"كمال أبو عيطة": العصيان المدني هو الطريق الوحيد للتغيير

عوض بسيط

* "كمال أبو عيطة":
- سُجنت (19) مرة؛ فازداد ايماني بمبادئي، واستعدادي للموت من أجلها.
- العرائض والتوسلات لا تُجدي مع المسئولين.
- لسنا بلد الخنوع.."مصر" اخترعت الإضراب.
- الأحزاب تبيع التاريخ، والشعب، والكرامة، من أجل حفنة مقاعد!
- الحكومة تريد نقابات "ملاكي"!
- كنت أتمنى أن أكون واحدًا من شباب الفيسبوك!
 
أجرى الحوار: عوض بسيط- خاص الأقباط متحدون

"كمال أبو عيطة" مناضل عمالي، من مواليد 1953، حاصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وإجازة في الحقوق. كما حصل على جائزة حقوق الإنسان من اتحاد العمال الأمريكي،. يتولى "أبو عيطة" رئاسة النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية،  أول نقابة مستقلة فى "مصر"، قابلته، وأجريت معه هذا الحوار:
 
* داعبته في البداية: هل تذكر هذا الهتاف؟ "مجلس شعب صباح الطين..دانت رئيسك قط سمين" من أيام مظاهرات الجامعة؟
رد ضاحكًا: كان هذا بالفعل عندما كان رئيس مجلس الشعب "قط سمين"، أما الآن فديناصورات! وأكلوا القطط!
 
* أعلم أن لك باعًا في الحركة الإحتجاجية من أيام الجامعة، حيث سُجنت أول مرة في 1978..كم مرة دخلت السجن بعدها؟
(19) مرة! لفترات متفاوتة، ما بين أسبوع وأسبوعين، إلى ستة شهور.
 
* كل فترات السجن هذه، ألم تؤثر بك؟ ألم تكسر ظهرك؟
بالعكس..ازداد ايماني بالأفكار، وفي كل مرة كانت تزداد عزيمتي..ليس مجرد أن تؤمن بفكرة بل أن تموت من أجلها.
 
* من أين أتت فكرة نقابة مستقلة للضرائب العقارية..هل بدأت بالإحتجاج ثم تطور الموضوع؟ أم كان في ذهنك المشروع منذ البداية؟
هناك آباء نقابيين في "مصر" كان لهم وجهة نظر الإستقلال النقابي، أول واحد- حسب علمي- تكلم في هذه القضية، كان عم "عطية الصيرفي" (عامل من ميت غمر)، وأيضًا المرحوم "أحمد شرف الدين" المحامي، ومجموعة أخرى تؤمن بنفس المبدأ،  بعدما ثبت عدم جدوى التنظيم النقابي القائم. .
 
* كانت أعداد المحتجين تصل إلى (55) ألفًا..كيف كنت تجمع وتقود هذا العدد الضخم؟!
هذا الإضراب لم يأت بين يوم وليلة، بل نتيجة تعب طويل مني وزملائي طيلة سنوات، وبعد أساليب بسيطة جدًا للمطالبة بالحقوق؛ أن ترسل خطابات ترجو وتتوسل للمسئول؛ وعرائض التوقيعات والبرقيات للوزير للمطالبة بالحقوق، وطبعًا لم تكن هناك استجابة، وإن حدثت نتيجة تكون غير مؤثرة، وكنت أعلم ذلك من البداية، ولكن كان يجب أن يخوض كل واحد التجربة بنفسه ليصل إلى ذات القناعة.
 
* ما حجم المكاسب التي حققتموها من إنشاء النقابة؟
أولاً- نُقلنا من وزارة الحكم المحلي لوزارة المالية. ثانيُا- زاد الدخل بنسبة 441% وجاري تنفيذ بقية الإتفاق مع وزير المالية، أن تصل إلى 1000%. وتم إنشاء صندوق الرعاية الاجتماعية الذي يصرف (110) شهرًا للعامل الخارج للمعاش، وجاري زيادتها إلى (160) شهرًا. وأيضًا هناك الترقيات إلى درجة المدير العام ووكيل الوزارة، التي كنا محرومين منها بسبب تبعيتنا لوزارة التنمية المحلية. وهناك مكاسب أخرى مثل المشاركة في وضع اللوائح، وقواعد صرف الحوافز، وهي خطوة متقدمة جدًا بالنسبة للوضع العام في "مصر"، فدائمًا ما ينفِّذ الموظف التعليمات، حتى لو كانت مخالفة للقانون والدستور! ومن أمثلة ذلك زملاؤنا الذين يقومون بتزوير الانتخابات.
 
* في مقابل هذه المكاسب لابد أن هناك مصاعب تواجهك وتواجه النقابة، أعتقد أن إحداها إحالتك للتحقيق بتهمة تهديد الأمن القومي..
كان هناك بلاغ من اتحاد العمال ضدي يتهمني بإنشاء كيان غير شرعي، ويطالب بحبسي وإغلاق مقار النقابة! ولكن تم حفظ البلاغ. .
 
* هل الخلافات مع "حسين مجاور" (رئيس اتحاد العمال) انتهت؟
تنتهي بانتهاء أحد طرفيها! إما أن يزول هذا الاتحاد البغيض، أو ينصلح وأنضم له، بشرط أن تنتهي تبعيته للحكومة والحزب الوطني، ويقوم على أسس ديمقراطية، ويكون بالانتخاب وليس بالتزوير! بعيدًا عن "شلة المعاشات" المسيطرة عليه.
 
* هل هذا ممكن  أن يحدث؟
ضاحكًا: لا طبعًا استحالة!! هذا معناه أن يفقدوا حياتهم، ووظائفهم، ودخولهم، وسياراتهم، وسائقيهم..والحكومة أيضًا لن تضحي بأداة تستخدمها مثل "مناديل الكلينيكس"!
 
* تجربة النقابة المستقة لماذا لم يتم تعميمها؟
اطمئن ستُعمَّم! لأن التيار القادم هو تيار الاستقلال، ومطلب الاستقلال موجودة في كل المواقع، وهي مسألة وقت. ودون أن أفشي أسرارًا، فاتحاد المعاشات عمل نقابة مستقلة، وهناك نقابة المعلمين المستقلة، وفي الطريق هناك عمال "المحلة"، و"طنطا للكتان"، و"غزل شبين"، وقطاع الصحة...وغيرها يبشر بالخير..هذه النقابة لن تبقى وحيدة.
 
* سؤالي عن الإضراب والاعتصام..هل هو الطريق الأسرع أو الأنسب للتغيير في "مصر"؟
بل هو الطريق الوحيد للتغيير في "مصر"! لأن طريق العنف ثبت فشله وأنا ضده، وعندنا تجربة الاغتيالات والعنف ومآساتها. طريق العسكر محفوف بالمخاطر، وما يضمن لي أن يكونه هناك "جمال عبد الناصر" آخر؟ وما الذي يضمن ألا يكون في وسطهم من هو أسوأ من القائم..أما التغيير بصناديق الانتخاب، فهذا أمر يكاد يكون مستحيلاً مثل الغول والعنقاء والخل الوفي! والاستحالة ليست نابعة من أننا شعب لا يعرف الانتخاب، ولكن بسبب وجود إرادة سياسية ترفض حرية الاختيار؛ فتقوم بالتزوير بالأمن ومسجلي الخطر. هو يمتلك هذه القوات ونحن نمتلك الناس الذين يمكن أن يفرضوا التغيير بالإضراب الذي يتصاعد ليأخذ شكل العصيان المدني العام.. 
 
* هل لدينا ثقافة الإضراب والاعتصام؟
"مصر" هي التي اخترعت الإضراب، من أيام إضراب بناة الأهرام من (5000) عام قبل وقت أن كان البشر في "أوربا" يعيشون في الكهوف وفوق الشجر.الإضراب فن واختراع مصري، وأي إضراب في العالم هو تقليد لـ"مصر". "مصر" بلد الإضراب، وليست بلد الخنوع، أخذنا من الطبيعة العربية طباع الجمل، مهما كان صبورًا ويتحمل، إلا أن ثورته قاتلة.
 
* هل هناك أمل في الأحزاب؟
الأمل في ربنا!! هذه الأحزاب التي ترتب مبكرًا حصص وصفقات، وتبيع الشعب المصري مقابل مقاعد بلا قيمة، ومن كان لهم تاريخ يبيعونه مع شرفهم وكرامتهم من أجل كراسي لا تستحق التضحية، الأحزاب التي تساوم على مصلحة بلد بأكملها- لا تستحق أن تكون أحزابًا...
 
في "مصر" يحدث شيئ غريب جدًا؛ أن تقوم الحكومة باختيار أعضائها!- بالتعيين-  والوزراء والمحافظون وشيخ الأزهر والجهاز الإداري بنفس الطريقة ممكن..لكن أن تختار معارضيها، ونوابهم أيضًا فهذا غريب جدًا. وحتى النقابات يريدوها "ملاكي"! ولجنة "رفض الأحزاب" لا تجيز إلا من يكون "في جيبهم"، ومن يخرج عن هذا الدور يُغضب عليه!.. "مصر" بلا نقابات، وبلا أحزاب.   
 
* ما رأيك فيما يقوم به الشباب من دور عبر الإنترنت والفيسبوك؟
هناك جانب إيجابي في الموضوع، هو أن الحكومة كلما سدت بابًا، ظهر باب جديد للمعارضة، فالجامعة الآن أصبحت سجنًا؛ بسبب الحرس الجامعي، واللائحة الظالمة التي تمنع العمل السياسي. هذه ليست الجامعة كما أعرفها. ولهذا يلجأ الشباب للتعبير عن رأيهم عبر هذه المواقع، ومع ذلك تقوم الحكومة بملاحقتهم ومراقبتهم! أعتبر أن هناك منافذ يفتحها الناس في مواجهة الاستبداد السياسي والديكتاتورية، وهذا يسعدني جدًا. وكنت أتمنى أن أكون واحدًا من شباب الفيسبوك!
 
* هناك انتخابات مجلس شعب قادمة ثم انتخابات رئاسية..
قاطعني: داخلين على تزوير مجلس شعب وتزوير رئاسة، لا تقل انتخابات. كل المتاح هو التزوير، علينا أن نكافح من أجل أن تكون "مصر" مثل بقية بلاد العالم.."مصر" محرومة من حق الانتخاب..نحن سنذهب للمشاركة في تزوير انتخابات البرلمان والرئاسة. هو تزوير بطعم الانتخاب، مثل البطاطس بطعم الكباب!!
 
* أنت مع مقاطعة الانتخابات؟
أدعو للضغط من أجل تحسين ظروف الانتخابات.
 
* وما البديل إن لم يحدث هذا؟
البديل الذي أؤمن به مائة بالمائة، هو التغيير بالناس، عبر إضرابات تتصاعد لتتحول لعصيان مدني عام. بالناس وليس بالنُخب، ولا بالانقلابات، ولا بالعنف.