منزله ليلاً من المستوصف وجد رجلاً عجوزاً لا يستطيع السير فذهب نحوه فنظر إليه العجوز وقال " عايز أكل " .
فأخذه إلى منزله وأجلسه فى غرفة معدة للمسافرين ، وطلب من أمه أن تعد طعاماً وعندما أتت أمه بالطعام صدمت هى والرجل ، أنه هو الشاب الذى تسبب فى طردها من القرية وأتهمها بالزنى وتذكرت ما حدث لها .
وقطع الصدمة الأبن قائلاً " هو انتم تعرفوا بعض " وبعد لحظات جلس الرجل العجوز يروى الذكريات للأبن الذى بكى بكاءً شديداً من أجل ما لاقته أمه من ذل وهوان .
وتسألت الأم البريئة عن حال القرية بعد تركها بعدما سيطر العمدة الجديد شقيق زوجها على أمور القرية .
فقال العجوز " أنقلب الحال إلى حال ، فقام بتغيير أسمها إلى قرية الحاكم بأمر الله ، وأستولى على أرض المدرسة والوحدة العلاجية وأقام عليها مركز رياضى ، وفرض ضرائب جديدة ، ومكن الغنى فيها ، وضاع حق الفقير ، وكل من حاول أن يقف ضده أم اختفى أو لفق له جريمة تتعلق بشرفه " .
وترك أمور القرية فى يد شيخ المسجد ليحلل ويحرم ما يشاء من الأفعال مستغل حفظه للقراءن الكريم بالرغم من عدم علمه بالقراءة والكتابة ورجع الأهالى يمارسون تقاليد قديمة كانوا قد توقفوا عنها أيام العمدة السابق علم الدين ، وزاد هذا الأمر عندما ذهب لقضاء فريضة الحج منذ عدة أعوام فى السعودية حيث طالب سيدات القرية بلبس النقاب وحرم الأغانى ، ودائماً يمتدح العمدة ويصفه بالقائد والحكيم ، وأنه أعظم عمدة من بين كل عمد القرى المجاورة وأنه علمنا الكرامة وحافظ عليها بالرغم أن كلما ذهب أحد الاهالى إلى أى قرية يهان جعلتنا نخشى الخروج من قريتنا .
وأستمر العجوز فى حديثه قائلاً " تركت القرية وعاشت فى عشة بجوار القرية ، وجائنى فى يوم ثلاث شباب طلبوا منى العلم فقمت بتعليمهم القراءة والكتابة والحساب وبعضاً من أمور الدين " .
فالأول أصبح عالماً وذهب إلى المدينة وأصبح أحد اعلامها ، بينما الثانى أحب الكتابة فكتب الشعر والراويات ، وعرف أحد رجال الغفر بما كتبه فجائنى وطلب النصيحة فقلت له " أنشر للناس ما كتبت " لكنه خاف وهرب إلى مدينة آخرى وأصبح أديباً كبيراً هناك ، وعندما علم أهالى القرية بأخباره هاجمه شيخ القرية وأتهمه فى خطبه بأنه يدعو لهدم الدين .
فقد قال الشيخ فى آحدى خطبه " باع دينه من أجل دنياه " .
ظل الثالث فى القرية يحاصر العمدة فى حواراته بأسئلته عن كل موضوع يطرحه على الأهالى ، فكان يتعمد أظهار جهله أمام الأهالى وطلب الشيخ من الشاب بأن يتوقف عن الدخول فى مناقشات عقيمة مع العمدة .
فقد قال الشيخ للشاب " أن عدم طاعة ولى الأمر تخرج الشخص عن دينه "
فتجرأ الشاب وقال " هذا حقى ، عايز أفهم " .
فرد الشيخ " أنت كافر ، أتخالف أمراُ من أمور الدين " .
وظل الشيخ يحذر من أراء الشاب فى خطبه حتى قتله أحد أبناء القرية الذى أصبح بطلاً فى نظر الكثيرين من شبابها ، وهو السبب الذى جلعنى أرحل بعيداً
عن تلك القرية خوفاً من البطش فانا معلمه .
وبكى العجوز منهياً حديثه وقال " لو أبتعد الشيخ عن العمدة لصلح حال القرية "
قصة قصيرة .. تمت
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=21748&I=541