رحلة مأساوية ومأساة إنسانية (الجزء الثانى والأخير)

صفوت سمعان

بقلم: صفوت سمعان يسى
عند وصول "سخلاى" وأسرته مركز شرطة "نصر النوبة" التابع  لمحافظة "أسوان" تم احتجازهم، وكان معهم (115) لاجىء فى قاعة طعام المجندين، والتى يطلق عليها (الميز)، حيث لم يكن هناك مكان لكى يتم احتجازهم فيه، حيث يوجد لاجئين أخرين وصلوا قبلهم من شهرين محتجزين وعددهم 72 لاجىء موضوعين فى الزنزانات بحيث لم يعد هناك ثمة مكان لاحتجاز المجرمين والموضوعين على ذمة التحقيق من المصريين ، وكان مأمور القسم من النوبيين وبالرغم من ان النوبيين مشهور عنهم الطيبة لكن هذا المأمور لم يعرف عن الطيبة أو الرحمة اى شىء فهو كان يحتجزهم بالأسبوع دون ان يخرجهم من الحجز لكى يتمشوا لسريان الدورة الدموية بأجسامهم حيث كانت الزنزانة التى مساحتها 4  x  5  متر يحتجز بها ما لا يقل عن 50 لاجىء فحتى دورات المياه كانوا يناموا فيها ..... وتخيلوا فى الصيف القائظ بأسوان التى تصل درجة الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية  فى الظل كيف تكون الحياة فى غرف الاحتجاز وبدون مراوح ولا توجد إلا فتحة فى الغرفة مساحتها 30 X30 سم  ... وكان يصرف لهم وجبة واحدة فى اليوم عبارة عن 2 رغيف مصرى وقطعة جبن وملعقة من المربى للفرد يوميا وبصورة نمطية متكررة ..............!!!                                                                                                      
 وفى أثناء زيارة ميدانية لهم يوم 26  / 4 / 2008   وجــــدنا أنهم محتجزين بغرف الحجز بصفة دائمة وعند دخولنا الحجز خرج علينا هواء وبخار ورائحة لا يمكن أن تطاق  لبشر وهم مكدسون فى غـــــرف ضيقة عديمة التهوية وعند خروجهم من الحجز وجد أنهم مبتلين عرقا وكأنهم خارجين من حمام بخار سـاونا ومصابين بأمراض جلدية    ( تينيا ) و قرح فراش و منهم من يعانى من ارتفاع درجة الحرارة  وحالتهم النفسية أسـوأ من أن يتخيل البشر ومنهم  من قال أفضل ان أعدم فى بلدى من أعيش كالفئران ...!!! ويعتبر هذا انتهاك خطير لحقوق اللاجئين الذى تحميه القوانين الدولية وانتهاك لحقوق الطفل الذى يمنع تحت اى مسمى احتجاز أطفال.
وقد عانى سخلاى وأسرته من شظف العيش حيث كانت وجبة واحدة لا تكفيهم وكان أطفالهم كثيرى  البكاء لاحتجازهم فى أماكن ضيقة ولفترة طويلة وجو خانق  والوجبة متكررة كل يوم والجوع قارص وبخلاف ان أطفالهم يحتاجون للعناية وبالإضافة إلى  أطفال أخريين من اسر أخرى ويحتاجون إلى ألبان والى صابون الذى يعتبر ترفا غير جديرين به  شأنهم شأن معظم اللاجئين الذين يحتاجون اللى ملابس وغيارات داخلية حيث لم تجد السيدات أحيانا ما يستر جسدهم   .
 
ولكن مشكلة اللاجئين ازدادت  تفاقما لازدياد الأعداد بشكل كبير وفى إحصاء للأعداد وجد  ان مدينة أدفو 66 لاجىء و مدينة كوم أمبو  32 لاجىء ومركز دراو 71  لاجىء و مركز نصر النوبة  187 لاجىء و قوات الأمن المركزى بأسوان66  لاجىء و قسم شرطة أسوان 6 لاجىء  و مدينة الغردقة 147 لاجىء مدينة مرسى علم 110 لاجىء و محافظة قـنـا   61   لاجىء بخلاف أعداد  لم يتم حصرها فى سجن برج العرب وسيناء وقد صلت أعدادهم  إلى 1600 لاجىء تقريبا  70 % من اريتريا و25 %  من أثيوبيا  5 % من الصومال وكذلك 58 %  رجال وشباب  30 %  سيدات وفتيات منهم حوامل 12 % أطفال من سن الرضاعة حتى سن 3 – 6 سنوات..... و 75% من هؤلاء اللاجئين يدينون بالمسيحية الأرثوذكسية 20 % يدينون بالإسلام 5 % ديانات مختلفة 0        ولما وجدت الحكومة المصرية ان مشكلة اللاجئين تمثل صداعا لهم خصوصا المعاملة السيئة لهم ومناشدة منظمة العفو الدولية   للحكومة المصرية بعدم أطلاق النار عليهم أثناء عبورهم للحدود وما يمثله من انتهاك للمواثيق الدولية وقرارى رئيس الجمهورية رقم  331 , 333  سنة 1980. 
 
لذلك قررت الحكومة المصرية ترحيلهم فجأة وبدون سابق انذرا كما فعلت الحكومة السودانية سابقا ...إلى أماكن غير معروفه تمهيدا لترحيلهم بالرغم من تعرضهم لأخطار محدقة لأن معظمهم مجندين وسيتم إعدامهم فور وصولهم وما يثبت صحة كلامى هو اتصال اللاجئين بى من الغردقة وطلبوا منى الحضور ومعى شيخ جامع وكاهن فورا لكى يقرأ لهم الشيخ والكاهن صلاة الموتى على أرواحهم لأنه سيتم إعدامهم بمجرد عودتهم  - وتم تقييد أيدهم خلف ظهورهم وتم ترحليهم بدون أية متعلقات أو تليفونات أو نقود طبقا لأخر مكالمة تليفونية معهم ولم اسمع أية أخبار عنهم منذ الترحيل القسرى فى شهر مايو 2008 حتى اليوم... وقد ذكر بعض اللاجئين الواصلين بلادهم ان بعضا منهم اعدم فى كونترات تصدير بالمئات وخصوصا المجندين - ولهم الرحمة على أرواحهم !!!
 
-  بالرغم من المادة الثالثة بشأن إعلان الملجأ الأقليمى لاتفاقية حماية اللاجئين ( فقرة 1) تنص على -لا يجوز إخضاع أي شخص من الأشخاص المشار إليهم في الفقرة 1 من المادة 1 لتدابير مثل منع دخوله عند الحدود أو، إذا كان الشخص قد دخل الإقليم الذي ينشد اللجوء إليه، إبعاده أو رده القسري إلي أية دولة يمكن أن يتعرض فيها للاضطهاد.   
 
اما سخلاى وأسرته نجوا بأعجوبة من الترحيل القسرى حيث ان ما تبقى من 1600 لاجىء هو 138 لاجىء وكانوا من ضمن المتبقين حيث رحلوا جميعا إلى معسكر الأمن المركزى بالشلال بأسوان لتبدأ معاناتهم من المعاملة السيئة من الطبيب المقيم الذى كان يرفض علاجهم ويعتبرهم فى مرتبة أدنى من الحيوانات إلى طول فترة الاحتجاز التى لا يعرفوا إلى متى تنتهى وكان السؤال الدائم لى متى سيفرج عنا .. ده حتى المحكوم عليه بالمؤبد يعرف متى سيخرج .. وكانت مكالمتهم التى تصرخ بالبكاء أحنا عملنا إيه معاكم حى تحبسوننا كل السنوات دى .. أولادنا وأطفالنا تعبوا حرام عليكم ومرضوا من قلة وتكرار نوعية الأكل وليس عندنا غيارات أو ملابس داخلية والصابون غير متوافر وأعطى مرة واحدة خلال السنتين .. وكان بكائهم وصراخهم فى كل مرة يتصلوا بى يجعلنى افقد النوم وافقد هدوء أعصابى حيث كنت أتخيل ما يحدث معهم يحدث معى وما بيدى حيلة فى حل مشكلتهم وقد نشرت كثيرا قصتهم ولكن لا مجيب فالقلوب أصبحت قاسية وجافية بشكل غير معقول.
 
وفى يوم 26 / 8 / 2009 تم تسفير 108 لاجئ اريتري إلى كندا ترانزيت ألمانيا بعد إعطائهم حق اللجوء لكندا وتعتبر هذه هي الدفعة الأخيرة الموجودة من اللاجئين  الارتريين بمعسكر الشلال بأسوان  و يتبقى 18 لاجئ معظمهم اثيوبين محتجزين فى ذلك المعسكر و للأسف ترفض المفوضية السامية لشئون اللاجئين اعتبارهم لاجئين وبالتالي أعطائهم لجوء للخارج بالرغم أنهم لاجئين سياسيين هاربين من اضطهاد حكام إثيوبيا  وكان من ضمنهم سخلاى وأسرته الذين تم استمرار احتجازهم لمدة تقارب  على أكثر من سنتين ونصف مما جعل سخلاى يفكر جديا فى العودة لبلاده حتى لو اعدم  فلقد حز فى نفسه  وأجهش بالبكاء ان يرى زوجته وأطفاله يعيشون فى ذلك البؤس والحرمان والحبس لمدة غير معروفة وان يكبر أطفاله وليس لهم هوية أو وطن  يحتويهم أو يعترف بهم كبشر على وجه البسيطة وفعلا اتصلوا بى لتدبير تذاكر رجوعهم والتى تم توفيرها لهم من أقرانهم الموجدين فى كندا  والباقى  بمعرفة الخيريين  المصريين وذلك بعد محاولات لإثنائهم عن الرجوع لأثيوبيا لما فيه من خطر محدق على حياتهم ولا مكانية القيام بمحاولة للهجرة لكندا بمعرفة الخيرين ....
 ولكن السيف سبق العزل وتم تسفيرهم لبلادهم   يوم 20 / 8 / 2010 وكانت أخر مكالمة لى من زوجة سخلاى بأنها لن نخرج من بلادها مرة أخرى ولم تستطع ان تمنع دموعها والبكاء بشكل طويل مع الدعاء لى  فهل البكاء هو فرح بالعودة لأحضان بلادها أو الخوف من  إعدام زوجها فلقد انتهت رحلة الأحلام التى انقلبت إلى رحلة الآلام  والعذاب حيث لم تحتضنهم أية دولة فى رحلة خسرت الإنسانية إنسانيتها، وقصة سخلاى ليست القصة الوحيدة المأساوية  بين اللاجئين فلقد قتل منهم الكثير سواء على الحدود السودانية المصرية أو المصرية الإسرائيلية أو فى الغارة الإسرائيلية على قافلة أسلحة قادمة من إيران لحماس وكانت تحمل عدد كبير من اللاجئين الأفارقة كتمويه على غطاء الأسلحة وماتوا بالمئات دون حتى ذكر – الله يرحمهم ويعوضهم عما لاقوه فى الدنيا التى لم تتسع لهم وإنما الكل أعطى ظهره لهم وكأنهم ليسو ببشر –  فإذا أردتم رحمة فأرحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء..
 
شكر واجب
ولكن الجدير بالذكر وسط خضم تلك المأسى الإنسانية لابد ان يذكر ادوار من تعبوا فى التخفيف على اللاجئين ومن أهمهم أب كنيسة العذراء وخدامه بادفو الذين كانوا يقدموا ويوفروا وجبة الغذاء يوميا طوال فترة احتجازهم وكذلك النقيب كرم حسين بمركز دراو الذى كان يعاملهم كأنهم أقربائه ولم يبخل عنهم سواء بالجهد أو المال وكذلك الأب الكاثوليكي بمدينة كوم امبو ونوال شنودة من مركز هشام مبارك التى تابعتهم ولم تكل أبدا عن خدمتهم  وكذلك مديرى فرع منظمة الآيرو بالأقصر وادفو- جازهم الله.  

لقراءة الجزء الأول انقر هنـــــــــــــــا

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع