عماد توماس
بقلم: عماد توماس
ما أصعب على المرء عند الحاجة أن يكون محور لكاميرات وأضواء لم يكن يحلم أن تصل إليه ذات يوم، وما أتعس على المرء أن يكون هدفا رغما عنه لمتاجرين به سواء معنويا أو ماديا.
فعندما يأتي شهر رمضان من كل عام، يُـكرمنا التلفزيون المصري بباقة متنوعة من الإعلانات التي هي اقرب للجريمة ضد الإنسانية، وانتهاك فاضح للخصوصية، وترتبط كل هذه الإعلانات بالوازع الديني سواء من خلال استقطاب شخصيات دينية أو تقديم هدايا وجوائز ذات مدلول ديني.
ورغم كثرة الدراسات التي تُـثبت التأثير السلبي للإعلانات التلفزيونية التجارية على قيم واتجاهات وسلوكيات الأطفال، إلا انه من النادر أن نرى دراسات تتحدث عن تأثير الإعلانات على الأطفال المعلنين أو الذين يشاركون في الإعلانات –رغما عنهم- والتي نتمنى أن نرى دراسة جادة ترصد وتحلل سلوكيات الأطفال الذين يظهرون في الإعلانات الخاصة بالمرضى .
ففي إعلانات مستشفى سرطان الأورام- الذي لا يمكن إنكار مدى الجهد والرعاية والعناية الصحية المقدمة للمرضى الأطفال- يخرج علينا الشيخ محمد حسان ليحث ويشجع الناس على التبرع قائلا "اخرج من زكاتك وصدقاتك لفقراء المسلمين" -وليس فقراء المصريين- ويدعو أحدهم " اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين" وتظهر استاذة الفقه الاسلامى بجامعة الأزهر عبلة الكحلاوى وتردد الآية القرآنية " إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ " وفى أول أيام شهر رمضان يذهب الداعية الاسلامى الحبيب الجفرى لزيارة أطفال المستشفى، حتى لاعبو المنتخب المصري الذين يذهبون لزيارة المستشفى يتم اختيارهم على أساس تدينهم مثل أبو تريكه واحمد حسن واحمد فتحي، وتراهم يتلون بعض الآيات القرآنية في أحاديثهم، لاستقطاب أكبر عدد من المتدينين من الشعب المصري للتبرع للمستشفى.
وبالطبع لا تنسى إدارة المستشفى في مغازلة المسيحيين بإعلان يظهر فيه البابا شنودة في المستشفى مع الأطفال، حتى يتم تشجيع المسيحيين على التبرع للمستشفى.
وبالطبع تعتمد المستشفى على الاستفادة من نجومية هؤلاء المشاهير في حث المواطنين على التبرع، خاصة الرموز الدينية وفى شهر يحاول الجميع الاقتراب فيه من الله بأداء الصلوات وتقديم الصدقات والزكاة، ورغم نُبل وسمو الهدف في جمع الأموال لمساعدة الأطفال المرضى، إلا أن الغاية لا تبرر الوسيلة ولا يجب أن تبررها، فالإعلانات في حضور الأطفال المرضى الذين لا ذنب لهم عندما يظهرون على شاشات التلفزيون في هذه الحالة المرضية، هى نوع من الانتهاك الواضح لخصوصيتهم، ومتاجرة بآلامهم، في انتهاك واضح لاتفاقيات حقوق الطفل ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسانية في خصوصية كل فرد. فلكل شخص الحق في خصوصيته، طبقاً لآليات حقوق الإنسان الدولية، بدون التدخل في حياة الأشخاص الخاصة، ولا يجوز تصوير الشخص إلا بإذن منه أو ولى أمره.
ويُخيل لك-في مصر- انك إذا أردت أن تحصل على تبرعات من اى إنسان عليك أن تقول "قال الله وقال الرسول" وما نراه في وسائل المواصلات المختلفة وخاصة في شهر رمضان، من انتشار جامعي الأموال لبناء المساجد، وليس بناء المستشفيات والمدارس.
حتى إعلانات مسحوق الغسيل الشهير، تراها تقدم جوائز عُمرة وتسلط الكاميرات على الفائزين وهم يبكون من فرحة الفوز، والتركيز بالكاميرات على وجوه الفائزين الذين يكونوا في غير استعداد للظهور على شاشات التلفزيون في هذا الوضع. وتقدم المصرية للاتصالات رحلات حج لمن يدفع الفاتورة في الموعد المحدد، والحديث يطول عن إعلانات ما يسمى ببنك الطعام و المعهد القومي للأورام وغيرهم.
وفى النهاية، أعتقد انه من المهم عمل ميثاق اعلامى لظهور الأطفال في الإعلانات وخاصة الأطفال المرضى.
http://www.copts-united.com/article.php?A=21823&I=543