صموئيل عازر دانيال
بقلم : صموئيل عازر دانيال
مبادئ هامة من الإنجيل وتقليد الكنيسة (4)
5. هل يجوز للكنيسة أن تعاقب الخطاة ؟ وهل من حق الكنيسة أن تمنع نعمة الله عن أحد منعاً أبدياً ؟ وما هي المرة الوحيدة التي وردت في الإنجيل أن المسيح الوديع الرحيم يعاقب فيها ذلك العبد الشرير ( ومن هو هذا العبد الشرير ) بعقوبة أبدية شديدة ؟ وهل من اختصاص الكنيسة أن لا تأتمن أن تزوِّج طرفاً زانياً فلا تُجري له سر الزواج الثان ، بناءً على هذه الحجة ؟ وهل من حق أحد أن ينتحل لنفسه حق دينونة الخطاة عقاباً أبدياً في هذا الدهر الآن ؟
- لأول مرة في تاريخ الكنيسة القبطية منذ ٢٠ قرناً، وفي القرن الحادي والعشرين، تطرد الكنيسة أبناءها وبناتها من الكنيسة وتدفعهم خارجاً ، في ذلك القانون الجديد الذي نحن بصدده ، ليطالبوا بالزواج المدني بعيداً عن الكنيسة – لا سَمَحَ الله بصدور هذا القانون. وليس أمامنا – ردًّا على ذلك - سوى التحذيرات التي أطلقها الآباء الرسل الأطهار للأساقفة الذين أقاموهم على مدن العالم : أن لا يطردوا ولا واحداً أو واحدة من أبناء وبنات الكنيسة ، بينما نجد مسئولون في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في تصريحاتهم يخالفون ويضادون هذا التحذيرات الرسولية.
يقول الآباء الرسل في تعاليمهم المسماة "الدسقولية، تعاليم الرسل" (وهي دستور الكنيسة القبطية منذ القدم ) – وقد نشره القس مرقس داود في الأربعينيات من القرن الماضي ، ثم حققه الدكتور في القانون وليم سليمان قلادة نائب رئيس مجلس الدولة سنة 1998، ونشرته دار الثقافة : للإثبات والأسانيد ...سنذكر رقم الصفحة ورقم البند في أول كل اقتباس :
كيف تظهر أُبوَّة الأسقف نحو شعبه؟
421،3 - وبالحري، فلنقبل إلينا بفرح الذين يتوبون ونفرح معهم بالأكثر، وبالحري نحكم على الذين أخطأوا بالرحمة والرأفة (لاحظ: نحكم عليهم بالرحمة والرأفة!!) . لأنه إذا مشى واحد عند البحر وزلق وأنت عِوَض معاضدتك إياه وجَذْبه إلى فوق، صرتَ أنت تشبهه أيضاً، ودَفَعتَه أسفل إلى البحر، فقد قتلتَ أخاك. كان يجب عليك بالحري أن تعضد الذي زلق لئلا يهلك تماماً، لكي يتأدب الشعب والذي أخطأ أيضاً. لئلا يهلك الكل.
435، 37- الأسقف كالمسيح يحمل خطية الخاطئ: فان كان يمكن، فليحمل الأسقف خطية ذاك عليه، ليجعله حراً. ويقول للذي أخطأ: "ارجع أنت، وأنا أقبل الموت عنك، كما مات سيدي عن الكل". لأن المسيح قال: "إن الراعي الصالح يضع نفسه عن خرافه، وأما الأجير الذي ليس براع وليست الخراف له، إذا رأى الذئب مقبلاً الذي هو الشيطان - يترك الخراف ويهرب ويخطفها الذئب".
438، 45- ولا تهزأ بالشعب الذي تحتك، ولا تخُفِي عنهم ناموس الله وكلام التوبة. ولا تكن مستعداً أن تطرح أحداً بطياشة من الكنيسة، بل اثبت جيداً. ولا تكن محباً للانتهار.
440، 51- فإذا لم تغفروا للذين أخطأوا، فبأي نوع تنالون أنتم الغفران - أليس بالضد، فأنت تربط ذاتك وحدك، إذا قلتَ إني غفرتُ وأنت لم تغفر، فتصير مضاداً ومُعانداً لفمك وحدك، إذ تقول إني غفرت وأنت لم تغفر؟
412، 62- اقبل إليك الذين يتوبون ولا تكن قط ذا قلبين. ولا تقبل مشورة من الذين يمنعونك ويقولون لك بغير رحمة إنه يجب أن لا تتدنس مع هؤلاء أو تتكلم معهم؛ فهذا كلام الذين لا يعرفون الله وهم يخدعونك بشِبْه كلام مَنْ ليس له دين ، أو هم سِِباع شريرة. لأن هؤلاء لا علم لهم بأنه يجب لا أن نتحفظ من الشركة بالكلام مع الذين أخطأوا، لكن بالحري أن لا نصير شركاء معهم بالفعل.
427، 15- ويجب أيضاً أن تغفروا للتائبين، وإذا قال واحد من الخطاة بسريرة طاهرة:
« أخطأت يا رب »، فلوقته يجيبه الروح القدس: « إن الرب رفع خطيتك ولن تموت ».
437، 43 - وأنت الآن طبيب كنيسة الرب (لاحظ وظيفة الأسقف: "طبيب")، فقدِّمْ الأشفية (الأدوية) اللائقة بكل واحد من المرضى، لتشفيهم وتُنجِّيهم بكل شكل، ولتُعيدهم لمكانهم في الكنيسة (التي هي مستشفى الخطاة).
والآن ماذا لو حكم أسقف على عضو في الكنيسة بالفصل بغير حق؟
خطورة الحكم بغير حق وعلى غير الواجب:
439، 48- والذي طُرح من الكنيسة بغير حق وبغير واجب، فإنه يُصاب بحزن قلب، وصِغَر نفس. وهكذا إما أن يذهب إلى الأمم (الأديان الأخرى) فيضلُّ، أو يسقط ويؤسر في الشيع المخالفة، ويصير غريباً بالجملة من الكنيسة ورجاء الله. ويكون مُبَكَّتاً في نفسه بالنفاق. فتصير أنت سبباً لهلاكه. (الكلام مُوجَّه للأسقف الذي طرحه من الكنيسة بغير حق وبغير واجب).
خطورة ضياع أي عضو من الكنيسة:
520، 7، 8 - لأن هذه هي إرادة الله بالمسيح، لك يصير الذين ينجون كثيرين ولا يهلك أحد منهم، ولا تضعف الكنيسة، ولا تقطع من عددهم نفساً واحدة لإنسان، إذ تقتلونها بينما كان يمكن أن تخلص بالتوبة. وهذه النفس تهلك لا بسبب غضبها وصغر نفسها من ذاتها، بل من جهة مشورتكم أيضاً وبهذا تكونون قد أكملتم المكتوب: «إن من لا يجمع معي فهو يفرِّقني» (متى 12 : 30). فإذا كنت أنت (أيها الأسقف) هكذا واحداً مُفرِّقاً للرعية، فأنت مضاد لها، وصرت عدواً لله، ومُهلك الحملان، هذه التي صار لها الرب راعياً. كما أنك فرَّقت الذين جمعناهم نحن (الرسل) من أمم كثيرة ولغات مختلفة، بتعب كثير وحرص وألم مستمر، وبالسهر وعدم الأكل والرقاد على الأرض والشدائد والضرب والسجون، حتى عملنا إرادة الله لنملأ بيته من المتكئين (إقرأ هذا المثل الذي قاله المسيح: في إنجيل لوقا 14: 15- 24) الذي هو الكنيسة الجامعة المقدسة، ليفرح المدعوون ويتهللوا ويباركوا ويمجدوا الله الذي دعاهم إلى الحياة الأبدية بواسطتنا".
416، 69 - فيجب علينا أن لا نُلقي الناس المستعدين للتوبة، للموت. ولا أن نبغض الناس المُحبين العيب، أي القتلة، بهذه الحجة، لأنه لا يموت أحد عن آخر، كل واحد مربوط بقيود خطاياه، وها الرجل وعمله قدامه.
437، 44 - إرعَ القطيع بغير غطرسة، ولا هُزء، كما لو أن لك عليهم سلطاناً، لكن كراع صالح أن تجمع الحملان إلي حضنك وتقوِّي الحبالى.
التعليم قبل التأديب:
427، 14 - لأن الواجب علي الأسقف أن يعمل طاقته قبل الخطية بالتعليم، ليصير أسقفاً على الكل بالحق، ومُبشِّراً بالخيرات المُعدَّة من قِبَل الله، والغضب الإلهي الذي سيكون في الدينونة، كي لا يُرفض غَرْس الله بسبب تهاونه (في التعليم والإنذار)، ويسمع ما قيل في يوشيا النبي: «لماذا سكتُّم عن المنافق، وثمرته قطفتموها؟» لأن الرب قال لكم أيها الأساقفة: «أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار».
402، 39 - وإذا لم تأمروا ولم تشهدوا للشعب، فأنتم تأخذون خطية الذين لا يعرفون. لأجل هذا علِّموا السالكين في الجهالة ووبخوهم علانية. والذين لا يعرفون علِّموهم، والذين يعرفون ثبِّتوهم، والضالين رُدُّوهم. هكذا تتكلمون معهم دفعات كثيرة من أجل خلاصهم. وبهذا لا تخطئون يا إخوتنا، لأنهم إذا سمعوا مرات كثيرة، فلعل قوماً فيهم تحزن قلوبهم ليصنعوا شيئاً من الخير ولو مرة واحدة ويرفضون الشر. لأن الله قال بالنبي: «بهذه أشهد لهم لعلهم يسمعون صوتك» وأيضاً «لعلهم إذا سمعوا يفزعون مما فيهم» (إرميا 26: 3).
التأديب الكنسي لمدة محدودة:
422، 6،5 - وأنت إذا رأيت الذي أخطأ، فاغضب يسيراً، وٱمُرْ أن يخرج، فإذا خرج، فليكن الشمامسة غضابى عليه، وليطلبوه، ويمسكوه خارج الكنيسة، وليدخلوا فيسألوك من أجله. لأن المخلِّص كان يسأل أباه من أجل الذين أخطأوا كما كُتب في الإنجيل: «يا أبتِ اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ما الذي صنعوه». حينئذ تأمر أن يدخل، وتفحص ما إذا كان يتوب، أو عموماً إن كان يستحق أن تقبله إليك في الكنيسة. وإذا ما حددت عليه أن يصوم أياماً كما تستحق خطيته، أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة أو سبعة، هكذا أتركه، وعرِّفْه الواجبات التي تجب على الذي أخطأ ليتأدب. وإذا ما انتهرتَه، علِّمه أن يكون - وهو بمفرده (وليس على الملأ وفي الجرائد والفضائيات) – متواضعاً، وأن يطلب إلى الله ليجد دالة قدامه قائلا: «إن أَخذتَ بالآثام يا رب، فمن يستطيع أن يثبت، لأن المغفرة هي من عندك» (مزمور 130: 3). لأنه هكذا أيضاً يدلُّنا على هذا العمل ما قاله (الله) لقايين في التوراة: «إنك أخطأت، اسكُتْ» أي "لا تعود تخطئ" (كما قال المسيح للمرأة الزانية، أي الفرصة الثانية).
423، 8 - هكذا يجب أيضاً أن نصنع: أن نفصلهم زماناً محدوداً كمقدار، وبعد هذا إذا تابوا نقبلهم إلينا، كما يقبل الآباء أبناءهم إليهم.
(لاحظ أن التأديب الكنسي للخاطئ هو محدود المدة. لا يوجد الرفض الأبدي أو العقوبة الأبدية فهذه اختصاص الله يوم الدينونة، وهو لم يكلِّف أحداً من البشر بالقيام بها في هذا الدهر).
- وإليك قول للقديس يوحنا ذهبي الفم من القرن الرابع عن عدم استخدام العنف في تصحيح الخطاة:
[إنه ممنوع على الأخص على المسيحيين أن يصححوا الذين وقعوا في الخطية بالعنف. فنحن لا نجاهد من أجل أن نحكم بالموت على الأحياء، بل من أجل أن نُرجع الأموات إلى الحياة، وفي جهادنا هذا يجب أن نكون ودعاء متواضعين... المسيح كان منتصراً وهو مصلوب وليس وهو صالب. لم يضرب بل تَلقَّى الضربات، و هو الذي كان كلُّ إنسان قاسياً عليه، أما هو فلم يكن قاسياً على الآخرين] – القديس يوحنا ذهبي الفم.
- ومن واقع هذه الكلمات والوصايا الرسولية، نقدِّم الملاحظات الآتية، وعلى ضوء ظهور الاتجاه إلى مُعاقبة البشر للخطاة والمُذنبين عقوبات أبدية في هذا الدهر، وعلى الأخص الذين يسمونهم في القانون الجديد – لا سمح الله بصدوره - "الطرف المُذنب" في مأساة الطلاق:
أولاً: المسيحية ليست مؤسسة سياسية. بل المسيحية هي المسيح ونحن أعضاؤه أفراداً (كورنثوس الأولى إصحاح 12 كله)، والمسيح - له المجد - أتي لكي يهب البشرية حياة أبدية عوض الموت الذي أصاب البشرية من جراء خطية آدم، ولكي يغفر خطايا البشر. وقد أقام المسيح الرسل لكي يكرزوا بالحياة الأبدية ويبشِّروا بمغفرة الخطايا للبشر. وأقام الكنيسة لكي تُقدِّم على مدى الأجيال والقرون الحياة الأبدية للمؤمنين في أسرار الكنيسة، وتمنحهم مغفرة الخطايا بسلطان الروح القدس في كل سر من هذه الأسرار.
ثانياً: منذ القديم، رفض المسيح مراراً وتكراراً أن يكون ملكاً – وليس مثل بني إسرائيل الذين استبدلوا الله الملك عليهم منذ البدء بشاول أول ملك بشري على إسرائيل. لأن دخول نظام حكم الملوك في تاريخ شعب إسرائيل كان من وراء ظهر وضد شخص الله نفسه، حيث قال الله آنذاك لصموئيل النبي لما اشتكى لله ذلك: "لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا" (سفر صموئيل النبي أول 8 :7). ومن ذلك الوقت بدأ شعب إسرائيل في الزيغان عن الله ملكهم الحقيقي وفي رفضهم الله، إلى أن انتهى أمرهم إلى رفض المسيح ملكهم الحقيقي، فقتلوه مصلوباً لكن الله أقامه من الأموات، وبالتالي بدأ تشتُّتهم وفناؤهم كما يراهم العالم الآن. لقد أتى المسيح وأعاد رعوية شعوب العالم كله وليس إسرائيل فقط إلى حكم الله مباشرة، كل من آمن واعتمد، وهذه هي الكنيسة. وهكذا قال مراراً: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا» (إنجيل يوحنا 18: 36)؛ ورفض طلب إثنين من تلاميذه أن يُعاقب قرية للسامريين (المنبوذين من اليهود) بإنزال نار من السماء لتحرق القرية لأنهم رفضوا دخول المسيح إلى قريتهم ولم يرحِّبوا به، «فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهًا نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ:«يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟». فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ:«لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ» (إنجيل لوقا 9: 52- 56). والآن، ما نراه في الكنيسة من نزعة لمعاقبة الخطاة معاقبة أبدية، أو دفاع عن الكنيسة وخُدَّام المسيح بالمظاهرات المُدبَّرة والعنف والتهديد والوعيد والاستقراء بالغير وبالخارج، هي أعمال ليست من الإنجيل في شيء، بل هي ضد منهج وتصرُّف المسيح على خط مستقيم. فهل نحن دخلنا في عصر الضد للمسيح؟؟؟
ثالثاً: المسيح أتي مُبشِّراً وكارزاً ومُعلماً بالحياة الأبدية، ورفض أن يكون قاضياً لشئون اليهود وأحوالهم الشخصية اليومية (مثل تقسيم ميراث المتوفِّي على الأبناء) بقوله لهم: "من أقامني قاضياً عليكما" (إنجيل لوقا 12: 14)، ورفض أن يُفتي في السؤال الماكر من اليهود: "هل يدفعون الجزية لقيصر أم لا" ليُسلِّموه للوالي: فردَّ عليهم: "إعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (إنجيل لوقا 20: 25)، مُعلناً عدم تداخل الكنيسة وخُدَّام المسيح في شئون حُكَّام الأرض (السلطة السياسية الحاكمة). وبالتالي لم يُقِمْ المسيح خُدَّامه قُضاةً على المسيحيين في شئونهم الشخصية الزمنية ، مما يُدخل الكنيسة وخُدَّام المسيح تحت سلطة القضاء الحكومي ويجعل المحاكم المدنية والجنائية والعالية تُصدر أحكاماً على الكنيسة وخُدَّام الكنيسة، بل أقام خُدَّامه كارزين بالحياة الأبدية، ومُبشِّرين بمغفرة الخطايا، ومانحين نِعمة الله بلا مانع، ومُعلِّمين بناموس وبر المسيح ، وأعطاهم مواهب الشفاء من الخطية بالمغفرة من خلال أسرار الكنيسة بسلطان الروح القدس، وهذه لا ينازعهم فيها أحد، ولكن ليس بالعقوبة كما كان في ناموس موسى في العهد القديم، تلك العقوبات التي ألغاها المسيح وحوَّلها إلى خلاص وشفاء (حسب صلوات القداس الغريغوري "حوَّلتَ لي العقوبة خلاصاً").
- ولكن، ويا للأسف، أتى في القرن الواحد والعشرين مَنْ يريدون أن يُعاقبوا الخطاة عقاباً أبدياً في القانون الجديد – لا سمح الله بصدوره - عكس ما أمر به المسيح والإنجيل - بمنع إجراء طقس سر الزيجة عليهم، بما في هذا الطقس من صلاة غفران الخطايا. فالمسيح كسر قانون العقوبات في الناموس القديم جهراً أمام القضاة، بينما كانت الحجارة في أيديهم ليُنفِّذوا الحكم، وأطلق سراح المرأة الزانية من عقوبة الناموس، مُعلناً بدء ناموس المغفرة لخطايا البشر وإعطاء الفرصة الثانية لهم. ومنذ ذلك الوقت، وكما أعطى المسيح المغفرة والفرصة الثانية للمرأة الزانية بقوله لها: "قَالَ لَهَا:«يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ:«وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا»" (إنجيل يوحنا 8: 10، 11)، لقد هرب القضاة المشتكون على الخطاة والزناة، فكيف ظهروا مرة أخرى في القرن الواحد والعشرين؟؟؟
هكذا صار على خُدَّام المسيح أن يقتدوا بالمسيح فيغفروا ويعطوا الفرصة الثانية للخطاة بلا مانع. فمن أين لخُدَّام المسيح أن يفرضوا العقوبات على الخطاة وعلى الذين يدمغونهم بأنهم زناة، وهم ليسوا جهة قضاء مدني ولا يملكون الأجهزة الأمنية والقضائية التي لها الصلاحيات والإمكانيات لتحكم بدمغ الإنسان حقاً بهذه الجريمة؟
- الكنيسة يسكن فيها المسيح الغافر الخطايا وواهب الفرصة الثانية للخطاة لكيلا يُخطئوا مرة أخرى. وليس لخُدَّام المسيح أن يحوِّلوا الكنيسة من "مستشفى" إلى "محكمة" ويعاقبوا الخطاة – بدلاً من أن يشفوهم بالمغفرة. والرسل لقَّبوا الأسقف بأنه "طبيب كنيسة الرب"، فالكنيسة مستشفى؛ وإلا سيكونون مثل شعب إسرائيل الذي قال عنهم الله: "لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا". ويا لهول ما سيأتي على المسيحيين إذا تم فيهم ما تم على بني إسرائيل بسبب رفضهم الله والمسيح.
رابعاً وأخيراً: القديس بولس كان حريصاً أن لا يحكم في الشئون المختصة بالزواج والطلاق بالأوامر القاطعة الحاسمة، بل كان يقول: "لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ. وَلكِنْ أَقُولُ هذَا عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ. لأَنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ كَمَا أَنَا. لكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ. الْوَاحِدُ هكَذَا وَالآخَرُ هكَذَا" (كورنثوس الأولى 7: 5- 7)، "وَلكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا. وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبُطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا. لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ" (كورنثوس الأولى 7: 8، 9). والمسيح نفسه قال عن الوصايا عن الطلاق التي علَّم بها: "لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، 12لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ" (إنجيل متى 19: 11، 12). لكنه لم يفرض عقوبة على من لم يستطع أن يقبل كلام المسيح عن عدم الزواج، على عكس ما فرض موسى عقوبة على كل خطية ومخالفة (في سفر التثنية وسفر اللاويين).
- وهكذا لم يَصِر خُدَّام الكنيسة في هذه الممارسة الجديدة المضادة لتعليم المسيح لا أُمّاً ولا أباً لأبناء الكنيسة وبناتها، بل وقَسَوا عليهم وعليهن، ولم يسمعوا لأنينهم كما سمع القاضي لأنين ولجاجة الأرملة، وذلك في مَثَل قاضي الظلم الذي فاه به المسيح (إنجيل لوقا ١٨ : ١ - ٥)، وأوضح أن القاضي الظالم استجاب للمرأة الأرملة بسبب لجاجتها وحَكََم لها. فمن أين أخذ رجال الكنيسة حق القضاء على المسيحيين ومعاقبتهم العقوبات المؤبَّدة في حياتهم الخصوصية (الزواج والطلاق) وعدم الإنصات لشكاواهم وتذللاتهم على أبواب المجالس الإكليريكية؟
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=21899&I=545