تحرّي الحقيقة
راندا الحمامصى
بقلم: راندا الحمامصي
يعيش العالم اليوم فى زخْم من الصراعات الكثيرة والمختلفة، صراعات من أجل كل ما هو متعلق بعالمنا المادى. هذه الصراعات جعلت الإنسان ينأى بنفسه قلبًا وقالبًا عن الحقيقة فى أى شكل وأى صورة كانت.
فمن أحد مصادر الصراعات الرئيسية فى العالم اليوم هو أن الكثير من الناس ينقادون نحو مختلف التقاليد والحركات والأفكار إنقياداً أعمى من دون بحث أوتمحيص. فالله جلّ وعلا وهب كل إنسان العقل السليم والقدرة المناسبة للتمييز بين الحق والباطل. فإذا فشل الإنسان فى استعمال قدراته العقلية واختار لنفسه قبول بعض الأفكار والآراء دون تفحصها ليس عن قناعة بها أو خوفاً من معتنقيها، يكون عندئذ قد أهمل دوره الخلقى الرئيسى كإنسان يعيش على هذا الكوكب.
علاوة على ذلك، عندما يتصرف الإنسان بهذا الشكل يصبح عادة متشدد ومتطرفا فى أفكاره وتقاليده ويكون غير متسامح مع من يخالفه فى الرأى.وموقفكهذا يمكنه أن يجر صاحبه إلى الصراع.
وقد شهد لنا التاريخ صراعات عديدة بل سفك دماء حول اختلاف رأى فى الأمور الدينية البسيطة أو حتى فى تغيير جزئى لتفسير بعض المسائل العقائدية.
إن البحث الشخصى عن الحقيقة يؤدى إلى أن الفرد يعرف السبب فى تمسّكه بفكرة أو عقيدة معينة.
يعتقد البهائيون بأنه طالما أن هناك حقيقة واحدة فإن جميع الناس ستكتشف بالتدريج جوانبها والأوجه المختلفة لها، وفى نهاية المطاف سيصلون إلى فهم مشترك واحد شريطة أن يكونوا فعلاً باحثين عن الحقيقة بكل صدق وإخلاص. وفى هذا الصدد يتفضل حضرة عبد البهاء-(المبين لتعاليم حضرة بهاءالله):
"الحقيقة واحدة ولاتتعدد. وما الاختلافات الظاهرة بين الشعوب والقبائل إلا بسبب جنوحهم نحو التعصب، فإذا ما بحث الناس عن الحقيقة بتجرد فسيجدون أنفسهم فى إتحاد تام."
ويتفضل أيضاً: "ان الحقيقة التى تجعلنا نتخيل أنفسنا على حق والآخرين على باطل ما هى إلا أعظم العقبات فى طريق الوحدة، والوحدة ضرورية ان أردنا الوصول إلى الحقيقة، ذلك لأن الحقيقة واحدة".
فلنترك التعصب والأوهام أعطى حضرة بهاء الله اهتماماً خاصاً بمشكلة التعصب. فالتعصب يعنى تمسك عاطفى قوى بفكرة أو رأى معين بغض النظر عن مطابقته للعقل والمنطق.
إن التعصب بشكله المعروف يبرز للوجود عندما ينتمى فرد إلى جماعة يعتقد بأنها مميزة عن غيرها. فيأخذ هذا الفرد بالتالى موقف سلبى تجاه الذين يخالفونه فى الرأى دون الاعتبار لما هم عليه من قدرات فردية. فالتعصبات قد تكون عرقية واقتصادية وإجتماعية ولغوية أو ما إلى ذلك. فجميعها يؤدى إلى الصراع والنزاع لأنه يولد الفرقة بين مجموعات الناس. أما الكراهية التى نشأت نتيجة ذلك، فغالباً ما أدت إلى إضطراب وحرب بل إلى عمليات إبادة جماعية. لقد أمر حضرة بهاءالله أتباعه ببذل أقصى الجهد للتخلص من جميع أنواع التعصبات والخرافات الراجعة إلى الطبيعة البشرية التى تؤدى إلى الحقد والكراهية.
وضمن آثاره الكتابية التى تتعلق بالأخلاق، وفى كتابه"الكلمات المكنونه" ما يدعونا إلى التأمل فى رشح منها:
" يا أبناء الإنسان هل عرفتم لما خلقناكم من تراب واحد لئلا يفتخر أحد على أحد وتفكروا فى كل حين فى خلق أنفسكم إذاً ينبغى كما خلقناكم من شيئ واحد أن تكونوا كنفس واحدة بحيث تمشون على رجل واحدة وتأكلون من فم واحد وتسكنون فى أرض واحدة وحتى تظهر من كينوناتكم وأعمالكم وأقوالكم آيات التوحيد وجواهر التجريد هذا نصحى عليكم يا ملأ الأنوار فانتصحوا منه لتجدوا ثمرات القدس من شجر منيع".
وكذلك يتفضل فى الكلمات المكنونه أيضاً: يا ابن الروح "أحب الأشياء عندى الإنصاف لاترغب عنه إن تكن إلىّ راغبا، ولاتغفل منه لتكون لى أمينا،وأنت توفق بذلك أن ترى الأشياء بعينك لا بعين العباد ، وتعرفها بمعرفتك لا بمعرفة أحد فى البلاد. فكر فى ذلك كيف ينبغى أن يكون، ذلك من عطيتى عليك وعنايتى لك فاجعله أمام عينيك".
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=22825&I=571