أزمة شرف

أيمن فايز عطية

بقلم: أيمن فايز  
لا جُرم حينما نفيق علي صدمةٍ تهز وجداننا، حينما يتعري وطن بأجهزته الأمنية والثقافية، ويكون حديث الصباح والمساء!
بلد ما زال يسأل: الفن حلال أم حرام؟
 
في ٦ يونيو عام ١٨٨١ في "القرنة" علي الضفة الغربية منطقة "الأقصر"، حيث عرفت قبيلة الحربات، سر مخبأ الموميات وتوارثته أبًا عن جد،  وتم نهش الأجداد الموتي، وبيعهم للأجانب علي يدي المصريين.
 
فنتذكر فيلم المومياء ١٩٦٩ للمخرج الفنان "شادي عبد السلام"، وكأنه ناقوس خطر يتنبأ عن استمرار الضعف البشري تجاه سرقة الرموز، والمتاجرة بها.
 
تستمر الأحداث رُغم اختلاف الأزمنة، والشخصيات، وتنتهي بأزمة شرف، بل بأزمة ضمير.
 
حينما نسمع عن مسئول أهمل في واجبه، 
أو نسمع عن مسئول اعتلي وظيفة ليست لكفائته، 
أو لحادث قطار يكون ضحاياه هم الشعب الكادح، 
أو إتهام بريء لفرار الجاني،
 
نفيق اليوم علي إهمال قطاع تسبَّب في خسارة وطن، وفقدان لوحة من أهم أعمال الفنان العالمي "فان جوخ" ( ٣٠ مارس ١٨٥٣ –  ٢٩ يوليو ١٨٩٠). برائعته الفنية "زهرة الخشخاش".
 
وجدير بالذكر، إنها سُرقت في عام ١٩٧٨، وهذه المرة الثانية ٢١ أغسطس ٢٠١٠.
تُقدَّر هذه اللوحة بـ(٥٥) مليون دولار من الناحية المادية، ولا تُقدَّر بثمن من الناحية الفنية.
 
وتتبادل الإتهامات بين وكيل أول وزارة الثقافة،  ووزير الثقافة، وبين الحراسة بالمتحف، والداخلية.  وتاهت المسئولية، ولكل حجته، والجميع أبرياء والسارق هو المتهم.
 
بل نلقي اللوم علي أن الكاميرات مُعطَّلة، (٤٣) يعمل منهم (٧) فقط.
 
 لكن أتساءل: أين أجهزة الإنذار، وبوابات الإنذار؟ ربما تكون مُعطَّلة بسبب انقطاع التيار الكهربائي،  ولكنها تعمل فقط حينما يمر بها رجل صعيدي لكونه يرتدي جلباب، وتعطَّل حينما يمر بها رجل بقميص وبنطلون ربما يكون شخص مهم!
 
أين العامل البشري للحراسة؟ هل انقطع عنه التيار الكهربائي؟ أم  إنه لم يتم له تحديث؟
ومن المدهش، إنها سُرقت في الظهر، وقت الصلاة كما جاء في احدي الصحف علي حد قول وزير الثقافة بتاريخ ٢٣ أغسطس ٢٠١٠، وليس ليلاً!
 
وما يزيد الطينة بلة، التخبط في التصريحات الرسمية التي صدرت عن وزارة الثقافة، بل والخاطئة. والقذف بالتهم بأن شابين إيطاليين تم توقيفهما بمطار "القاهرة"، وسرعان ما تراجع عنها بأنه قد حصل علي معلومات خاطئة، فهذه تهمة لا ننكرها، وشرف لا ندَّعيه.
 
ومن هنا، يهمس لي خاطري: لماذا ندفع رسوم دخول للمتاحف؟ لجمع مرتبات الموظفين أو للتأمين والصيانة ضد الحوادث والسطو؟
مع العلم أن المقتنيات بالمتحف تُقدَّر بـ(٨) مليار دولار.  
 
بل تتباري الأصوات بالقول بأن اللوحة مزيَّفة. هل بحثًا عن الشهرة؟ أم لتصفية حسابات شخصية؟ لصالح من هذا التشكيك والفتاوي، بدل ما ننشغل بالبناء ننشغل بالهدم!
 
ونسينا أنه عار علينا كلنا، ومن هنا أقول: طوبي للسارق؛ لأنه عرف قيمة ما لا نعرفه، واحتفظ بها؛ لأنه يقدِّر قيمة هذه التحفة النادرة. لهذا السبب فأنه هو أحق بها؛ لأنه اقتنص فرصة المزايدة علي الإهمال والتسيب.
أو ربما لحين تبت الوزارة في إصلاح كاميرات الضمير المعطلة.
وما يدهشني في الآونة الأخيرة، المجلس الأعلى للآثار في "مصر" يراجع حيازة الأفراد للقطع الأثرية التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم؛ لثقتنا الكبري بالمؤسسات، والروتين الحكومي، والإهمال المتردي.
 
 أعتقد أن "محمد محمود خليل" نادم علي ما تركه من مقتنيات ثمينة، حصيلة عمره، لأيدي العبث والمتاجرة بها، لموظفين لا يعرفون قيمة الفن، وكيف جُمعت هذه المقتنيات، فلا يقدِّر المال إلا أصحابه!
 
نسينا كيف نثقف الشعب علي الإحتفاظ بالمرافق العامة، والسياحة؛ لأنه لا يوجد انتماء، بل أنا وبعدي الطوفان!
 
 متي نتعلم من الغرب؟ فهم يحافظون علي الآثار المصرية أفضل من المصريين، وتكرِّس لها أفضل الميادين والحجرات بالمتاحف؛ لأنهم يقدِّرون الإنسان، ومواهبة التي من الله، وليس عمل الشيطان. المسلة الفرعونية بـ"روما" و"الفاتيكان"، و"نفرتيتي" بـ"برلين"، وذلك علي سبيل المثال لا الحصر.
 
فمن هو الجاني؟
هل هو "فان جوخ"؟ أو زهرة الخشخاش؟
 
أعتقد زهرة الخشخاش تجوَّلت بأرواق المتحف، وفاح عطرها؛ مما أدي إلي  تخدير الكاميرات والأمن، فلا ندين وزارة الثقافة والعاملين بها!!
 
فيجب علينا أخذ عينة دم  لتبرئة المهملين، وسرعة القبض علي مقتني اللوحة. والقبض علي "فان جوخ" حيًا أو ميتًا، وأي رسَّام تُسوِّل له ريشته برسم زهور الخشخاش؛ منعًا لإزعاج السلطات والقوي الخارجية، وتورط المسئولين!